خلف سور حجري مرتفع نسبياً لم يمض على بنائه سنوات كثيرة في ساحة الامويين في دمشق، يختفي الجزء الاكبر من بناء "الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري"، الذي لا تكاد تبدو منه سوى طوابقه العليا وساعته الشهيرة. وعلى رغم كثرة الداخلين والخارجين إليه، فإن المشهد الخارجي للبناء هادئ وبعيد من الحركة المستمرة في ساحة الامويين. أما التغيير والتجديد اللذان شقا طريقهما إلى كل مكان في دمشق، فبقي تسربهما إلى مبنى التلفزيون وشاشته بطيئاً بعض الشي. قبل عشرة أعوام تقريباً كان التلفزيون السوري النافذة شبه الوحيدة التي يطل منها السوريون على العالم. إلا أن الشروع بتركيب الصحون اللاقطة بعد حرب الخليج الثانية بدأ يسحب البساط من تحت أقدام التلفزيون الحكومي، وبدأت نشرات الجزيرة تغزو البيوت. أما مذيعات المستقبل و "أوربت" و "إم بي سي"، فصرن مثالاً لكل ما هو جديد وجميل تحبه غالبية الشباب السوري. ومن الاجحاف القول إن التلفزيون السوري ظل على حاله تلك حتى الآن. فمنذ ما يقارب الاربع سنوات، وبعد إعلانه عن إجرائه مسابقة للمذيعين والمذيعات، استقدم التلفزيون السوري ما يقارب الثلاثين مذيعة مقابل ثلاثة مذيعين. والحق يقال أن المذيعات تحديداً كن على درجة عالية من الثقافة والحضور بل إن بعضهن كن أجمل بكثير ممن عرفهن المشاهد السوري في قنوات عربية أخرى. وفي ذلك الحين استبشر الجميع خيراً وكان الامل كبيراً بأن تمنح هذي الدماء الشابة للشاشة روحاً جديدة تسمح للاستوديوات المغرقة في الكلاسيكية بمحاكاة مثيلاتها من الفضائيات العربية. وبالفعل، بدأ المذيعون الجدد تقديم مجموعة من برامج المنوعات الخفيفة مثل برامج المسابقات وبعض البرامج الاجتماعية التي لا يكاد المشاهدون السوريون وخصوصاً الشباب منهم يذكرون عناوينها أو حتى أسماء مقدميها، والسبب الرئيسي يعود برأي الكثيرين إلى عجز المذيعة مهما كانت جميلة ومغناجاً أو مثقفة ومتزنة في الوصول إلى قلوب الشباب وعقولهم. والاسباب كثيرة أولها اعتماد اللغة الفصحى في بعض البرامج الاجتماعية الخفيفة والطابع الجدي المفروض على المذيعة أو المذيع الالتزام به إلى أبعد حد، إضافة إلى ضعف الامكانات المادية المخصصة لتحسين الاستديوات وشراء أفلام سينمائية جديدة والقيام ببرامج مسابقات مغرية ومثيرة كتلك التي يقدمها جورج قرداحي ورزان مغربي. ولا يعطي القيمون على البرامج حججاً مقنعة لتقاعس التلفزيون عن البدء في عقد مصالحة حقيقية مع الشارع السوري والاقتراب أكثر من همومه ومشاكله اليومية بطريقة أكثر عفوية. في عيون المشاهدين في شهر رمضان فقط يجد محمد علي نفسه مضطراً لشراء "هوائي داخلي" لتلفزيونه ليتمكن من متابعة كل ما يعرض على شاشة التلفزيون السوري من مسلسلات وبرامج مشوقة و"مهضومة". ويقول محمد البالغ من العمر 28 سنة "شركات الانتاج والتلفزيون والممثلون يريدون استغلال شهر رمضان أحسن استغلال. ففي يوم رمضاني واحد يعرض التلفزيون السوري أكثر من ستة مسلسلات درامية واجتماعية وكوميدية وكلها ناجحة محلياً وعربياً. كما تعرض مجموعة برامج منوعات خفيفة تختلف عن كل ما يعرض خلال بقية أيام السنة وكأن الدسم كله في رمضان وبقية السنة صيام. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على قدرة التلفزيون على إنتاج أشياء جميلة فلماذا يتركز نشاطه كله في شهر واحد ولماذا كتب على المشاهد السوري الاستمرار في متابعة برامج مملة وقديمة جداً يعود تاريخ بعضها إلى عشرين عاما أو أكثر؟". تمارى فرزان 20 سنة تركز على جدية التلفزيون السوري: "أحس بالملل أحياناً من مظهر المذيعات "المصروعات" على شاشات الفضائيات وأشتاق لمشاهدة القناة الفضائية السورية بمذيعاتها الجادات أمثال ماريا ديب، وأنا لا أتمنى أبداً أن تتحول مذيعاتنا إلى نسخة طبق الاصل عن بعض المذيعات اللواتي يبدون بعيدات من الواقع. كما أن متابعة التلفزيون السوري تذكرني بالجو الدمشقي الذي لا نتابعه سوى على شاشة تلفزيوننا. ولكن ما أتمناه فقط فهو إخضاع بعض المذيعات للمزيد من الدورات التدريبية لإعطاء الفرصة للمتميزات منهن". أما محمد ديب 23 عاماً وهو طالب في كلية الهندسة، فيقول: "هناك بعض البرامج المنوعة الجميلة والهادفة. ولكنني لا أعلم ما هو مبرر عدم وجود برامج منوعات ومسابقات بالمستوى المقدم على بقية التلفزيونات العربية. وأنا أنتهز الفرصة هنا لطرح سؤال كبير وهو أننا نشاهد في شارتي البداية و النهاية لأي برنامج منوعات عدداً كبيراً جداً من الاسماء العائدة لمهندسي الصوت والإضاءة والمونتاج والمكساج والمخرجين وغيرهم في الوقت الذي يظهر فيه البرنامج غالباً ضعيفاً وهزيلاً من حيث الاعداد والتقديم والديكور فما الذي يفعله هؤلاء جميعاً؟". ويشير محمد الى ظاهرة يلاحظها الكثيرون على الشاشة وهي الحضور المتواضع للعنصر الذكوري، ويقول: "غالبية المذيعين المشاركين في تقديم النشرات الاخبارية وبعض البرامج المنوعة هم رجال كبار في العمر أما الشباب فهم قلة لا نكاد نعرف اسم أحدهم، بل إن المذيعات انتقلن أيضاً لتقديم النشرات الرياضية فلماذا لا يتم استقدام شباب مؤهلين يتمتعون بالطلة الجذابة والحضور الجميل والقادرين على تقديم برامج منوعة تشد المشاهد إلى متابعة التلفزيون السوري". ريما عربي 31 عاماً وهي صيدلانية تشكو قلة عدد البرامج المقدمة للأطفال ما يجعل أبناءها يفضلون متابعة قنوات اخرى على رغم أنها تفضل شخصياً أن يتابعوا برامج القناة السورية "لأنها تخضع لدراسة واعية و"فلترة" دقيقة قبل عرضها على الشاشة". وتضيف ريما: "هناك أزمة كبيرة في برامج الاطفال تشمل الوطن العربي بأكمله ولا تقتصر على سورية فقط. فمقابل مئة برنامج للكبار ينتج برنامج واحد للصغار. كما أنه ليس من الصحيح أن عدد الاطفال المتابعين للتلفزيون السوري قليل فقد فوجئت أثناء زيارتي مع ابنتي للتلفزيون بغرض المشاركة في أحد برامج الاطفال بالعدد الهائل من الرسائل التي يتلقاها البرنامج من الاطفال".