عشيّة الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري التي تصادف بعد غد الأربعاء بدأت أوساط سياسيّة واسعة النفوذ تتحدّث عن أنّ لبنان يستعدّ للدخول في مرحلة جديدة يمكن أن تقود إلى انفراج ينهي التأزّم الحالي ويفتح الباب أمام التوصّل إلى تسوية نهائيّة تعيد الاعتبار للاستقرار العام فيه إنما على قاعدة"لا غالب ولا مغلوب". وإذ تتحدّث هذه الأوساط عن أن الذكرى الثانية لاستشهاد الحريري ستمهّد الطريق أمام وضع البلد على سكّة الحلّ، فإنها لا تنطلق في توقعاتها التفاؤلية من فراغ، وإنما تستند إلى مجموعة من الوقائع السياسيّة يفترض أن تتضافر الجهود المحلية لترجمتها إلى خطوات ملموسة مستفيدة من المساعي السعوديّة - الإيرانية التي لن تتوقف لتوفير المناخ الملائم الذي من شأنه أن يساعد اللبنانيين على معاودة التواصل لتظهير صيغة متكاملة للحلّ، بعد أن توقف الحوار بين الأطراف الفاعلة فترة طويلة من الزمن أفسحت في المجال أمام التصعيد في المواقف السياسية. وفيما يتحدّث رئيس المجلس النيابي نبيه برّي عن أنّ المشاورات بلغت مرحلة متقدّمة بحثاً عن حلّ توافقي للأزمة من دون أن تفصح مصادره عن أيّة تفاصيل تكمن وراء تفاؤله، قالت مصادر أخرى إنّ هناك مجموعة من الوقائع لم يعد من الجائز إغفالها، لا سيما أنها تصبّ في خانة التلاقي اللبناني ولو عند منتصف الطريق مع المساعي السعوديّة - الإيرانية الآيلة إلى مساعدة أطراف النزاع لبلورة أفكار مشتركة تتناول النقاط التي كانت وراء اندلاع الاختلاف اللبناني - اللبناني. وتأتي في مقدّم هذه الوقائع بحسب المصادر نفسها التحوّلات الآتية: - وجود رغبة سعوديّة - إيرانية في معاودة تزخيم المشاورات المشتركة وبناء لطلب طهران التي كانت استمهلت الرياض بعض الوقت ريثما تقوم بالاتصالات اللازمة مع دمشق لإقناعها بتسهيل التوافق اللبناني - اللبناني على سلّة واحدة للحلّ المنشود... - معاودة التواصل بين"المعارضة"و"الأكثريّة"وإنما هذه المرّة من خلال رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ورئيس"كتلة المستقبل النيابية"سعد الحريري اللذين بدآ مشاورات جدّية بعدما قادت المشاورات الأوّلية إلى تجاوز السجال الذي دار بينهما أخيراً. - استعداد الرئيس برّي بتفويض من قيادة"حزب الله"للبحث مع الحريري عن مخارج للأزمة القائمة، وكان الأول تواصَل أخيراً وفي شكل لافت مع سفيري المملكة العربيّة السعوديّة عبدالعزيز خوجة وإيران محمد رضا شيباني بغية مواكبة ما آلت إليه المساعي السعوديّة - الإيرانية لإيجاد قاعدة لمعاودة الحوار اللبناني - اللبناني وتكثيفه. العودة إلى اللجنة المشتركة - الحديث الجدّي عن تشكيل لجنة مشتركة من"الأكثريّة"و"المعارضة"إضافة إلى قضاة، يعهد إليها النظر في الملاحظات التي لدى"المعارضة"على قانون إنشاء المحكمة الدوليّة، على أن ترعاها شخصيّة موثوق بها، تقوم بدور ضابط الايقاع بين الطرفين وصولاً إلى تأمين التفاهم على هذه الملاحظات. - انّ المشاورات الجارية تجاوزت البحث في العموميّات إلى استعراض أبرز النقاط العالقة التي تستدعي التوافق عليها لضمان عدم عودة الحوار إلى نقطة الصفر، علماً أنّ مصادر في"الأكثرية"و"المعارضة"تفرض ستاراً من السرّية على المداولات الجارية حالياً بينهما من خلال السفيرين السعودي والإيراني، وذلك استعداداً لمعاودة الحوار نظراً لأنّ لا نيّة لدى الرياضوطهران بأن تحلاّ محل أطراف النزاع في بلورة المقترحات النهائيّة للحل... - انّ اقتراب موعد فتح الدورة العادية للمجلس النيابي أخذ يضغط على"الأكثريّة"و"المعارضة"للتسريع في إيجاد الصيغة النهائيّة للحلّ، خوفاً من أن يحلّ شهر آذار وهو الموعد المحدّد لبدء هذه الدورة من دون أن يشهد بداية جدّية لحلحلة الأزمة خوفاً من التداعيات المترتبة على تجميد نشاط البرلمان بذريعة أن من الأفضل تحييده عن الانقسام والإبقاء عليه كاحتياط لحماية دوره في تشريع الحلّ... رضا أميركي - فرنسي - مبادرة سفيري الولاياتالمتحدة الأميركية جيفري فيلتمان وفرنسا برنار ايمييه إلى إبلاغ أبرز القيادات في"الأكثريّة"إضافة إلى برّي شخصياً بأن لا فيتو لبلديهما على المساعي السعوديّة - الإيرانية لمساعدة اللبنانيين من أجل التوافق على تسوية، بخلاف ما يدّعيه باستمرار رئيس الجمهورية اميل لحود وقوى غير فاعلة في المعارضة تجد نفسها متضرّرة من أي حلّ طالما أنها لن تكون طرفاً فيه. - وجود شعور لدى قوى أساسية في"المعارضة"بأن الاعتصام الذي بدأته في الوسط التجاري لبيروت منذ الأول من شهر كانون الأول ديسمبر الماضي أخذ يراوح مكانه بالمعنى السلبي للكلمة، وبالتالي لا بدّ من حلّ لتنظيم الانسحاب الهادئ منه، خصوصاً أنها لم تعد قادرة على تصعيد تحرّكها خوفاً من تصاعد حدّة الاحتقان المذهبي، في مقابل عدم استعدادها لصرف النظر عنه بصورة طوعيّة خوفاً من أن يتم التعامل مع خطوة كهذه على أنها تشكّل هزيمة للمعارضة، على رغم أنه تردّد أخيراً أن مسألة الانسحاب كانت نوقشت في اطار الاجتماعات غير الموسّعة لقوى"المعارضة"لكنها لم تتوصّل إلى قرار نهائي وحاسم... هذا بالنسبة إلى المؤشّرات التي تدعو إلى التفاؤل بأن لبنان بدأ يقترب جدّياً من الدخول في مرحلة سياسيّة جديدة، بخلاف الوقائع التي تدعو الفريق الأكبر من اللبنانيين إلى عدم الذهاب بعيداً في التفاؤل ما لم يصر إلى حسم نقاط يمكن أن تعوق تسريع إنضاج التسوية إن لم تضغط في اتجاه نسف مسحة التفاؤل. ويأتي في مقدم هذه النقاط: - جلاء حقيقة الموقف السوري من المساعي السعوديّة - الإيرانية في ضوء استمرار مساعي طهران لدى دمشق ليس للوقوف على رأيها فحسب وإنما لتشجيعها على تقديم التسهيلات لمساعدة اللبنانيين على التوصّل إلى تسوية مشرّفة، خصوصاً بالنسبة إلى إنشاء المحكمة الدوليّة التي ما زالت تُعتبَر عقدة العقد وتتعاطى معها"الأكثريّة"على أنها المدخل الوحيد للحلّ، وتنظر إلى مواقف بعض الأطراف في"المعارضة"من المحكمة إلى أنها ارتداد لردّ الفعل السوري عليها. وهذا ما يفسّر قول أكثر من مسؤول إيراني كما تقول مصادر ديبلوماسية في بيروت ل"الحياة":"اتركونا نتشاور مع دمشق"من دون أن يحدّد موقفه أكان سلباً أو إيجاباً من المحكمة وذلك لتفادي إحراج القيادة السورية. - ضمان موقف لحود بعدم تعطيل التفاهم السعودي - الإيراني لدعم توافق"الأكثريّة و"المعارضة"على المخرج ولإنهاء الأزمة، لا سيما إذا تلازم مع اعتراض سوري، على رغم أن قوى فاعلة في"المعارضة"تعتبر بحسب أوساطها أنّ رئيس الجمهورية يتلطى في موقفه من استمرار الاختلاف بين اللبنانيين وأن توافقهم يجعله عاجزاً عن الاطاحة بأي اتفاق وإن كان يستطيع تأجيله لبعض الوقت، وهذا ما يضطر"الأكثريّة"إلى المطالبة بكفالة مباشرة من الثالوث المعارض أي حركة"أمل"و"حزب الله"و"التيار الوطني الحرّ"بزعامة العماد ميشال عون تقضي بتطويق أي تحرّك سلبي يمكن أن يصدر من بعض"المشتقات"في المعارضة التي ترى في أي حلّ انتكاسة لها ما دام لا يحسب لها حساب في التسوية وتحديداً من خلال إشراكها في حكومة الوحدة الوطنيّة. - لذلك، فإن الضمانة لموقفي دمشق ولحود مطلوبة من قوى"المعارضة"شرط أن تكون مقرونة بكفالة إيرانية مفتوحة على ضمانات مشتركة مع السعوديّة لتأمين الحدّ الأدنى من الاستقرار في السلطة مع قيام حكومة جديدة... ويبقى السؤال: هل ستحمل معاودة المشاورات السعوديّة - الإيرانية وبوتيرة سريعة في اليومين المقبلين إشارة إيجابية تعطي الضوء الأخضر للأمين العام لجامعة الدول العربيّة عمرو موسى للعودة إلى بيروت ليتولّى بنفسه رعاية المَخرج وإنجاح المبادرة العربيّة انطلاقاً من الأفكار التي كان طرحها، على رغم أنّ زيارته أمس لدمشق لا تتمحور حول الملف اللبناني، بمقدار ما أنها تدور حول التحضيرات لعقد القمّة العربيّة العادية في المملكة العربيّة السعوديّة، أم أنها ستصطدم بالعائق السوري وعندها ماذا سيكون ردّ فعل طهران؟...