رفضت مصادر سياسية مواكبة للحوار الجاري بين رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية سعد الحريري، القول إنه يدور في حلقة مفرغة، ولن يؤدي الى نتائج ملموسة على صعيد التوافق على رئيس جديد للبنان، معتبرة انه"ناقص ولن يكتمل ما لم تتضح المعطيات الإقليمية والدولية ذات الصلة الوثيقة بالاستحقاق الرئاسي". وأكدت المصادر نفسها لپ"الحياة"ضرورة ترقب حركة الاتصالات العربية والدولية المرتبطة مباشرة بانتخاب الرئيس، موضحة أن ذلك يفترض مراقبة الحركة الديبلوماسية العربية والأوروبية والأميركية للوقوف على مدى تكاملها مع الحوار الدائر بين بري والحريري. وشددت على وجوب التأكد من أن الحركة الديبلوماسية الخارجية تؤمن التغطية الدولية والعربية لإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده،"وهذا لن يتوضح في وقت قريب وربما يتأخر الى ما بعد الموعد الذي حدده بري في 23 الجاري لانتخاب النواب الرئيس الجديد". ووصفت اعتقاد البعض في لبنان بأن الاستحقاق الرئاسي سيصنع في الداخل وانه سيكون لبنانياً بامتياز، بالاستخفاف بعقول اللبنانيين، معتبرة انه تبسيط للأزمة الراهنة المرتبطة بعوامل خارجية مؤثرة في الساحة المحلية. وأضافت المصادر عينها ان العودة الى الحوار بين بري والحريري كانت ضرورية ليس لتنفيس الاحتقان المذهبي بين الشيعة والسنّة فحسب، وإنما أيضاً لتحضير الساحة المحلية باتجاه التناغم مع العوامل الخارجية في حال أدت الى توفير غطاء دولي وعربي لتوافق اللبنانيين على رئاسة الجمهورية. واعتبرت أن من باب الهروب الى الأمام تحميل المسؤولية لرئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ورئيس"الهيئة التنفيذية"لپ"القوات اللبنانية"سمير جعجع، واتهامهما بأنهما يعدان العدة سلفاً لقطع الطريق على أي تفاهم مرتقب بين بري والحريري في نهاية جولات الحوار بينهما التي ما زالت مفتوحة على التطورات المتسارعة في المنطقة وارتدادتها الأمنية والسياسية على لبنان. وسألت المصادر: لو افترضنا ومن باب إصدار الأحكام المسبقة أو المبكرة على موقفي جنبلاط وجعجع ان الاتهام صحيح، فهل سيكون في مقدورهما تعطيل التوافق على الرئيس بدعم دولي وعربي؟ وقالت إن أكثر ما يمكنهما فعله هو المماطلة لتأخير إنضاج التسوية وترجمتها الى خطوات ملموسة. وأضافت ان جنبلاط وجعجع لن يذهبا بعيداً في انتقاد التسوية إذا اكتملت صورتها الداخلية وحظيت بتأييد دولي على غرار ما حصل عندما توافق النواب اللبنانيون في الطائف على إنهاء الحرب الأهلية من خلال تفاهمهم على وثيقة الوفاق الوطني التي أنتجت الدستور الجديد، وخصوصاً أن جنبلاط يقول باستمرار انه في أقصى الحالات سيتحفظ على التسوية ولن يشهر سلاحه السياسي ضدها. لكن جنبلاط، كما تقول المصادر، يريد من خلال تسجيل تحفظه الوقائي على أي تفاهم في شأن رئاسة الجمهورية، الى فتح حوار حول أبرز العناوين السياسية المتعلقة بالمرحلة المقبلة التي تأتي بعد التوافق على الرئيس. ناهيك بأن جنبلاط وان كان يدعم الجهود الآيلة الى منع إحداث فراغ في الرئاسة الأولى، يعتقد في المقابل بأن الاستقرار العام لن يتحقق ما لم يصر الى تفاهم على العناوين السياسية الرئيسة للمرحلة المقبلة سواء ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة الجديدة أو ببرنامجها السياسي. وفي هذا السياق سألت أوساط مقربة من"اللقاء النيابي الديموقراطي"عن الموقف السوري من التسوية، وهل ان قوى المعارضة من دون استثناء تضمن عدم اعتراض دمشق عليها ولا سيما ان البعض فيها أخذ يتصرف وكأن المشكلة موجودة عند الأكثرية وان النظام السوري سيسهل التوافق على الرئيس، بخلاف ما يصدر من حين لآخر عن شخصيات وثيقة الصلة بسورية من مواقف لا تدعو الى التفاؤل بسبب إصرار أصحابها في رهانهم على أن الفراغ في الرئاسة الأولى ينتظر الأطراف المحلية مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي إميل لحود. وأضافت:"عندما تسأل بعض القوى في المعارضة عن الدور السوري وموقف دمشق من الاستحقاق الرئاسي، فإنها لا تتردد في الإجابة بسؤال لماذا كل هذا التركيز على سورية ونحن نلتزم بكل ما نتوصل اليه من تفاهم حول الوضع الداخلي سواء وافقت دمشق أم لم توافق؟". إلا أن البعض الآخر في المعارضة كما تقول أوساطه يراهن على قدرة طهران على تسويق أي تفاهم لبناني - لبناني في شأن رئاسة الجمهورية لدى دمشق شرط ألا يؤتى برئيس يشكل استفزازاً لها أو تحدياً لإرادتها. ويضيف هذا البعض أن الظروف السياسية تبدلت وان على دمشق ان تدرك منذ الآن انها لن تكون قادرة على إيصال رئيس يكون نسخة طبق الأصل عن الرئيس لحود في مواقفه الداخلية والخارجية، ويتيح لها العودة بالوضع في لبنان الى ما كان عليه قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويتابع:"سورية التي خرجت عسكرياً من لبنان تطبيقاً للقرار الدولي 1559 لا تستطيع ان تعود اليه من الباب الواسع أي عبر فرض هيمنتها السياسية على البلد، لكن لا بد من إشعارها بأن هناك رغبة في تصحيح العلاقات الثنائية". وفي المقابل، تعتقد مصادر في الأكثرية بأن المهمة الرئيسة لحوار بري والحريري تكمن في كسر حلقة الجمود السياسي والعودة الى الحوار بين قوى 14 آذار والمعارضة، على قاعدة ان هناك حاجة ماسة لغطاء مسيحي فاعل يؤدي الى توسيع رقعة المشاورات لتوفير الشروط المواتية لتوظيف الاتفاق الدولي والعربي على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، في اتجاه التفاهم على سلة للحل تعطي الأولوية لقطع الطريق على الفوضى. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، يؤدي ذلك الى وضع سورية أمام الأمر الواقع الذي يملي عليها عدم الانجرار الى مواجهة مكشوفة مع المجتمع الدولي باعتبار انها ما زالت تراهن على الفراغ رافضة ان تطلق أي إشارة إيجابية تتيح لها الانخراط في إعادة ترتيب الوضع الداخلي في لبنان على أساس تكريس استقلاله وسيادته، وتأمين الاستقرار الدائم في العلاقات اللبنانية - السورية على أساس ان لبنان لا يحكم من دمشق ولا يحكم ضدها. وعليه، فإن هناك حاجة لمواصلة الحوار بين بري والحريري لكن لن يكتب له الوصول الى نهاية سعيدة ليس لأن هناك ضرورة لإشراك الآخرين فيه وهذا ما يعترفان به، وإنما لتوفير الحاضنة الدولية والعربية له للانتقال من مرحلة الانتهاء من تبادلهما للنيات الحسنة الى البحث الجدي في العناوين السياسية ليأتي الرئيس على قياس التحديات وبما يدعو الشارع المسيحي للاطمئنان الى دوره في التركيبة ومستقبله في استرداد حضوره السياسي الفاعل، وذلك بدلاً من أن تؤسس الانتخابات الرئاسية لمزيد من الإحباط والانكفاء في اتجاه ارتفاع وتيرة الهجرة.