ضجيج قوي في اسلام آباد يمهد لإجراء الانتخابات النيابية في 8 كانون الثاني يناير المقبل. فعودة"الزعماء"من المنفى أحدثت في العاصمة الباكستانية، وفي عواصمالولايات، انقلاباً كبيراً في الأوضاع. ورغم الخطوات الاستباقية التي اتخذتها السلطة للحد من تبدل الأوضاع منع نواز شريف من الترشح والتضييق على بنازير بوتو، يمكن القول إن عودة هذين الزعيمين رفعت منسوب المواجهات الانتخابية، وجعلت الاسلاميين قوة ثالثة أو رابعة في هذه الجمهورية التي لطالما سجل الاسلاميون فيها انتصارات انتخابية، ووسّعوا في السنوات التي واكبت"الحرب على الإرهاب"نفوذهم ليشمل سيطرة كاملة على حكومات الأقاليم وعلى البرلمان الفيديرالي. الأزمة الانتخابية تعقد اليوم حول قضية منع القضاء نواز شريف وشقيقه شهباز من الترشح. فعودة شريف قلبت المشهد، خصوصاً ان الفراغ الذي أحدثه غيابه عن الساحة الباكستانية كان العامل الرئيس لتوسع نفوذ الحركات الاسلامية، كونه الزعيم الذي يمكنه مخاطبة الميول التقليدية للناخب الباكستاني. كلام كثير في اسلام آباد حول إمكان مقاطعة حزب شريف حزب الرابطة الاسلامية - جناح شريف الانتخابات، بسبب منعه من الترشح. وفي حال صح هذا الكلام فإن أحزاباً أخرى مؤيدة لشريف ستقدم على المقاطعة أيضاً، ومنها الجماعة الاسلامية وحزب البشتون القومي وحزب عوامي القومي في إقليم الحدود وجماعة أهل الحديث حزب السلفيين التقليديين، ما يعني أن مجموع القوى المقاطعة قد يصل الى نصف الكتلة الناخبة الباكستانية. لكن ضغوطاً واسعة يتعرض لها شريف لحضّه على المشاركة في الانتخابات عبر حزبه لا سيما من الولاياتالمتحدة. كما تتولى السعودية وساطة بين شريف والرئيس برويز مشرف. لكن نجمة الاستحقاق الانتخابي من دون منازع هي زعيمة حزب الشعب بنازير بوتو، رغم ان المراقبين يرجحون ألا تكون على رأس لائحة الفائزين. فالصحف جعلت صور بوتو بين مناصريها وشعاراتها الانتخابية ركناً ثابتاً في صفحاتها الأولى، ويتدفق الصحافيون المحليون والأجانب على مكاتبها في اسلام آباد طلباً للقاء أو موعد. ويعزو مراقبون الإقبال الإعلامي على بوتو الى الدعم الغربي الذي تتمتع به، ونفوذها في الأوساط الليبرالية وأوساط رجال الأعمال المؤثرين. الأرجح ان مشرف يسعى الى تشتيت معارضيه، بحيث لا يخرج من الانتخابات ببرلمان يتكتل فيه معارضوه بحصة في المجلس النيابي تمكنهم من تشكيل حكومة بمفردهم. التحالف بين بوتو وشريف سيعني ذلك حكماً رغم انه مستبعد، في حين تشير مصادر الى جهود أميركية لإقامة تحالف بين مشرف وبوتو بحيث تتولى هي رئاسة الحكومة، وهو أيضاً احتمال دونه عقبات كثيرة ليس أقلها تحفظات المؤسسة العسكرية. سيناريوات كثيرة يتداولها السياسيون والإعلاميون في إسلام آباد. الاسلاميون وهم حلفاء تقليديون لنواز شريف منقسمون بدورهم، فالجماعة الاسلامية يرجح ان تلتحق ببوتو في حال قاطع، في حين المقاطعة تعني إخلاء الساحة لبوتو ولليبراليين، وطبعاً للرئيس مشرف. والاسلاميون الذين عاد نواز شريف ليستعيد نفوذاً كانوا بدأوا يشغلونه بفعل غيابه، متضررون موضوعياً من عودة حليفهم، لكنهم لا يستطيعون تظهير ذلك عبر مواجهته انتخابياً، لأنهم بذلك يكونون فتحوا مواجهة مع قواعد ما زالت تمت اليهم بصلة، ويكونون شقوا كتلة ناخبة في مواجهة كتلة بوتو الممثل الأبرز للفئات الليبرالية والطبقات المتوسطة. قد تكون مشاركة نواز شريف أو مقاطعته الانتخابات النيابية في باكستان، الحدث الأبرز في هذا الاستحقاق، إذ سيحدد شكل الحكم ومستقبل السلطة. لكن الملاحظة الأهم التي يمكن أن يرصدها زائر باكستان في هذا الموسم الانتخابي، هي أن عودة بوتو وشريف صدّعت جبهة الاسلاميين الانتخابية، في بلد شكلوا فيه على مدى سنوات العلامة الأبرز في الحياة السياسية.