يُطبق الشبان السعوديون مبدأ "الحاجة أم الاختراع" بدقة، في ما يتعلق بهواياتهم الشتوية. ولا يعتبرون التزلج على المنحدرات الثلجية، أو ممارسة الرياضات الأخرى في فصل الشتاء أمراً ضرورياً. وفي حين اتخذ"المتهورون"منهم"التفحيط"بالسيارات هواية لهم، فإن الكثيرين يمارسون ما يُعرف بپ"التطعيس"تسلق الكثبان الرملية بسيارات الدفع الرباعي بالسيارات. وهذه الأخيرة لا تدخل تحت طائلة الملاحقة الجنائية كما هو حاصل في"التفحيط"، على رغم أنها لا تقل عنها خطورة. وغالباً ما يلجأ الشبان السعوديون، في نهاية الأسبوع، إلى"التطعيس"، بمجرد دخول فصل الشتاء، وهو الوقت المناسب الذي تسمح فيه الأحوال الجوية بحرية الحركة داخل الصحراء، على عكس فصل الصيف الذي تمنع فيه درجات الحرارة المرتفعة مغادرة المنازل، فضلاً عن التوجه إلى الصحراء، حيث تصل درجات الحرارة إلى أكثر من 49 درجة مئوية. ورحلة"التطعيس"ليست مجرد هواية فوضوية، بل يرافقها الكثير من البروتوكولات التي تنظم مواعيدها، وشكل منافساتها. وعلى رغم عدم وجود جوائز ولجان تحكيم لهذه الهواية، إلا أن قوانينها واضحة لدى ممارسيها، إذ ان التمكن من إحدى الحركات الخطرة يضيف نقطة لصاحبها، كما أن كسر التحدي بتجاوز إحدى العقبات، يعني أيضاً نقطة إضافية لمصلحة"المُطعّس"، وعلى هذا فالمركز الأول ليس حكراً على ممارس واحد، بل يتسع لأكثر من هاوٍ. "طعس التحدي"في الثمامة، وپ"طعس الهرم"في العاذرية 50 كيلومتراً شمال شرقي الرياض، من أبرز أماكن المنافسة القريبة من العاصمة، ولا يمانع الهواة من المشاركة في أماكن بعيدة ينطلقون إليها من مدن مختلفة كما هي منافسات"نفود أم حزم"في محافظة المذنب 340 كيلومتراً شمال الرياض، إذ ان شكل الكثيب الرملي هو ما يحدد مستوى التحدي، سواء في الانحدار الشديد، أو طبيعة تماسك الرمال، وليس انتهاء بالمساحة التي لا بد من أن تتسع لعدد المشاركين، وقبلهم جموع الجماهير. وتأتي عملية"الترهيم"سابقة للتطعيس، وهي تجهيز السيارة قبل أن تدخل إلى الرمال المتحركة، وإضافة الى تكلفتها المادية العالية، هي بحاجة إلى خبرة في إجراء التغييرات اللازمة، سواء على المحرك، أو الإطارات، أو نوعية الأذرعة، وغيرها من التفاصيل. ويشير عبدالعزيز الشقير 24 عاماً إلى أن كلفة رحلة التطعيس تتراوح بين عشرة آلاف ريال 2600 دولار، وعشرين ألف ريال 5300 دولار. ويقول:"يعمد الكثيرون إلى تبديل محركات السيارات بأخرى أكثر قوة، لتعطي السيارة عزماً أكبر أثناء صعود المنحدرات الرملية، كما أن بعض الهواة يقومون بنقل سياراتهم من الرياض إلى الأحساء 290 كيلومتراً شرقي الرياض لمجرد تعديل بعض الأجزاء داخل محركاتهم، فيما يقوم آخرون بإزالة أجزاء غير ضرورية لتكون أخف وزناً". عند الكثيب الرملي أو الطعس باللهجة المحلية تبدأ عمليات الإحماء والاستعراض الهادئ لأشكال السيارات، وهي أشبه باستعراض العضلات الذي يجريه الملاكمون قبل أي منازلة. أصوات متفرقة لأبواق السيارات ترافق مسيرهم الهادئ، وأنوار السيارة مضاءة على رغم أن الشمس لم تبدأ رحلة الغروب، وتعليقات الجماهير لا تتوقف عن الإشادة بهذه السيارة، وانتقاد جزئية ما بأخرى. ولا مانع من التهكم بأحد الهواة إذا كانت استعداداته دون المستوى، وذلك أمام جماهير كريمة في الإشادة، وكريمة في النقد. لا موعد لبداية المنافسات."المبادرة"سيدة الموقف، وأول"مُطعّس"يقف أمام المنحدر الرملي ويبدأ باستفزاز الجماهير بأبواق سيارته، يكون أشعل شرارة المنافسة في الوقت ذاته، وهنا تحديداً تعلو هتافات الجماهير، وترتفع معها حرارة صاحب السيارة التي أعلنت تحدي الرمال. وينطلق باتجاه المنحدر بعد أن يقطع مسافة طويلة قبل وصوله الى بدايته، وبعد أن يبدأ في تسلق الرمال المتحركة يحاول"المُطعّس"مفاوضة الرمال بانحرافات يسيرة باتجاه اليمين واليسار من خلال مقود السيارة، وغالباً ما تنتهي المفاوضات بغرق إطارات السيارة في منتصف المنحدر. فيترتب عليه رحلة العودة الى الخلف، وبالطريقة ذاتها التي صعد بها، إذ لا مجال لتعديل شكل السيارة بحسب قوانين الرمال، والتي تختلف عن قوانين الشوارع الاسفلتية، وهنا يتضاعف التحدي أمام صاحب السيارة ليثبت للجماهير براعته في منازلة لا ترحم. ويعود في محاولة أخرى. وفي المرات القليلة، يتمكن صاحب السيارة بعد رحلة الصعود من الوصول الى أعلى نقطة. وهنا يقف صاحب السيارة بعد اعتلائه هامة الكثيب الرملي في شكل استعراضي، يشبه من انتصر في منازلة حامية، ويلقي نظرة"شماتة"على أرض المعركة، منتشياً بهتافات الجماهير. وتترافق مع صعود"المُطعّسين"الكثبان الرملية حركات فنية تبرز لياقة صاحب السيارة العالية في التعامل مع حبيبات الرمل. وتعد حركة"الفرجار"أخطر فنيّات التطعيس، إذ يقوم المُطعّس هنا بتعديل شكل السيارة أثناء نزولها من المنحدر بحركة نصف دائرية، تجعلها في وضع الصعود بدل النزول، وعلى المسار ذاته الذي تسير عليه، إذ ان قوانين الرمال لا تسمح بالتفاف السيارة في شكل عادي، وهي حركة غالباً ما تنتهي بانقلاب السيارة. وهناك أيضاً ما يُسمى بپ"التسييف"، وهي حركة أقل خطورة من سابقتها. ويقوم خلالها"المُطعّس"بالنزول من الكثيب الرملي في شكل اعتراضي، يقوم السائق خلاله بمخالفة قوانين الرمال، ولكن بهدوء. ويفلح الكثيرون في عملها، ولكن بمجرد أن تلوح أول بادرة فشل يقوم صاحب السيارة بتعديلها لتنزل في شكل عمودي، ومن دون عناء. وتستمر الفعاليات إلى حين اقتراب الشمس من المغيب، حيث تهدأ وتيرة الحماسة كلما غاب قرص الشمس في الأفق، ويستعد الجميع لمنازلة أخرى، في موعد ومكان مختلفين.