يظهر اغتيال زعيمة حزب الشعب الباكستاني المعارض بينظير بوتو، النمو المتزايد للعسكر المناهض لحكومة الرئيس برويز مشرّف، ومدى التهديد الذي يشكله لبلاد تتوافر فيها كل العناصر اللازمة للانفجار، من ميول"طالبانية"وطائفية وعرقية، يمكنها أن تتفاعل على نحو خطر وغير متوقع، في وقت غامرت واشنطن ولندن، باستخدام بوتو"ورقة أخيرة"لضمان استمرار الرئيس برويز مشرف في السلطة. قبل عودتها الى بلادها من المنفى، ابلغت بوتو وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند بمخاوفها من شخصيات معيّنة في النظام الباكستاني قد تعمل على تصفيتها، وطالبت بريطانيا والولايات المتحدة بتقديم ضمانات لسلامتها. وجاء قرار بوتو العودة بعد اتصال هاتفي تلقته من وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، قبل أسبوع فقط من توجهها الى باكستان في 18 تشرين الأول أكتوبر الماضي. واعتُبِر ذلك الاتصال تتويجاً لديبلوماسية سرية استمرت سنة، بعدما تبين لواشنطن أن حاملة أهمّ ارث سياسي في باكستان، وحدها قادرة على دعم مشرف حليف واشنطن الرئيس في الحرب على الإرهاب. وشكلت السنة التي سبقت عودة بوتو إلى إسلام آباد، تحوّلاً مفاجئاً لرئيسة الوزراء السابقة التي اطيح حكمها عام 1996، فيما اصبح ضمان احتفاظ مشرّف بكرسيّه الرئاسي مرهوناً بها. فكانت زيارات مفاجئة جمعتها مع مسؤولين كبار في الخارجية الأميركية، ولقاءات عشاء مع السفير الأميركي لدى الاممالمتحدة زلماي خليل زاد، واجتماعات مع مسؤولين في مجلس الأمن القومي الاميركي. وعلى رغم ترجيح الناطق باسم الداخلية الباكستانية، جواد شيما، أن تكون"القاعدة"وراء اغتيال رئيسة الوزراء السابقة، وتبني الاستخبارات الأميركية موقفاً مماثلاً، فإن أعداء بوتو كانوا كثراً. وإضافة الى عناصر"طالبان"و"القاعدة"، لا يمكن الاستهانة بعناصر في الجيش وأجهزة الاستخبارات الباكستانية، لم تربطهم علاقات طيبة بها. وقبيل اغتيالها، شنت بوتو هجوماً حاداً على الحكومة، اتهمتها بالفشل في"القضاء على الميليشيات المتشددة"، واعتبرت أن الاسلاميين عززوا وجودهم في الدولة النووية، محمّلة الحكم العسكري مسؤولية تأجيج التشدد المسلح. وفي14 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، بعد أيام من الانفجار الذي استهدف موكب عودتها في كراتشي، انتقدت بوتو"التحقيق الصوري"للحكومة في الحادث، وطرحت تساؤلات عن سبب"إطفاء الأضواء في مكان التفجير، للتعتيم على الأدلة". وأشارت إلى تورط مباشر للرئيس في"المؤامرة". وبعثت رسالة الكترونية الى مستشارها في واشنطن مارك سيغل الذي تولى تنسيق علاقاتها مع المسؤولين الاميركيين، قالت فيها:"أريدك ان تعلم، انه اذا حدث شيء، اضافة الى الاسماء التي اوردتها في رسالتي الى مشرف في 16 تشرين الاول اكتوبر، احمّل مشرف المسؤولية، لأن اعوانه يشعرون بعدم الامان". والمتشددون الاسلاميون في باكستان التي عرفت بمدارسها الدينيّة التي ولدت"طالبان"من رحمها، ساندوا مشرف لإضفاء الشرعية على وضعه الرئاسي في العام 2002 عقب استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري عام 1999. تتبنى غالبية من أعضاء الحزب الحاكم وضباط الجيش، أيديولوجيات مناهضة للغرب، وتحديداً لواشنطن.