تتبارى المصارف والمؤسسات المالية الغربية والآسيوية الكبرى هذه الأيام، لإطلاق نوافذ إسلامية، للاستفادة، باسم الدين، من منطقة تتراكم فيها الثروات سنة بعد أخرى بفعل الارتفاع القياسي لأسعار النفط، والحصول على تمويل للمؤسسات العالمية التي تعاني شحاً في السيولة نتيجة أزمة الرهن العقاري. ويبدو أن الصيرفة الإسلامية باتت أمراً واقعاً في الحياة المصرفية الدولية، اذ أعلنت بنوك يابانية وصينية أخيراً انضمامها الى اكثر من 300 مصرف إسلامي من 51 دولة حول العالم، تتجاوز أصولها 300 بليون دولار، عدا عن"نوافذ إسلامية"أطلقتها مصارف تقليدية في جميع أنحاء العالم. وقدرت مؤسسة"ماكنزي"العالمية موازنات المصارف الإسلامية خلال عام 2007 بأكثر من تريليون دولار، منها 800 بليون من منطقة الخليج. وساهم ارتفاع أسعار النفط والطفرة الاقتصادية في المنطقة العربية، في لفت انتباه مؤسسات مالية عالمية، مثل"سيتي بنك"الأميركي وپ"اتش أس بي سي"البريطاني وپ"دويتشه بنك"الالماني وپ"بي ان بي باريبا"الفرنسي، الى الدور المتعاظم لصناعة المال الإسلامية. وفي حين تعاني بعض هذه المصارف شحاً في السيولة في بلادها الأم بسبب أزمة الرهن العقاري، ومن تراجع حجم المشاريع، أكد مدير تطوير المنتجات في قسم إدارة الثروات في بنك دبي الإسلامي نفيد احمد، ان تهافت المصارف الغربية على إطلاق منتجات اسلامية، يعود"الى محاولة الاستفادة من أموال"البترودولار"، ومئات المشاريع البتروكيماوية وغير النفطية التي تطور في المنطقة حاليا". واشار الى ان المصارف الغربية بدأت تتنبه الى أهمية هذا النوع من الصيرفة بعد أحداث أيلول سبتمبر في الولاياتالمتحدة الأميركية، واكتشافها امكان أن تستفيد من خدمة نحو 1.2 بليون مسلم حول العالم، ومن منطقة تنعم بسيولة كبيرة، فاتجهت الى فتح نوافذ إسلامية، واطلاق صكوك لتمويل مشاريع في المنطقة العربية وفي الخارج. وكشف صندوق النقد الدولي عن تلقيه"مزيداً من طلبات الاستشارة الفنية من دول إسلامية، وغير إسلامية"، في شأن إصدار صكوك سندات، واطلاق نوافذ إسلامية من قبل مصارف تقليدية. وتوقع الصندوق ان تحقق سوق الصكوك معدلات نمو مرتفعة خلال السنوات الثلاث المقبلة، تقفز بحجم أعمالها الى 150 بليون دولار. ولم يخف محللون في الصندوق ان رواج أدوات التمويل الإسلامية يتضح خارج الدول الإسلامية، بعد إصدارات في المانيا وبريطانيا والولاياتالمتحدة، حيث اصدرت شركة"ايست كامرون غاز"منتصف العام الماضي صكوكا ب166 مليون دولار. تمويل مشاريع وازدهرت المنتجات المصرفية الإسلامية، بعد أحداث أيلول سبتمبر، بعد توجه الكثير من العرب والمسلمين حول العالم لاستثمار أموالهم في بنوك إسلامية، خشية من تجميدها من قبل المصارف الغربية. وكشف مسؤولون من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا اسكوا، ان منتجات مثل الصكوك الإسلامية لعبت منذ أحداث أيلول حتى الآن، دوراً مهماً في تمويل التنمية في المنطقة العربية، حتى تجاوزت مساهمتها في تمويل مشاريع بين 2001 و2007 نحو 63 بليون دولار. وأكد محللون في"اسكوا"ان مؤسسات التمويل الإسلامية لعبت دوراً مهماً وحيوياً لدعم رأس المال المخاطر iventure capital، في تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تواجه صعوبات الحصول على قروض من المصارف التقليدية. وارتفعت قيمة رأسمال المصارف الإسلامية الناتجة عن رأسمال مُخاطر في العالم العربي في عام 2006، الى 6 بلايين دولار مقارنة ب4.3 بليون دولار في عام 2005. وتلعب المؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، دوراً أساسياً في تنمية الصناعة المالية الإسلامية وتطويرها، حيث قامت هذه المؤسسات بتطوير وابتكار عدد من المنتجات والأدوات لتلبية احتياجات الزبائن، شملت عمليات صيرفة للأفراد وتسليف الشركات، وتغطية الحاجات التمويلية للمشاريع في مختلف القطاعات. صكوك وقال خبراء إن الصكوك الإسلامية برزت خلال السنوات الأخيرة، كواحدة من أهم الأدوات الاستثمارية والتمويلية الأكثر نفوذاً وفاعلية في العمليات المصرفية والاقتصادية، واستقطبت اهتماماً واسعاً من مصارف غربية وصناديق تأمين، أهمها الصكوك الصادرة في دول الخليج، مثل صكوك"موانئ دبي"وصكوك شركة"الدار العقارية"وپ"سابك"السعودية وپ"نخيل"الإماراتية. وتجاوز حجم الصكوك الإسلامية 25 بليون دولار. واكد صندوق النقد الدولي ان حصة دول مجلس التعاون الخليجي من سوق الصكوك، قفزت من 10 في المئة في عام 2004 الى نحو 50 في المئة في عام 2006. وأشار الى ان الدور المتعاظم لأسواق الخليج"ساهم في زيادة قيمة الإصدارات في الأشهر الستة الأولى من عام 2007، نحو 40 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2006. وحظيت إصدارات الصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي بدعم قوي من الحكومات الخليجية، حيث قام الكثير منها وبنوك مركزية باستبدال جزء من إصدارات الخزانة بالصكوك الإسلامية، مثل مصرف البحرين المركزي الذي اصدر صكوك"السلم"بواقع 40 مليون دولار أسبوعياً. ورافق هذا التوسع، ظهور عدد من المؤسسات الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية الدولية، ومركز إدارة السيولة ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، والوكالة الدولية الإسلامية للتصنيف. ونوه الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية، عدنان يوسف، بالدور"الريادي"الذي تلعبه المصارف الخليجية في قطاع الصيرفة الإسلامية، ما شجع الكثير من البنوك التقليدية على فتح نوافذ إسلامية. وقدر حجم موازنات المصارف الإسلامية في منطقة الخليج خلال عام 2007 بأكثر من 800 بليون دولار. تحديات وعلى رغم هذا الزخم، يشير خبراء الى ان هذه الصناعة تواجه تحديات كثيرة أهمها المنافسة غير المتكافئة وإيجاد مجالات لتوظيف السيولة، فضلاً عن تعدد وتضارب مع الفتاوى المتعلقة بمدى شرعية المنتجات والأدوات الإسلامية. ويرى خبراء ان توفر الغطاء الشرعي لعمل المصارف الإسلامية على أهميته،"ليس كافياً لجعل الصناعة المصرفية الإسلامية رائدة ومتفوقة". ويشيرون الى ان أبرز التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية، هو عدم قدرتها على الاستفادة من السندات الحكومية التي تصدرها البنوك المركزية، والتي غالباً ما تشكل منفذاً للفوائض المالية، ما يستدعي وجود منافذ وأدوات استثمارية بديلة مطابقة للشريعة. وقادرة على امتصاص السيولة المرتفعة لدى المصارف الإسلامية، وهذا يبرز في إقبال تلك المصارف على الاستثمار في المشاريع العقارية والإنتاجية. ومن التحديات التي تواجه الصيرفة الإسلامية أيضاً، في رأي الخبراء، تعدد الفتاوى وتفاوتها بين هيئات الرقابة الشرعية، وعدم توحيد المعايير التي تحدد شرعية الأدوات والمنتجات المالية والمصرفية. غير ان بعض المصرفيين يرون ان تعدد الفتاوى يعطي مجالا للاجتهاد ويسمح باستقطاب مزيد من العلماء الشرعيين إلى هذا المجال، خصوصاً لأن الكثير من العلماء الشرعيين أعضاء في هيئات شرعية لبنوك مختلفة، ما يسهل عملية انتقال الفتاوى الشرعية من بنك إلى آخر. ويلفت خبراء الى ان ضمان النمو المستدام للمؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية في سوق عالمية تشهد منافسة متزايدة،"يتطلب تضافر جهود جميع العاملين في هذا القطاع"، وتأمين الدعم من قبل الحكومات والسلطات النقدية، التي يقع على عاتقها وضع الأطر التشريعية والتنظيمية لصناعة المال الإسلامية، ومساعدة المصارف على تطبيق معايير المحاسبة الدولية ومتطلبات اتفاق"بازل2"لجهة كفاية رأس المال وحسن إدارة الأخطار". ويرون ان محدودية أدوات الاستثمار الإسلامية تعود إلى عاملين أساسيين: أولهما حداثة الصيرفة الإسلامية وعدم توفر خبرات مماثلة لتلك الموجودة في المصارف التقليدية، والثاني،"العوائق أو الثغرات في التشريعات والقوانين التي من شأنها خلق الأدوات الاستثمارية وتفعيلها".