صعّدت روسيا المواجهة مع الغرب، مع اتخاذ تهديداتها وتحذيراتها شكلاً عملياً وأكثر تشدداً ضد "محاولات تضييق الخناق وفرض طوق معاد" حولها، بحسب المسؤولين في موسكو. وتزامنت التصريحات"النارية"لكبار الجنرالات الروس ضد نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، مع تجارب إطلاق أنواع جديدة من الصواريخ الباليستية وتوجيه رسائل قوية في شأن ملفات إقليمية في مقدمها كوسوفو وإيران. راجع ص 8 وبعد 48 ساعة على اتهام رئيس الأركان الروسي يوري بالويفسكي واشنطن بمحاولة جر العالم إلى"مواجهة شاملة"عبر الإصرار على نشر الدرع الصاروخية في أوروبا، وتهديده باستخدام الصواريخ الروسية العابرة للقارات لاعتراض أي صاروخ أميركي يطلق من بولندا، أعلن قائد سلاح الصواريخ الإستراتيجية الروسي الجنرال نيكولاي سولوفتسوف أن قسماً من ترسانتها سيوجه نحو أهداف في بولندا وتشيخيا، في حال أصرت الولاياتالمتحدة على المضي في خططها لنشر مكونات الدرع الصاروخية في هذين البلدين. وأعاد التصريح الى الأذهان حقبة الحرب الباردة، عندما كانت الصواريخ الروسية والأميركية موجهة صوب أهداف حيوية في البلدين. وأوضح سولوفتسوف أن موسكو"مضطرة لاتخاذ هذه الإجراءات للحفاظ على أهمية قوة الردع النووي الروسية."وأشار في مؤتمر صحافي أمس إلى أنه"لا يستبعد هذا التطور الذي يحتاج إلى صدور قرار من القيادة السياسية - العسكرية الروسية"، معلنا ان الأهداف التي ستصوّب نحوها الصواريخ الإستراتيجية الروسية هي منشآت الدرع الصاروخية في بولندا وتشيخيا. وفي التفسير الأول من نوعه لتصعيد موسكو معارضتها لنشر الدرع الأميركية في البلدين، قال الجنرال الروسي إن قلق بلاده ليس ناجماً من فكرة نشر عشرة صواريخ اعتراضية في بولندا ومحطة رادار في تشيخيا، فهذه"يمكن الحوار في شأنها وقبولها"، بل بسبب عدم توقيع اتفاق رسمي بين وارسووواشنطن يحدد طبيعة الوجود العسكري الأميركي في بولندا، ما يعني أن واشنطن سيمكنها لاحقاً، نشر مزيد من قواتها وأسلحتها الدفاعية والهجومية في محاولة لتضييق الخناق على روسيا. وذكر سولوفتسوف أن الموقف ذاته واجهته روسيا مع منظومتي الدفاع الصاروخي الأميركيتين في ألاسكا وكاليفورنيا عندما بدأت واشنطن نشر منصتين في الأولى و14 في الثانية، لكن حجمهما وصل الآن الى 24 نظاماً صاروخياً. وزاد إن إصرار واشنطن على خططها لا يترك مجالاً لروسيا سوى توجيه صواريخها الإستراتيجية نحو أهداف أوروبية. ويعد هذا أقوى تهديد روسي للأميركيين والبلدان الأوروبية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ما دفع خبيراً في شؤون العلاقات الروسية - الأميركية تحدث الى"الحياة"أمس، الى التخوف من"انتقال روسيا من مرحلة توجيه الرسائل مباشرة وغير مباشرة، إلى التلويح بخطط عملية لمواجهة الأخطار المحيطة بها". واللافت أن التصعيد تزامن مع تحركات لسلاح الصواريخ الروسية الإستراتيجي الذي أجرى تجربة لإطلاق طراز جديد من الصواريخ العابرة للقارات، من غواصة نووية في أعماق بحر الشمال. وقال مسؤولون عسكريون أن الصاروخ أصاب هدفه بدقة في الوقت المحدد. وكان رئيس الأركان الروسي لمح قبل يومين إلى دخول صواريخ باليستية حديثة الخدمة الميدانية في العام 2012، مشيراً الى أنها تخضع حالياً لتجارب نهائية. وأعلنت قيادة سلاح الصواريخ أمس أنها ستجري تجارب على 11 صاروخاً عابراً للقارات. في غضون ذلك، اتخذت المواجهة المتصاعدة بين روسيا والغرب بعداً أوسع، مع دخول أبرز الخلافات الإقليمية على الخط بقوة. وطعن العضو الروسي في الترويكا الدولية الخاصة بكوسوفو الكسندر بوتسان ? خرتشنكو، في شرعية بعثة قررت القمة الأوروبية الأخيرة إرسالها إلى الإقليم لاستكشاف آفاق الحل هناك. وقال إن هذا التحرك"يحتاج قاعدة قانونية"مشدداً على أن"قرار مجلس الأمن الرقم 1244 لا يعطي الحق في تغيير النظام"الحالي للوجود الدولي في كوسوفو. وجاء هذا الموقف بعد تحذير شديد اللهجة صدر عن الخارجية الروسية التي اعتبرت أن الوضع في كوسوفو بلغ"حداً خطيراً"قد يؤدي إلى اندلاع"أزمة لا يمكن احتواؤها". كما جاء التحذير عشية مشاورات في مجلس الأمن غداً. وحمّلت موسكو الدول الغربية مسؤولية احتمالات تدهور الوضع، بسبب دعمها إعلان استقلال كوسوفو من جانب واحد بدلاً من تأييد مواصلة الحوار. وزاد بيان للخارجية الروسية:"بدل سماع دعوات إلى إنهاء التصريحات التحريضية، نشهد تعاطف مجموعة من البلدان مع هذا العمل غير القانوني الذي قد يؤدي الى نتائج سلبية تشكل خطراً على الاستقرار الإقليمي والدولي". وكانت موسكو لوّحت باستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، لتعطيل صدور قرار يدعم إعلان استقلال كوسوفو في شكل أحادي. على صعيد آخر، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امس، استعداده لتولي رئاسة الوزراء في حال انتخب مرشح حزب"روسيا الموحدة"الحاكم ديمتري ميدفيديف رئيساً في آذار مارس 2008. وقال بوتين خلال مؤتمر للحزب الحاكم في موسكو تبنى ترشيح ميدفيديف:"اذا منح الناس ثقتهم لديمتري ميدفيديف وانتخِب رئيساً، سأكون مستعداً لمواصلة عملي كرئيس للحكومة".