يتميز الممثل السوري "قيس شيخ نجيب" بأنه قادر على خلق شخصيات من لا شيء ، فالأدوار التي يقدمها في التلفزيون أو في الفيلم الذي قام ببطولته"الهوية"من إخراج غسان شميط تدور دائماً في عوالم ساكنة وصراعات داخلية، فهو لا يتعرض لمواقف عسيرة ولا يطالب بانفعالات قوية إلا أنه دائماً ما يتمكن من تلميع هذه الشخصيات وإبراز حضورها لتجدها شديدة التألق مع نهاية العمل... شيء آخر عن قيس شيخ نجيب فهو الوحيد من بين شباب الممثلين في سورية الذي توافرت لديه فرص قوية لبطولة عدد من الأعمال وأثبت على رغم خبرته غير الكبيرة أنه على مستوى المسؤولية، وتأكد ذلك في مسلسل"سقف العالم"الذي شاهدناه في رمضان الماضي وفيلم"الهوية"الذي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هذا العام ضمن مسابقة الفيلم العربي والذي عرض أيضاً منذ أسابيع قليلة ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان دمشق السينمائي... تحدثنا مع قيس في البداية عن استعداده لشخصية"عهد"في فيلم"الهوية"، خصوصاً أنها تجربته السينمائية الأولى، فقال:"منذ بدأت العمل الفني وطموحي هو السينما، لذلك كنت دائم الاطلاع على السينما وكنت أقوم بزيارة مواقع تصوير سينمائية في سورية ومصر وأوروبا ما جعلني قادراً على استيعاب الفوارق بين كاميراتي السينما والتلفزيون وكيف يكون الظرف الذي يتواجد به الممثل أمام الاثنين، ففي التلفزيون يتم تصوير 100 لقطة في اليوم بينما في السينما ليس أكثر من لقطتين أو ثلاث، فهناك مساحة للتأمل والبحث ووقت حتى أجمع كل حواسي ومشاعري وأفكاري في لحظة التصوير... فالسينما أكثر متعة وراحة لأني أحب التأمل... وعلى رغم ذلك فقد تخوفت من شاشة السينما العملاقة صاحبة القدرة على إبراز أدق تفاصيل عملي كممثل من مميزات وعيوب داخلية وخارجية، خصوصاً أن لقطاتي في"الهوية"معظمها كلوز اب لأن شخصية عهد قليلة الحوار ومعتمدة على الانفعال الداخلي. فهو دائماً يعود الى ذكرياته. أما عن استعداد ما قبل التصوير فقد قرأت كثيراً عن موضوع التقمص الذي يدور الفيلم في إطاره وكيف يكون الشخص المتقمص. وعلمت أنه يجب أن يكون منفعلاً وغير منفعل، شخصاً مراقباً، ومتذكراً، متقمصاً روح شخص عاش انفعالات معينة لكن المتقمص لم يستطع أن يعيشها بالطزاجة نفسها. وبقيادة المخرج غسان شميط الذي هو ابن البيئة التي تدور فيها الأحداث - الجولان - ما يمنحه دراية قوية بموضوع التقمص، قمنا بعمل جلسات وبروفات متعددة لضبط شكل الأداء الواحد بيني وبين مجد فضة فواز الشخصية التي أتقمصها حيث كنت احضر تصويره وهو يحضر تصويري على رغم أن هذا الأداء ظهر في لحظات بسيطة، لأن عهد مختلف عن فواز، عهد عاش في بيئة غير بيئة فواز، له شخصية مستقلة يعود لفواز في لحظات ثم يرجع الى نفسه كعهد. كان يجب ألا يكون هناك غربة بين الاثنين، وفي الوقت نفسه لكل منهما شخصيته المستقلة". "ولأن شخصية"عهد"كانت تحمل رموزاً وطنية على الممثل الذي يؤدي دورها أن يتفهم ذلك أكثر من حالة التقمص لذلك أوضح قيس كيف ظهر معنى الوطن عند عهد فقال:"عهد اخذ من فواز الجانب الرومانسي والعاطفي وذهب من وطنه الجليل إلى وطن فواز الجولان لمعرفة مصائر الشخصيات التي تعنيه في حياته السابقة - أهل فواز - ومنهم والدته ووالده وأخوه وحبيبته وهذا خلق لدى عهد ترسيخاً لصورة الظلم الذي يقع على نفوس أهل الجولان المحتلين من جانب إسرائيل، فوالده وأخوه استشهدا، وتم تشريد شعب كامل وهذا كوّن عند عهد موقفاً ورأياً وبسبب ما حدث لأهله في الزمن الماضي - أهل فواز - توجه ناحية المقاومة في نهاية الفيلم، اختار المقاومة وليس الهرب كما اعتقد البعض من النقاد في سورية، كما أن القتل من الخلف والذي وقع لعهد مع نهاية الفيلم ليس ضعفاً لكن الإسرائيليين معتادون على القتل من الخلف". وعن سبب عدم إبراز الحالة الوطنية بالشكل المفروض أجاب قيس بجملة واحدة:"نحن نقدم فناً ولسنا معنيين بالقضايا الكبرى". وأضاف"ولكن من وجهة نظري الفيلم ليس وطنياً بشكل بحت بل يعبر في معظمه عن فئة معينة من الناس وعن علاقة حب وتقاليد، إذ دمرت حياة فواز بيد أهله أما عهد فقد دمره الاحتلال بسبب ما وجد عليه مصير أهل فواز". ولكن ضعف الخط الوطني المرتبط بالجولان أدى إلى ضياع فكرة الهوية المعني بها الفيلم والذي جاء عنوانه منها وحول ذلك قال قيس:"فكرة الهوية لم تضيع، ففي المشهد الأخير يسأل الضابط الإسرائيلي عهد: ماذا كنت تفعل في الجولان؟ فيجيبه كنت ابحث عن هويتي الضائعة. الهوية ليست ورقة بل معنى، إنها هوية الشعب السوري، والجولاني الذي رفض الهوية الإسرائيلية. عهد يبحث عن هويته السورية الضائعة ووجدها في المقاومة ورفض الاحتلال". في اليوم التالي لعرض الفيلم في مهرجان دمشق أثيرت حوله اعتراضات كثيرة من جانب النقاد الذين حضروا ندوة الفيلم. ويعلق بطل الفيلم قيس شيخ نجيب على ذلك قائلاً:"أنا أؤمن بالنقد الموضوعي البناء، لكن ما حدث في ندوة الفيلم في مهرجان دمشق ليس نقداً ولا موضوعياً ولا بناء، فهو إما ذم مطلق أو مديح مطلق، كما أن الناس جاءت ولديها رؤية مسبقة عن المخرج أو الموضوع. ... بطولة من ناحية أخرى، تحدث قيس شيخ نجيب عن ظهوره دائماً في أدوار البطولة في الأعمال التي يقدمها مثل فيلم"الهوية"ومسلسل"سقف العالم"وقد أوضح ذلك قائلاً:"الصدف وحدها شاءت ذلك، فأنا لا اشترط البطولة، لكن عرضت عليّ أدوار بطولة في بعض الأعمال فقبلتها، لأنها أدوار جيدة وليس لأنني أريد أن أكون نجماً فأنا مشروع ممثل وهذا هدفي الأول والأخير، التمثيل سواء كان بطولة أو لا المهم أن يخدمني الدور كممثل". قريباً سيبدأ قيس الاستعداد للمشاركة في فيلم عالمي لا يريد الإفصاح عن تفاصيله، ولكننا طلبنا تعليقه حول توجه السينما العالمية لاختيار ممثلين سوريين مثل ما حدث معه ومع قصي خولي وغسان مسعود وذلك على رغم أن المصريين أشهر وأكثر عملاً بالسينما. فما هو الفارق بين الممثل السوري ونظيره المصري، قال:"لأن السوريين لم يستهلكوا والممثل السوري اثبت اجتهاده وأنه ليس لديه سقف فهو دائماً يبحث عن الجديد والمهم والمختلف. أما في مصر فما زالوا يدورون في دائرة واحدة هي مصر فقط والمحلية أهم عند المصريين على رغم وجود مواهب هائلة هناك". وأخيراً سألنا قيس الشيخ نجيب عن آفة النجومية التي تصيب الممثلين العرب وعما إذا كان يفضل أن يحيا في بلد يصنع نجوماً، فأجاب:"في سورية الطريق للنجومية اصعب ولكنه أفضل، فنجوم سورية صنعوا أنفسهم بأنفسهم، لأنه لا توجد آلية لصناعة النجم بعكس مصر التي لديها تاريخ فني ضخم ولديها آلية تسويقية للنجم لخدمة العمل الفني أو شباك التذاكر، فيظهر نجوم من لا شيء وأحياناً نجوم يستحقون هذه النجومية. عندما يصير الفنان السوري نجماً هو يحقق ذلك بشق الأنفس وبجهده، يكون فعلاً نجماً لديه رصيد مهم، لذلك أنا سعيد بما وصلت إليه على رغم أني أدرك أنني ما زلت في البداية لأن العمل الفني ليس له سقف وما حققته يجعلني اهتم أكثر بعملي، وأنا راض عما حققته جداً.