رغم الكلام المنمق الذي أطلقه رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت في الأيام الأخيرة في شأن فرص نجاح الاجتماع الدولي المزمع في أنابوليس في الولاياتالمتحدة أواخر الشهر الجاري، تؤكد مواقف أقطاب بارزين آخرين في الحكومة أن إسرائيل التي عمدت في الاشهر الأخيرة إلى خفض سقف التوقعات من الاجتماع لن تقدم شيئاً في اتجاه التقارب مع الفلسطينيين، وأن شروطها التعجيزية لا تبقي مساحة للتفاؤل بنجاح المؤتمر. إلى ذلك، التقت غالبية الإسرائيليين مع شعبة الاستخبارات العسكرية في تقديراتها بأن فرص نجاح الاجتماع الدولي"تكاد تكون معدومة"بداعي استحالة ردم الهوة الشاسعة بين مواقف الطرفين في الفترة القصيرة المتبقية على انعقاد الاجتماع. ويشير مراقبون إلى أن زعيم حزب"العمل"وزير الدفاع ايهود باراك، المفروض أن يقدم الإسناد الأبرز لرئيس الحكومة على اعتبار ان حزبه قائد معسكر يسار الوسط في إسرائيل، يتبنى المواقف الأكثر تشدداً من الفلسطينيين وغدا يمينياً أكثر من اولمرت الذي ترعرع في أحضان"ليكود"، وأنه يفعل ذلك"لينال رضا معسكر اليمين"تمهيداً للمنافسة على منصب رئيس الحكومة. وقال سلفه في منصبيه عمير بيرتس أمس إن باراك وحاشيته يجران"العمل"إلى اليمين، محذرا من فشل الاجتماع الدولي بسبب مواقف باراك ومعتبرا ان الفشل سيسدل الستار على الفلسطينيين المعتدلين والبراغماتيين،"وهذا بالتأكيد لن يكون في مصلحة إسرائيل". وكان باراك أضاف أول من أمس شرطاً على الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق بمطالبة السلطة"بتفكيك البنية الإرهابية في قطاع غزة"التي تخضع لسيطرة"حماس". وقال في اجتماع مع قدامى الضباط في الجيش إن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلاّ في حال ذهبت إسرائيل إلى المفاوضات"من موقع قوة وثقة بالذات وأعين ثاقبة وأقدام ثابتة على الأرض فيما اليد اليمنى قريبة دائماً من الزناد ومستعدة للضغط عليه في كل لحظة". "حرب سكاكين"بين اولمرت وباراك ونقلت صحيفة"معاريف"في عنوانها الرئيس أمس أن شرخاً حقيقياً يخيم على العلاقات بين باراك واولمرت على خلفية انتقاد الأول سلوك الثاني في المفاوضات مع الفلسطينيين"وهو سلوك إشكالي"، مضيفاً أن رفع سقف التوقعات من المؤتمر سيتطلب من إسرائيل تنازلات تمس بأمنها"وسيؤدي إلى كارثة". واعتبر عملية التفاوض الجارية سابقة لأوانها"لأن الفلسطينيين يرفضون الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية". ووصف المعلق السياسي في الصحيفة العلاقات بين الرجلين ب"حرب سكاكين". من جهتها، عزت أوساط اولمرت"غضب"وزير الدفاع إلى ارتفاع شعبية رئيس الحكومة،"ما يحول دون مخطط باراك للعودة إلى الحكم على جثة اولمرت". وردّت هذه الأوساط عن رئيس الحكومة اتهامه برفع سقف التوقعات من الاجتماع الدولي، وقالت إن"رئيس الحكومة أوضح مراراً أن اجتماع أنابوليس لن يكون سوى إعلان إطلاق عملية تفاوضية من دون الخوض في المسائل الجوهرية". إلى ذلك، أفادت"معاريف"أن جهاز الأمن العام شاباك عزز اخيرا إجراءات الحراسة حول رئيس الحكومة"حيال مخاوف من أن يتعرض له اليمين المتطرف الذي بات يرى أن اولمرت جدي في التوصل إلى حل للصراع". على صلة، أفادت صحيفة"هآرتس"أن زعيمي حزبي"شاس"و"إسرائيل بيتنا"المتطرفين الوزيرين ايلي يشاي وأفيغدور ليبرمان التقيا أمس لتنسيق المواقف بينهما"لإجهاض مؤتمر أنابوليس". وأضافت أن ليبرمان التقى لهذا الغرض وزراء آخرين من الائتلاف الحكومي المعارضين للمؤتمر وشكل المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين. وسيلتقي اليوم رئيس الحكومة ليقدم له"وثيقة الخطوط الحمر"التي تعارض أن يعرض المؤتمر الدولي إلى قضايا القدس واللاجئين والحدود. وعلى خط مواز، وقع 90 نائباً في الكنيست من مجموع 120 على عريضة أعلنوا فيها معارضتهم إجراء أي تعديل على حدود القدس"بشطريها الغربي والشرقي المحتل". من جهتها، كررت شعبة الاستخبارات العسكرية تقديراتها المتشائمة التي سبق أن قدمتها قبل نحو شهر في شأن فرص نجاح الاجتماع الدولي. ونقلت صحيفتا"هآرتس"و"معاريف"عنها تقديرها أن"الفرص شبه معدومة"للنجاح. وأضافت أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن يرى في اجتماع أنابوليس"الفرصة الأخيرة لإحياء عملية السلام"، ما يعني أنه في حال فشلها قد يعتزل الحياة السياسية"وهذا سيخلق فراغاً كبيراً في القيادة الفلسطينية ويعزز نفوذ حماس في غياب شخصية فتحاوية مقبولة تحل محله". وتشخّص شعبة الاستخبارات"العائق الأبرز"في توافق الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في الخلاف على استحقاقات كل طرف في المرحلة الأولى من"خريطة الطريق"وإصرار الفلسطينيين على أنهم نفذوا المطلوب منهم لجهة"محاربة الإرهاب في الضفة وتوحيد أجهزة الأمن وتفكيك الفصائل المسلحة من أسلحتها"بينما تطالبهم إسرائيل بوقف القذائف الصاروخية من قطاع غزة على جنوبها. ووفقاً للتقديرات، فإن الأوساط القريبة من عباس منقطعة عن القيادات الميدانية والمجموعات المسلحة التابعة لحركة"فتح"، وبالتالي ليست قادرة على بسط نفوذها عليها، ما يحول دون تمكن السلطة من الإيفاء بالتزاماتها الأمنية المترتبة على العملية التفاوضية. وأضافت"معاريف"أن شعبة الاستخبارات رصدت تشدد المفاوضين الفلسطينيين و"عليه سيكون من الصعب ردم الهوة القائمة مع نظرائهم الإسرائيليين". إلى ذلك، أظهر"مؤشر السلام"الشهري الذي تنشر نتائجه صحيفة"هآرتس"أن 51 في المئة من الإسرائيليين اليهود يرون أن اجتماع أنابوليس لن يكون قادراً على مناقشة قضايا الصراع الجوهرية أو تعزيز احتمالات التوصل إلى اتفاق، في مقابل 40 في المئة يعتقدون عكس ذلك. وقال 65 في المئة إن معظم الفلسطينيين لم يسلّم بوجود إسرائيل ويرغب في القضاء عليها لو كان قادرا على ذلك. وأيد 71 في المئة الإجراءات العقابية التي أقرتها الحكومة بقطع إمدادات الوقود والكهرباء لقطاع غزة وعارضها 12 في المئة فقط.