حذر قطبا الحكومة الإسرائيلية السابقة، رئيسها ايهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، من الثمن السياسي الذي قد تدفعه إسرائيل في علاقاتها مع المجتمع الدولي في حال تجاهلت الحكومة الحالية أو استخفت بمبادئ مؤتمر أنابوليس الخاص بعملية السلام في الشرق الاوسط، كما استشف من تصريح وزير الخارجية الجديد أفيغدور ليبرمان يوم تسلمه منصبه الثلثاء الماضي. إلى ذلك، أكدت تقارير صحافية أن تصريحات ليبرمان في شأن «موت أنابوليس» أحدثت بلبلة في أوساط موظفي وزارة الخارجية وسفراء إسرائيل في أرجاء العالم الذين يشعرون بارتباك لدى مطالبتهم من الدول التي يعملون فيها بتوضيحات لتصريحات ليبرمان. وقال اولمرت في حفلة وداعية لوزراء حزبه «كديما» السابقين وبحضور المئات من الأعضاء مساء أول من أمس إن مؤتمر أنابوليس كان «أحد أكبر الانجازات لحكومة (أرييل) شارون ولحكومتي». وأضاف منتقداً بشدة ما جاء على لسان ليبرمان، من دون ان يسميه، أنه لا يذكر في تاريخ دولة إسرائيل مؤتمراً «جلسنا فيه على منصة واحدة، القيادات الإسرائيلية والفلسطينية والأميركية، وفي القاعة جلس رؤساء دول عربية وإسلامية». وتابع: «كان هذا حدثاً كوى وعي مئات الملايين في العالم الذين أدركوا أن إسرائيل هي حقيقة ناجزة وليس ممكناً تجاهلها». وأضاف محذراً أن من يعتقد أن بالإمكان الاستخفاف أو التنازل عن دعم الأسرة الدولية أو فقدان هذا الدعم «فإنه غير مدرك للأثمان التي قد تطالَب دولة إسرائيل بدفعها». وزاد: «يخطئ من يعتقد أنه يمكن طرح أنابوليس جانبا وتجاهل الحاجة إلى إجراء مفاوضات... الحقيقة الناجزة هي أن أنابوليس أصبح اليوم مصطلحا متفقا عليه ومقبولا وحتميا بالنسبة الى الأسرة الدولية كلها... من يعتقد أن بالإمكان تجاهل السيرورة سيدفع ثمناً باهظاً... لا طريق آخر أمامنا». من جهتها، قالت ليفني إنها صدمت لدى سماع ليبرمان يعلن أن إسرائيل ليست ملزمة قرارات أنابوليس إنما فقط «خريطة الطريق» الدولية. وأضافت لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس ان هذه التصريحات تشطب كل ما حققته إسرائيل من انجازات سياسية في الحلبة الدولية في السنوات الثلاث الأخيرة، وتشكل عودة إلى عام 2002 وإلى اشتراط تطبيق «خريطة الطريق» بوقف العنف (الفلسطيني). وتابعت أن الحكومة السابقة رأت أن تطبيق المرحلتين الأولى والثانية من «خريطة الطريق» اللتين تتحدثان عن «وقف الإرهاب» ووقف النشاط الاستيطاني قبل دخول مرحلة المفاوضات لإقامة دولة فلسطينية ليس وارداً، وعليه ارتأت من خلال قبول مبادئ أنابوليس أن تكون مرحلة المفاوضات أولى المراحل، على أن يخضع تطبيق نتائج هذه المفاوضات لشروط الخريطة الدولية. واعتبرت أن أنابوليس هو عملياً اتفاق يتحدث عن إجراء مفاوضات على التسوية الدائمة على أساس دولتين للشعبين، من خلال الافتراض بأن الوقت ليس في مصلحتنا وأن المراوحة في المكان لن تأتي بالحل «وقد تفقد هذه المراوحة إسرائيل قدرتها على ايجاد جهات براغماتية في الجانب الفلسطيني». وتابعت ليفني أن ليبرمان بعودته إلى الشروط التي طرحت عام 2002 إنما يدرك أنه إلى حين تطبيق الفلسطينيين شرط «القضاء على الإرهاب» لن يحصل أي تقدم، «وهذا ما يريده، لكنه يتجاهل حقيقة أن إسرائيل قطعت منذ ذلك الوقت شوطاً، ونفذت فك الارتباط عن قطاع غزة، ووقعت على مبادئ أنابوليس التي تبناها مجلس الأمن». بلبلة بين الديبلوماسيين الاسرائيليين في السياق نفسه، نقلت صحيفة «هآرتس» عن الممثلين الديبلوماسيين للدولة العبرية في أرجاء العالم، خصوصاً في الولاياتالمتحدة واوروبا، ارتباكهم حين طلب منهم تقديم توضيحات لتصريحات ليبرمان، فتوجهوا إلى الوزارة طالبين تعليمات في شأن الرد المطلوب منهم توفيره، ما اضطر وكيل الوزارة أهارون أبراموفتش إلى عقد اجتماع طارئ لكبار الموظفين لبلورة رسائل شرح لأقوال الوزير. وأضافت الصحيفة أنه تقرر إرسال النص الكامل لخطاب ليبرمان إلى السفراء والديبلوماسيين وطُلب منهم «تأكيد الجانب الايجابي» في التصريحات المتعلق بقبول الحكومة الحالية «خريطة الطريق». من جانبه، أشار المحلل السياسي البارز في الصحيفة عقيبا إلدار إلى حقيقة أن إسرائيل لم تنفذ التعهدات التي أخذتها على عاتقها في الخريطة في ما يتعلق بوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكتب ان حديث ليبرمان عن قبوله «خريطة الطريق» شرط قيام السلطة الفلسطينية بالقضاء على «حماس» في قطاع غزة، «وهي مهمة فشل في تحقيقها الجيش الإسرائيلي الكبير»، هو خدعة، وأن ما يحاول ليبرمان فعله هو أن يحوّل «خريطة الطريق» من «آلية لدفع حل الدولتين إلى عقبة أمامه». واشار إلى أنه خلال فترة حكومة أولمرت السابقة مع وزير الدفاع ايهود باراك، شهدت الأراضي المحتلة نشاطاً استيطانياً مكثفاً، إذ تم بناء 4560 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، بينها 560 وحدة سكنية في البؤر الاستيطانية غير القانونية، وتم نشر عطاءات لبناء 1523 وحدة سكنية في الضفة، بالإضافة إلى 2437 وحدة سكنية في القدسالشرقية. التحقيق مع ليبرمان في غضون ذلك، خضع ليبرمان أمس، ولليوم الثاني على التوالي، لاستجواب تحت طائل التحذير القانوني في مكاتب الشرطة الإسرائيلية للتحقيق معه في شبهات «تبييض أموال وخيانة الثقة والحصول على أشياء بالاحتيال». واستمر التحقيق خمس ساعات أضيفت إلى ثماني ساعات أخرى أول من أمس. واعلنت الشرطة أنها تعتزم استدعاء ليبرمان في الأيام القريبة لمزيد من الاستجوابات، فيما نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر في الشرطة يقينها من أن المستندات المتوافرة لديها ستقود إلى لائحة اتهام ضد الوزير في الأشهر القليلة المقبلة (إذا حصل ذلك سيضطر ليبرمان الى تقديم استقالته). وتحقق الشرطة منذ 3 سنوات في شبهات تلقي ليبرمان مئات آلاف الدولارات من شركة وهمية أسستها ابنته ويدعي أنه يعمل بها مستشاراً، فيما مصادر الأموال التي تتلقاها الشركة من الخارج مجهولة وتبعث على الشك بأن الحديث يدور عن مجرد تبييض لأموال. وبحسب الشبهات، فإن ليبرمان لم يقطع علاقته بالشركة رغم أن القانون يلزمه ذلك بصفته نائباً في الكنيست. ونفى ليبرمان ارتكاب أي مخالفة، ووصف تحقيقات الشرطة بأنها حملة لتشويه سمعته.