في خضم الصراعات والأزمات المصيرية التي تشهدها دول عربية، تنتصب هامة الرئيس زين العابدين بن علي في الذكرى العشرين لنداء السابع من تشرين الثاني نوفمبر 1987 منبهة الجماهير العربية الى ان هنالك قيادة تحدت الركود العربي آنذاك، ووعدت بالعدالة والحداثة والتقدم، فكانت تونس بن علي الصاعدة في معارج التنمية المستدامة والارتقاء المنتظم نحو العلم والرخاء والتكنولوجيا والتضامن الإنساني. عشرون سنة انقضت، وهي فترة وجيزة في حياة الشعوب، لكنه ملأها بالإنجازات بشرياً وعمرانياً وسياسياً. الإصلاح السياسي القائم على الانتخابات العامة الحرة المباشرة في مواعيدها، وعلى تشجيع قيام الأحزاب السياسية الناشطة التي تعمل بالتنسيق مع ممثلي النقابات وأرباب العمل والمنظمات المهنية ورابطة حقوق الإنسان واتحاد الفلاحين والاتحاد الوطني للمرأة التونسية وتنظيمات المهن الحرة، كلها أدت الى إجماع وطني على القيم الديموقراطية وممارستها دورياً بنجاح وتناغم. ونشير الى النقلة النوعية في إصلاح النظام السياسي من طريق التعديل الدستوري الحاصل عام 2002 حيث جعل هذا الإصلاح لحقوق الإنسان والحريات وقيم التضامن والتآزر والتسامح منزلة خاصة في نص الدستور، وكان طليعياً بين الدول العربية في اعتماد الغرفتين التشريعيتين من طريق استحداث مجلس المستشارين منتخباً من القطاعات المهنية وغيرها ومشاركاً في العملية التشريعية الى جانب مجلس النواب. وتعزيز دور المجلس الدستوري بدعم استقلاليته، اضافة الى تفعيل علاقة الحكومة بالبرلمان وتنظيم الانتخابات الرئاسية من طريق الاستفتاء الشعبي بعد إلغاء استمرار الرئاسة مدى الحياة. وتميزت سياسة تونس في علاقتها الدولية بالانفتاح والاعتدال، متمسكة بميثاق الأممالمتحدة والشرعية الدولية، ساعية الى تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط انطلاقاً من مؤتمر مدريد، ومولية اهتماماً خاصاً لبناء المغرب العربي وتحقيق اندماجه الاقتصادي، وهادفة الى ايجاد الحلول السلمية للنزاعات القائمة في بعض الدول الافريقية وداعية لإحلال السلام والاستقرار في افريقيا. ولن ننسى اسبقية تونس في تعزيز التلاقي والتعاون والتنمية المشتركة بين دول حوض البحر المتوسط. ولا بد من الإشادة بأبرز مبادرات الرئيس بن علي على الصعيد الدولي في موضوع مكافحة الإرهاب، وكان اول من نادى بعقد ندوة دولية بهذا الخصوص عام 1993، كما دعا عام 1999 الى إحداث صندوق عالمي للتضامن في سبيل مقاومة الفقر وتشجيع النهوض الاجتماعي والإنساني في الجهات الأكثر فقراً في العالم. وأحدث الرئيس بن علي جائزة التضامن العالمية تمنح يوم الثامن من كانون الأول ديسمبر من كل سنة. وكانت تونس البلد الثاني بعد سويسرا في استضافة القمة العالمية الثانية حول مجتمع المعلومات في تشرين الثاني نوفمبر 2005. اما على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي فنسجل الارتفاع الملحوظ في معدل الدخل الفردي في السنوات العشرين المنصرمة مع نسبة نمو بمعدل 5 في المئة سنوياً ما ادى الى تخفيف عبء المديونية العامة. إن هذه النهضة الاقتصادية ترتكز الى تشجيع الاستثمار وتطوير قوانينه والسهر على زيادة التصدير وتحسين نوعية الإنتاج والاعتماد على السياحة كركن اساسي في الاقتصاد الوطني. واللافت في تونس هو وجود طبقة متوسطة في المجتمع بنسبة بلغت الثمانين في المئة مما يدل على ترسخ سياسة النمو السنوي المتصاعد، ومساعدة المواطن على تملك مسكنه والإفادة من التعليم بنسبة شبه كلية ومحاربة الفقر والعوز من طريق صندوق التضامن برقم حسابه الجاري 26-26 الذي أحدثه الرئيس بن علي شخصياً عام 1992 مما حمله على إحداث صندوق جديد عام 1999 هو الصندوق الوطني للتشغيل بهدف استحداث المزيد من فرص العمل، وفي عام 1997 أطلق البنك التونسي للتضامن بهدف تمويل المشاريع الصغرى والأنشطة الحرفية والفلاحية لا سيما بين الشباب الحاصل على الشهادة الجامعية او المتخرج من مركز التدريب المهني. املنا ان تعلم هذه الإصلاحات الناجحة العالم العربي. لقد تكونت القناعة لدى الرئيس بن علي ان الاستقرار السياسي في الأوطان هو اساس التطور والصعود والتنمية المستدامة. وكم نحتاج في لبنان الى هذا الاستقرار الأمني والسياسي لكي نتدارك الانحدار الاقتصادي وهجرة الأدمغة والانقسام الداخلي. ولعلنا نتأمل ملياً في التجربة التونسية فنعمل على ايجاد الدولة القادرة التي تعمل مستندة الى وحدتنا الوطنية واحترام دور المؤسسات والممارسة الحقيقية للديموقراطية وعودة لبنان الى اصالته ووحدته وريادته والتلاقي حول ما يجمع اللبنانيين وإهمال كل ما يفرقهم. المحامي الياس حنا - رئيس جمعية الأخوة اللبنانية - التونسية - وزير سابق.