افتتحت قبل أسبوع الدورة البرلمانية الجديدة في الكويت، وسبقها بيومين تعديل وزاري شمل ثماني حقائب، لتلافي استجوابات النواب التي قد تكون قاسية. واستقال أمس وزير النفط بدر الحميضي بعد توليه المنصب بثمانية أيام. النزاع بين الحكومة والبرلمان أمر طبيعي في المؤسسات الديموقراطية، لكنه في الكويت يبدو هذه المرة غير طبيعي، الى حد ان أوساطاً تتوقع حل البرلمان وتذكر بتجارب سابقة في هذا المجال. هنا مقالان عن الصراع الحالي بين الحكومة والبرلمان لكاتبين كويتيين، ليبرالي محمد عبدالقادر الجاسم واسلامي جاسم سليمان الفهيد: تتمتع الكويت بإيرادات نفطية هائلة وعدد قليل من السكان، ولا يعاني الحكم فيها من منافسات أو اضطرابات داخلية. كما تحظى الكويت بمظلة حماية دولية ضد الأخطار الخارجية. ومع ذلك يبدو المشهد الكويتي الداخلي للوهلة الأولى أشبه بفوضى. فالحكومة لا تملك إجمالاً برامج أو خططاً تنموية، والبرلمان المنتخب يعتبر من أشرس البرلمانات العربية، فهو يسعى دائماً إلى اصطياد سقطات الوزراء ومن ثم إطاحتهم الواحد تلو الآخر. أما مؤسسة الحكم فهي تائهة بين موروثها التقليدي المحافظ من جهة ودستور الدولة الصادر في العام 1962 والذي يمنح البرلمان سلطات مهمة في محاسبة الوزراء وإقصائهم عن مناصبهم من جهة أخرى. كما تعاني المؤسسة أحياناً من المنافسة بين أفرادها بحيث تتعدد مراكز القوى ولا يجمع بينها هدف واحد، بل هي منغمسة في شكل حاد في الحراك السياسي اليومي وما يدور فيه من مخططات ومخططات مضادة. أما الرأي العام فيكتفي بدور الجمهور الذي يبحث عن الإثارة في عناوين الصحف وفي الرسائل النصية الهاتفية التي يتم تداولها بإفراط. ومن بين"قصص"الإثارة الأخيرة، قصة وزير النفط، المرجحة للتفاعل، فقبل بداية دور عقد مجلس الأمة الأسبوع الماضي تقدم عدد من النواب باستجوابين منفصلين: واحد لوزير المال والثاني لوزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية. وتسبب تقديم الاستجوابين في اليوم ذاته في ارتباك الموقف الحكومي، فقرر رئيس الحكومة إقالة وزير العدل والأوقاف السابق، فيما قرر تعيين وزير المال كوزير للنفط من دون تقديم استقالته. وإذا كانت إقالة وزير الأوقاف السابق خطوة نادرة في السياسة الكويتية، باعتبار أن الإقالة تحدث للمرة الأولى في تاريخ الكويت السياسي، فإن"تدوير"وزير المال السابق وتعيينه وزيراً للنفط شكّل مخالفة دستورية جسيمة لأن الإقرار بحق رئيس الحكومة في مناقلة الوزراء بعد تقديم استجوابات لهم ومن دون إجبارهم على الاستقالة يعني في الواقع التفافاً وتحايلاً على سلطة البرلمان في محاسبة الوزراء. ومن أجل إزالة هذه المخالفة الدستورية أعلنت كتلة برلمانية كتلة العمل الشعبي عزمها على استجواب رئيس الحكومة، الذي ينتمي إلى الأسرة الحاكمة، ما لم يقدم وزير النفط استقالته من منصبه. ولأن الأمور السياسية في الكويت تدار غالباً على نحو شخصي لا مؤسسي، فإن مؤسسة الحكم تتعامل مع إعلان كتلة العمل الشعبي عزمها على استجواب رئيس الحكومة باعتباره من قبيل التحدي للحكم، خصوصاً أن أمير الكويت كان حذر البرلمان من مغبة الاندفاع السياسي خلال الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد. من جانب آخر تمر العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان بتوتر خرج إلى العلن إذ وجه رئيس البرلمان، الذي يقود تحالفاً غير معلن مع بعض أفراد المؤسسة من خصوم رئيس الحكومة، انتقادات لاذعة إلى رئيس الحكومة، الأمر الذي دفع الأخير إلى شنّ هجوم حاد غير مسبوق على رئيس البرلمان متهماً إياه بالرغبة في التحكم في قرارات الحكومة وتعيين أنصاره فيها. ونتج عن هذا الموقف أن كثف رئيس البرلمان مساعيه لإطاحة رئيس الحكومة، وذلك من خلال إقناع وزير النفط الحالي بالبقاء في منصبه ومن ثم تنفذ كتلة العمل الشعبي المعارضة لرئيس البرلمان والحكومة تهديدها في استجواب رئيس الحكومة وهو ما قد يؤدي إلى تخلي مؤسسة الحكم عنه. وهذا السيناريو، ان تحقق، يعني انتصار رئيس البرلمان وأنصاره من الذين يطمحون للسيطرة على الحكم وانتهاء جولة مهمة من المنافسات. أما إذا قرر وزير النفط الاستقالة من منصبه فإنه يكون أسدى خدمة كبرى لرئيس الحكومة بتجنيبه الاستجواب، وبذلك يتخطى الأخير أهم محاولة لإطاحته من قبل أبناء عمومته وحليفهم رئيس البرلمان. والمهم هو قرار رئيس الدولة، فهذا القرار هو الذي يرجح كفة على أخرى. وتبين خلال الأيام الماضية ان رئيس الدولة لا يحبذ استقالة وزير النفط، وبالتالي فإن المشهد السياسي مفتوح على كل الاحتمالات، وليس من المستبعد أن يقرر رئيس الدولة حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة خلال المهلة الدستورية، وهنا في إمكانه التخلص من رئيس البرلمان ورئيس الحكومة أيضاً، وقد يقرر رئيس الدولة إعفاء رئيس الحكومة مع الإبقاء على البرلمان. لكنه قد يقرر الإقدام على الخطوة المفضلة لدى الأسرة الحاكمة وهي حل البرلمان وتجميد الدستور وتقليص الحريات السياسية. وإذا تم اللجوء إلى هذا الخيار فإن الكويت ستدخل نفقاً سياسياً. إن الحيوية السياسية في الكويت هي نتاج أجواء الحرية، لكنها أيضاً نتيجة من نتائج منافسات أهل المؤسسة، فهم يتعاملون مع العهد الحالي باعتباره عهداً انتقالياً فيما يضعون نصب أعينهم العهد المقبل حين يقبل. * محام كويتي.