يفرض المؤتمر الدولي للسلام المزمع عقده قريباً في أنابوليس بولاية ميريلاند، بدعوة من الرئيس الأميركي جورج بوش تحت رعاية وترويج كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية، لتنشيط عملية السلام على المسار الفلسطيني والتعجيل بإقامة الدولة الفلسطينية في إطار التسوية الشاملة، العديد من الأسئلة، وكذلك التحديات أيضاً. وهي أسئلة محل نقاش وجدل في الشارع العربي، ومنها: هل تم الإعداد الجيد للمؤتمر لضمان نجاحه لأن فشله سيترتب عليه زيادة الأزمات؟، وهل المؤتمر يمثل محاولة لتحقيق مكاسب سياسية للرئيس الأميركي جورج بوش بعد إخفاقاته المتعددة في السياسة الأميركية وتحسين الصورة الأميركية عربياً ودولياً؟، وهل المؤتمر يمثل مناورة سياسية للترويج للسياسة الأميركية في المنطقة العربية من جانب، وتمهيداً لتوجيه ضربة عسكرية لإيران من جانب آخر؟، وما السر وراء الغموض الشديد في درجة وضوح جدول أعمال المؤتمر؟، ولماذا لم يشارك فيه الاتحاد الأوروبي؟، وهل يمثل المؤتمر محاولة لتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، خاصة مع دول الخليج؟. كما يترتب على الأسئلة السابقة، تساؤلات أخرى حول من الذي يملك المفتاح السحري لحل تلك المشكلة المزمنة في المنطقة العربية مع إسرائيل؟. ولماذا لا تقدم الدول العربية مبادرة سياسية قابلة للتنفيذ الفعلي؟. إن التحديات الرئيسية التي تواجه ذلك المؤتمر هي نفسها في تقديري المعطيات الدولية المحيطة بظروف انعقاد المؤتمر سواء على الجانبين الفلسطيني والعربي، أو على الجانبين الإسرائيلي والأميركي. فالجانب الفلسطيني الذي يمثل أحد طرفي المعادلة الرئيسية مع إسرائيل غير مستقر حيث لا يستطيع أبو مازن حسم أي موقف الآن على مستوى الشأن الداخلي الفلسطيني. كما أنه غير قادر على وقف إطلاق الصواريخ، وهو ما ترتب عليه ضعف في موقفه كطرف مقابل أمام إسرائيل التي لم تسانده أو تدعم موقفه أمام شعبه. وأصبح الشأن الداخلي الفلسطيني مرتبط بشكل أساسي بالقوة الإقليمية المساندة لحركة حماس سواء كانت سورية ومشكلتها في الجولان وبحيرة طبرية أو إيران ومشكلتها كقوة نووية تهدد الأمن الإسرائيلي. وبالطبع، فإن مصر والأردن والسعودية ليس لديها استعداد للتورط والمشاركة في أجندة افتراضية من وجهة النظر الأميركية وغير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، بل سيضعف المؤتمر بهذا الشكل موقف سورية، كما أنه لن يقدم أي حلول للمشكلة العراقية أو للأزمة اللبنانية الراهنة. وفي المقابل، فإن الموقف الإسرائيلي غير مستقر أيضاً بسبب ضعف الائتلاف وفشل أيهود أولمرت رئيس الوزراء وعامير بيريتس وزير الدفاع الساق في إدارة الحرب اللبنانية الأخيرة، وتوجيه اللوم لهما من لجنة التحقيق المعروفة باسم لجنة فينوغراد قاضي التحقيق. بالإضافة إلى توجيه اتهامات إلى أولمرت بالفساد والرشوة. أما الشعب الإسرائيلي فلا يريد تقديم تنازلات في ظل انهزامية أبو مازن أمامهم وترويجهم لعدم وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. بل ان الحكومة الإسرائيلية تريد مؤتمرا يكرس تقديم الدعم الاقتصادي والأمن للسلطة الوطنية الفلسطينية بدون أن يتناول قضايا جوهرية للاتفاق على إطار محدد للمفاوضات من خلال جدول زمني. كما أن السياسة الأميركية الآن في حالة استنفار بسبب فشل السياسة الخارجية الأميركية في كل من الشرق الأوسط وأفغانستان والعراق،يما الديموقراطيون يتساقطون بشكل أفقد دعم الكونغرس لبوش بسبب سياساته الاستعدائية من جانب، وما يترتب على ذلك من عدم قدرة الإدارة الحالية على اتخاذ قرار مصيري، خاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية من جانب آخر. إن المشهد السابق يؤكد على أن الفلسطينيين لن يستطيعوا حسم أمرهم، والدول العربية لا يمكنها الرهان والتورط في مؤتمر شكلي لن يكون له تأثير جوهري. وإسرائيل ليس لديها الآن ما تعطيه، والولايات المتحدة الأميركية ليس لديها القدرة على رعاية حقيقة لعملية السلام الافتراضية طبقاً لمشهد المؤتمر. إن المعطيات تؤكد على أن المؤتمر المزمع عقده برعاية أميركية سيكون مؤتمراً افتراضي لما كان يجب أن يكون. وهو ما سيتسبب في إضعاف الموقف داخلياً ودولياً، لأنه لن يكون أكثر من كونه مؤتمر لتسكين الحال في المنطقة كما هو عليه، ولا يقدم حلاً جذرياً في ظل غياب دور أميركي حقيقي في دعم عملية السلام. وبالتالي، فإن مشاركة أي دولة عربية مثل مصر أو الأردن أو السعودية لن يخرج في نهاية المطاف عن كونها مشاركة شكلية ضمن الأدوار الإقليمية التقليدية للترحيب والإسهام في أي مبادرة للسلام، تجنباً لتفسيرات رفض المؤتمر بالانسحاب أو المشاركة فيه بالانصياع وتحميل أي طرف مسؤولية فشل المؤتمر الذي يركز على القضية الفلسطينية في مقابل تأجيل الحديث عن الملف السوري أو اللبناني لأجل غير مسمى، وما يترتب على ذلك من عدم وجود تسوية شاملة ونهائية للصراع العربي الإسرائيلي وفقاً لقرارات الأممالمتحدة ومرجعيات مؤتمر السلام. * كاتب مصري.