قدم من بقعة بعيدة من مصر. أحبها وعشق أهلها وأقام فيها حتى بات المصريون لا يفرقونه عنهم. انغمس في تفاصيل حياتهم اليومية، وحفظ عن ظهر قلب دهاليز الحارات والأزقة. يرتدي في صورته الأشهر قفطاناً مصرياً ويجلس على سطح بيت يطل على معالم القاهرة القديمة. جون فيني اسم نيوزيلندي شهير في عوالم عدة تبدأ بصناعة الأفلام والتصوير وتمر بالطهو وتنتهي بالبحرية العسكرية. حضر الى مصر عام 1963 بدعوة من وزارة الثقافة ليصور الفيضان. خطط للبقاء سنة واحدة، الا أنه أضاف إليها 39 سنة أخرى. وعاد بعدها إلى بلده ليموت فيها في كانون الأول ديسمبر الماضي. مات جون فيني ودفن في نيوزيلندا، لكنه يعود اليوم إلى مصر، اذ يحتفل أحباؤه وطلابه وزملاؤه بمرور سنة على رحيله بتخليد تراثه الذي تركه في معرض بعنوان"رجل النهر"، تفتتحه اليوم رئيسة الوزراء النيوزيلندية هيلين كلارك في القاهرة. عشرات الصور الفوتوغرافية التي التقطها فيني لمدينته المفضله وتفاصيلها الدقيقية التي لم يتمكن سواه من اقتناصها بهذه الخصوصية والزوايا المتفردة. المجموعة التي يعرضها غاليري سوني في الجامعة الأميركية في القاهرة لفيني تضم صوراً نادرة تعد الوحيدة من نوعها بالألوان، وأهمها صورة تشييع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لحظة توجهها من كوبري قصر النيل إلى شارع الكورنيش. وهناك الصور الوحيدة الملتقطة لآخر فيضان لنهر النيل شهدته مصر. وتشمل مجموعة الصور النادرة تسجيلاً لعروض خيال الظل التي انقرضت تماماً في الشارع المصري، والأزقة الشهيرة لحي الخيامية في قلب القاهرة، وموسم جمع الياسمين في مناطق متفرقة من دلتا النيل حمامات القاهرة الشعبية التاريخية وغيرها. وما يجمع هذه الصور على رغم اختلاف فحواها الشديد، وانتمائها إلى مناحٍ مختلفة من الحياة سواء الأعمال والحرف اليدوية أو مواسم الحصاد أو جنازات الشخصيات العامة، إلا أنها جميعاً تحمل روح ومذاق جون فيني. تقف هذه الصور على قدم المساواة مع فيلم"نافورات الشمس"الذي صنعه بالتعاون مع فريق مصري مكون من خمسة أشخاص ليكون التسجيل الوحيد المتاح لآخر فيضان مصري قبل بناء السد العالي. وسمي المعرض"رجل النهر"لأن فيني ولد في نيوزيلندا حيث يلتقي نهران ليصبحا نهر"واياكاتو"أطول أنهار نيوزيلندا. وكان فيني يقول بعد سنوات من إقامته في مصر"رحلة الحياة أتت بي إلى أعظم نهر في الأرض، النيل الخالد".