قالت مصادر مواكبة للقاء الأول بين رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية سعد الحريري في أعقاب تسلمهما من القائم بالأعمال الفرنسي في لبنان اندريه باران لائحة بأسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية أعدها البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير لاختيار مرشح توافقي من بينهم، إن المحادثات بينهما اتسمت بأجواء إيجابية لكن من المبكر القول إنهما توصلا الى تفاهم نهائي. وأضافت المصادر نفسها ل"الحياة"أن فرصة التفاهم على مرشح توافقي لا تزال قائمة شرط أن يسارع الأطراف المعنيون الى حسم مواقفهم من دون أي تردد وهذا لم يحصل حتى الساعة لأن بري يجري مشاورات مفتوحة مع حلفائه في المعارضة في مقابل مشاورات مماثلة يجريها الحريري مع قوى"14 آذار". ولفتت المصادر الى أن حسم الموقف في مفاوضات بري - الحريري يتوقف على التأكد من أن المشهد السياسي الإقليمي والدولي، بكل تناقضاته، يدعم التوصل الى رئيس توافقي وأن الجهات الدولية التي التزمت إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها ستبدي مرونة لترجمة أقوالها الى أفعال، خصوصاً أن لا مشكلة مستعصية أمام تظهير المشهد المحلي وإن كان الأمر يستدعي القيام بجهود فوق العادة. التزام أم تراجع؟ وأكدت المصادر، نقلاً عن قيادات في الأكثرية، أن جميع الأطراف الداخليين ألزموا أنفسهم بأنفسهم عندما أعلنوا مراراً وتكراراً دعمهم التوافق والوقوف وراء البطريرك صفير في اعداده للائحة بأسماء المرشحين وبالتالي فهم الآن أمام السؤال عن التزامهم لمعرفة ما اذا كانوا ماضين في تعهداتهم أم انهم سيضطرون الى التراجع عن مواقفهم باعتبار أنهم أخطأوا في حساباتهم مستبعدين أن يوافق صفير على تفويضه وضع هذه اللائحة؟ ونقلت المصادر نفسها عن قيادات في"14 آذار"أن بعض الأطراف في المعارضة كانوا يراهنون على أن صفير لن يتجاوب مع الإجماع العربي والدولي والمحلي على دعوته الى إعداد اللائحة على خلفية المرارة التي أصابته عام 1988 عندما أوعزت اليه الولاياتالمتحدة الأميركية بأن يعد لائحة بأسماء المرشحين وتخلت عن التزاماتها ما إن انتهى من إعدادها. وقالت المصادر:"أما وأن صفير وافق في نهاية المطاف على إعداد اللائحة، فإن البعض في المعارضة سارع الى الرهان على عامل آخر لا يجب الاستخفاف به وهو أن النائب الحريري في حواره مع بري سيصطدم عاجلاً أم آجلاً باعتراض ثنائي من حليفيه رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع وأن الأخيرين سيضعان فيتو على أي تفاهم". وتابعت أن البعض في المعارضة راهن أيضاً على أن الحريري لن يتمكن من حماية تفاهمه مع صفير وبري وأن جنبلاط وجعجع سيقلبان في الوقت المناسب الطاولة على هذا الاتفاق بذريعة أن الحريري لن يكون قادراً، مهما ادعى، على ضبط أداء حليفيه وأنه سيستسلم لارادتهما. وأضافت المصادر، ودائماً نقلاً عن قيادات في"14 آذار"أن الحريري، في حال حصل على تفويض من جنبلاط وجعجع يستعجل ولادة تفاهم في شأن الاستحقاق الرئاسي مثلث الأطراف قوامه، إضافة الى الحريري، صفير وبري، فإن حليفيه سينقلبان عليه. وأن الوضع التفاوضي للأكثرية سيتعرض الى انتكاسة سياسية لاضطرار قوى فيها الى الانسحاب احتجاجاً على ما تم التفاهم في شأنه. لكن حسابات بعض القوى في المعارضة ليست في محلها، كما ترى المصادر، خصوصاً بالنسبة الى رهانها على احتمال قيام تحالف في الشارع المسيحي يجمع بين الأضداد ويتكفل بمهمة الإطاحة بالتسوية. إلا أن المصادر لاحظت في المقابل أن الحريري، في مفاوضاته مع بري، لم يعد أمام مهمة مستحيلة بسبب حلفائه في الأكثرية، وإن كان يحتاج الى تكثيف جهوده للتفاهم معهم على الأولويات بالنسبة الى المرشحين الواردة أسماؤهم، بينما بدأت المعارضة تواجه مشكلة مع رئيس تكتل"التغيير والاصلاح"العماد ميشال عون قد يصعب حلها في ضوء رفضه المرشحين التوافقيين واصراره على أنه وحده المرشح التوافقي لما يتمتع به من حضور مميز في الشارع المسيحي. وبكلام آخر فإن وضع النائب الحريري يبدو في مفاوضاته مع بري مريحاً قياساً الى وضع الأخير بسبب رفض عون الانسحاب من المعركة لمصلحة التفاهم واصراره على خوضها غير آبه بالنصائح العربية والدولية والمحلية التي أسديت اليه في الأيام الماضية والتي تدعوه الى اخلاء الساحة لمصلحة المرشحين التوافقيين. تفويض على بياض والحريري المفوض"على بياض"من قبل جنبلاط في اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً، يتمسك بحلفائه من المسيحيين في قوى"14 آذار"ولن يفرط بهم، وهو الآن ماضٍ في التشاور معهم ولن يخطو خطوة قبل الوقوف على رأيهم. كما إن جنبلاط الذي أثبت، سواء في تفويضه العلني للحريري أم في اتصاله ببري، بأنه"قارئ سياسي"من الدرجة الأولى وأنه الأقدر على أن يتكيف مع الواقع قبل فوات الأوان، لم تمنعه مواقفه السياسية من السير قدماً نحو التوافق لأنه يدرك الى أين سيصل البلد في حال اللجوء الى الخيارات السياسية الأخرى والتي ستقوده حتماً الى الفوضى، ناهيك بأنه أراد أن يعلن للجميع بأنه ضد العودة بلبنان الى الوراء وأنه لن يكون طرفاً في تكرار مأساة الحرب الأهلية. وبالنسبة الى جعجع فإنه قد يتعارض مع حلفائه الآخرين في شأن بعض أسماء المرشحين، لكن اعتراضه يبقى قائماً لبعض الوقت وليس الى الأبد خصوصاً أن التدرج في اختيارهم سيقوده حتماً الى التفاهم مع حلفائه. كما أن الأكثرية ستجد نفسها أمام مروحة واسعة في اختيار المرشحين خلافاً للمعارضة التي ستجد خيارات ضيقة في لائحة صفير. وفي هذا السياق كشفت أوساط مقربة من الأكثرية أن جنبلاط سارع الى تسهيل مهمة الحريري من جهة والى حض بري على التفاهم معه انطلاقاً من شعوره بأن انتخاب الرئيس بالنصف زائداً واحداً بات من الخيارات المعلقة وأن لا مجال للعودة اليه في الوقت الحاضر، طالما أنه من داعمي مبادرة صفير وبالتالي للتحرك الفرنسي الناشط في كل الاتجاهات. وإلا فإن اعتراضه على التوافق يتناقض وأقواله في شأن تفويضه المطلق للحريري في التفاهم على الرئيس. وقالت إن جنبلاط كان صريحاً كما كانت الأكثرية في التوجه الى بري ومن خلاله الى المعارضة بالقول:"أعطونا رئيساً توافقياً وخذوا النصف زائداً واحداً"وعزت السبب الى أن هذا الخيار سيواجه صعوبة اذا لم يتوافر له غطاء مباشر من بكركي. أما المعارضة فلا تزال تواجه عقدة عون الذي انقلب على تأييده مبادرة بري التي أطلقها في بعلبك والقائمة على الرئيس التوافقي، ولم تحقق الاتصالات الدولية والمحلية التي أجريت معه حتى الساعة أي تقدم وكأنه يراهن على تبدل في الموقف المسيحي من مبادرة بكركي، على أن يكون عموده الفقري"التيار الوطني الحر"وأطرافاً مسيحيين في الأكثرية. ومن الطبيعي، كما تقول مصادر في المعارضة، أن يوظف عون هجوم الحريري على"حزب الله"ورده شخصياً عليه في معركة الرئاسة من خلال وقوفه الى جانب الحزب في محاولة لتقييد حركته في البحث عن الرئيس التوافقي بذريعة أنه مضطر الى تقديم موقف مماثل لموقفه الداعم له وبالتالي رفضه أن يبقى وحيداً في الموقع الذي اختاره لنفسه. وعليه فإن الحريري، وإن كان يبدو مرتاحاً في مفاوضاته مع بري، فإنه لن يدير ظهره لحلفائه في الأكثرية وهذا يستدعي منه التشاور معهم باستمرار، فيما يتابع بري، الراغب في الوصول الى حل، اتصالاته مع قيادتي"حزب الله"و"التيار الوطني الحر"بغية بلورة موقف موحد للمعارضة يتيح للمتحاورين الدخول في غربلة حاسمة لأسماء المرشحين. هذا في حال عملت دمشق على تسهيل عملية الانتخاب مدعومة بضوء أخضر ايراني، علماً أن الأكثرية، بحسب أوساطها، ليست مرتاحة الى الموقفين السوري والإيراني وتخشى تبدلاً في موقف دمشق لا ينسجم مع رغبتها في الانفتاح على الجهود الفرنسية الداعمة لانتخاب الرئيس في موعده الدستوري القريب.