ابتعد الأمين العام ل "حزب الله" حسن نصرالله عن "اللياقات" السياسية اللبنانية حين تناول مسألة الرئاسة اللبنانية. أعاد النقاش الى جذر الخلاف. القضية بالنسبة اليه ليست قضية انتخاب رئيس، حسب الأصول الدستورية أو الميثاقية. هي أبعد من ذلك: تفاهم على استراتيجية الدولة والنظام، وعلاقات لبنان الدولية والاقليمية. لم يعد الميثاق، بالنسبة اليه الابتعاد عن العرب والغرب مسافة واحدة. سقطت هذه اللعبة مع الحرب الأهلية، ومع الانقسام الداخلي بعد الانسحاب السوري، وبعد حرب تموز. وبروز ايران الساعية الى تأكيد ذاتها قوة اقليمية لديها خطتها واستراتيجيتها في منطقة خلت من أي مشروع عربي، عدا رد الفعل والتسليم بالقدر الأميركي. الانتخابات الرئاسية، في خطاب نصرالله جزء من تصوره لمستقبل الشرق الأوسط. للصراع الدائر حول بعض الأنظمة ومعها. أما اسرائيل فهي العدو طبعاً. كل من يدعو الى الصلح معها، أو مهادنتها عدو أيضاً. وعلى الرئيس اللبناني المقبل وحكومته أن يؤكدا ذلك قولاً وعملاً، من خلال توزيع المناصب والمسؤوليات وعقيدة الجيش. ومن خلال برنامج يحافظ على سلاح المقاومة ويدعمها، ويتصدى لأي محاولة لنزع هذا السلاح. في المقابل لايستطيع الفريق الآخر 14 آذار السير باستراتيجية نصرالله. لا ارتباطاته الدولية والاقليمية ولا رؤيته الى دور لبنان تتيح له ذلك. هو جزء من اللامشروع العربي. ملتحق بقطار التسوية الوهمية، يحاول تعديل ميزان القوى الداخلية، بعد اختلاله بسبب سلاح"حزب الله"، مستعيناً بقوى اقليمية ودولية. يعادي الحزب من هذا المنطلق، بحجة أن لبنان الضعيف لا يستطيع الاستمرار في المقاومة، فيما الدولة العربية الكبرى، أي مصر، عقدت صلحاً مع تل أبيب، والسلام يرفرف فوق الأردن. أما سورية، يقول هذا الفريق، فليست سوى دولة ضعيفة ترهن لبنان وتستخدمه ورقة في مواجهتها مع اسرائيل والولايات المتحدة. ويعتقد أن الفرصة سانحة للانتقام منها وتكريس ما يطلق عليه"الاستقلال الثاني"، ويذهب بعضهم الى الدعوة للانخراط الكلي في المشروع الأميركي لمحاصرتها وتغيير نظامها، متجاهلاً تجربة الحرب الأهلية والرهانات السابقة الفاشلة على اسرائيل والولايات المتحدة، والغرب عموماً. تلك الرهانات التي أعادت انتاج النظام الطائفي وكرست تسويات دفعنا وما زلنا ندفع ثمنها حتى الآن. يغيب عن"برامج"هذا الفريق أي تصور لقضية اللاجئين الفلسطينيين. ما زال ينظر اليهم كتلاً بشرية معزولة في المخيمات، كتلاً لديها سلاحها وادارتها العسكرية والمدنية ومدارسها ومحاكمها وكأنها في كوكب آخر. والأهم من ذلك ليس لديه أي تصور لنظام ما بعد خروج الجيش السوري من لبنان ولا لدولة الاستقلال، سوى شعارات حماسية شعبوية تنم عن عقلية ثأرية ثوروية. في الوقت ذاته ليس في خطة نصرالله وتصوره للنظام سوى وعد بالمقاومة، وبالمواجهة مع المشروع الأميركي. اما اصلاح بنية النظام كي لا تتكرر الحروب الأهلية، ولا تخرج طائفة عن كنف الدولة فغاب تماماً من خطابه. قد ينتخب اللبنانيون رئيساً، اذا حصلت معجزة. لكنه سيكون خاضعاً لزعماء الطوائف الذين توافقوا عليه، وهؤلاء لن يتخلوا عن ارتباطاتهم الخارجية فهي مصدر قوتهم في مواجهة بعضهم بعضاً، حرباً أو سلماً... للأسف لبنان سيبقى ساحة مفتوحة للجميع.