دخل الأمين العام ل "حزب الله" السيد حسن نصرالله أمس بقوة، ومن الباب الواسع، على خط المشاورات الدولية والعربية والمحلية في شأن إيجاد مخرج لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني في موعده الدستوري، على قاعدة التوافق على رئيس جمهورية جديد، ورسم"خريطة طريق"لاختيار الرئيس تتجاوز حل المسألة"بطريقة المجاملات أو التعارفات أو تبويس اللحى"الى تحديد المسار السياسي العام في البلد والاتفاق عليه، بدءاً بتحديده مواصفات الرئيس والحكومة الجديدة وبيانها الوزاري بأبرز عناوينه، والتعيينات من قائد جديد للجيش اللبناني وقادة جدد للمسؤوليات المركزية في المؤسسة العسكرية. راجع ص 7 وحذّر نصرالله في خطاب ألقاه بعد ظهر أمس في الذكرى الخامسة والعشرين ليوم الشهيد، الأكثرية من اللجوء الى انتخاب الرئيس بالنصف زائداً واحداً، وقال:"الدستور يقول بنصاب الثلثين ولا يمكنكم ان تجمعوه إلا بالتوافق، لذلك أنتم ملزمون بالتوافق وإلا فإن أي رئيس بالنصف زائداً واحداً، لن تعترف به المعارضة وستعتبره غاصباً للسلطة، ومعتدياً يتصرف بأمور الدولة في شكل غير قانوني وغير مشروع". وإذ حدد نصرالله مواصفات للرئيس التوافقي الذي يريده، وقال:"لا أريد ان أهدد، ما زالت أمامنا أيام وهناك مساع جدية للتوافق الذي ما زلنا نراهن عليه، ونؤيد كل المساعي إليه ولكن اذا لم نصل إليه، أقول للحريص على السلم الأهلي الذي لا يريد ان يسمح للأميركي بأن يأخذ البلد الى الفوضى الخلاقة، عندنا مخرج، ولن أقول الانتخاب من الشعب لأنهم يعتبرونه بدعة وهرطقة، بل لنرجع الى الانتخابات النيابية المبكرة، وإذا حصل أحد الطرفين على الثلثين فليجمع المجلس النيابي بنصاب الثلثين وينتخب رئيساً، وصحتين على قلبه، وعلى البقية ان تخضع لهذه الإرادة". ثم خاطب السيد نصر الله رئيس الجمهورية اميل لحود قائلاً:"من واجبي في الأيام الأخيرة بحسب الدستور، ان أتوجه إليك باسم المقاومة بكامل الشكر والتقدير العالي لمواقفك وثباتك واحتضانك للمقاومة خلال تسع سنوات من رئاستك للجمهورية وخلال سنوات تحملك لقيادة الجيش الذي استمر مع قيادة الجيش الجديدة، ان ما أنجزته مرهون بتحملك للمسؤولية الوطنية التاريخية في ما تبقى من أيام رئاستك، وأنت أهل لهذه المسؤولية، ومن هنا نناشدك ان تقوم بما يمليه عليك ضميرك ومسؤوليتك القانونية والوطنية والدستورية وقسمك اليمين الدستورية، ان تقدم على خطوة او مبادرة إنقاذية لمنع الفراغ إن لم يحصل توافق، لأن انتخاب الرئيس بالنصف زائداً واحداً أسوأ من الفراغ، وعدم انتخاب رئيس بالتوافق وبقاء السلطة في يد حكومة غير شرعية وغير مسؤولة أسوأ من الفراغ". وأضاف نصرالله:"نعرف ان العالم كله سيمارس أصعب الضغوط عليك كي لا تقدم على خطوة إنقاذية من هذا النوع، لكن الذي لم يسكت على ملايين الأمتار من جنوبلبنان عند ترسيم الحدود عام 2000 ووقف بكل جرأة وشجاعة أمام تهديد الإدارة الأميركية، سيكون بالتأكيد مؤتمناً على كامل مساحة الوطن اللبناني الذي لا يجوز التفريط به". وحمل نصرالله بعنف على"مجموعة من اللصوص والقتلة من أتباع المشروع الأميركي الصهيوني في لبنان". وفيما تطرق نصرالله الى ما يشاع حول وجود توتر بين المخيمات الفلسطينية في بيروت والضاحية الجنوبية وبين الأهالي المجاورين لها، مؤكداً باسم"حزب الله"وحركة"أمل"ان لا عودة الى حرب مخيمات جديدة في لبنان، شدد على ان المقاومة ستستمر في تحملها المسؤولية طالما ان السلطة في لبنان لا تتحمل المسؤولية في الدفاع عن أرضها وشعبها". وزاد ان"حزب الله"أراد من خلال مناورته الأخيرة في الجنوب"ان يقول للعالم كله الذي يظن ان عزيمتنا وإرادتنا ضعفتا أو وهنتا، إنهم مشتبهون وأنه مستمر في صد العدوان والدفاع عن الأرض، مكرراً ان الحزب يريد رئيساً غير الذي يريده الأميركيون الذين لا يرون من الرئيس إلا تنفيذ القرار 1559 فقط. واستدرك:"أقول لكل هؤلاء انه لا يوجد أحد في العالم يستطيع ان ينزع سلاح حزب الله". وفيما لم يصدر أي رد من قيادات الأكثرية على المواقف التي أعلنها نصر الله من رئاسة الجمهورية، قالت مصادر الأكثرية:"علينا ان نتريث قليلاً حتى الانتهاء من إجراء مراجعة كاملة ودقيقة للخطاب". لكنها سألت كيف سيتعامل رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع قول السيد نصر الله للجميع: هذه هي شروطي لانتخاب الرئيس، وهذا هو مفهومي السياسي للتوافق، وأنا الناخب الأكبر... ومن يستطيع الوصول الى تسوية متجاوزاً كل هذه الخطوط الحمر التي وضعها. كما سألت عن موقف رئيس"تكتل التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون من الخطاب، وكيف سيتعامل معه وهو يستعد للتفاعل مع توجه البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير الى إعداد لائحة بأسماء المرشحين للرئاسة، كخطوة أولى على طريق الانطلاق في آلية خريطة الطريق التي تتحرك فرنسا من اجلها في كل الاتجاهات، من اجل توفير شبكة الأمان العربية والدولية لحمايتها، وضمان إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها. الى ذلك، فاجأ أمس رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري النواب في الأكثرية، في مقر إقامتهم"الجبرية"في فندق"فينيسيا"، وأجرى معهم حواراً قال فيه:"نريد الرئيس بحسب المواصفات التي وضعها البطريرك صفير، وخيارنا هو التوافق، وقلنا ولا نزال نقول إننا نحن الأكثرية في البرلمان، وهذه الأكثرية تتعرض للاغتيال من قبل نظام مجرم، عليه ان يعرف أنها لن تصبح أقلية". وتمنى الحريري ان يصل الى توافق في حواره مع بري و"أن نأتي برئيس يكون لبنانياً أولاً وأخيراً"، مشدداً على ان قوى 14 آذار"تريد التوافق وتأخذ أي قرار مجتمعة". وعلم ان بري والحريري بحثا في اتصال هاتفي مساء امس في المواقف التي اعلنها نصرالله وانعكاساتها المحتملة على الجهود الجارية لضمان اجراء الاستحقاق الرئاسي. وتترقب الأوساط السياسية التحرك الذي يفترض ان يباشره البطريرك صفير من خلال دعوته القيادات المارونية الأساسية الى الاجتماع للتفاهم على إعداد ورقة بأسماء المرشحين استناداً الى ما تفاهم عليه بهذا الشأن مع الموفدين الرئاسيين الفرنسيين وتجاوباً مع مناشدة بري والحريري إياه بالإقدام على خطوة كهذه، يمكن ان تسرّع التوافق على الرئيس بعد تأجيل جلسة الانتخاب الى 21 الجاري. وفي حين تتضارب المعلومات حول الخطوة التي سيعتمدها صفير على طريق إعداد لائحة بأسماء المرشحين للرئاسة، للتوافق على أحدها، قالت مصادر مارونية ل"الحياة"انه سيبادر الى بلورة الآراء بالتزامن مع سعيه الحثيث الى استيعاب أجواء التوتر داخل القيادات المارونية، مستفيداً من الضغط الدولي والعربي الداعم لإجراء الانتخابات والذي سيتكثف في الساعات المقبلة من خلال فرنسا باتجاه سورية للتأكد من أنها ماضية في الضمانات التي تعهدتها أمام الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان، بتسهيل إجراء الانتخابات ودعمها للتوافق اللبناني على اسم الرئيس، خصوصاً في ظل تساؤلات وضعتها قيادات في الأكثرية حول مدى التزامها هذه الضمانات وترجمتها الى خطوات ملموسة، مع عودة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الى بيروت غداً، في سياق مواصلة التحرك الفرنسي مع القيادات المحلية، والذي سينضم إليه الأربعاء وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما. وعلمت"الحياة"من مصادر فرنسية مطلعة ان غيان أجرى اتصالاً هاتفياً السبت الماضي - أي فور عودته من بيروت - بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، اطلعه فيه على المحادثات التي اجراها في بيروت. وقالت هذه المصادر ان رئيس الهيئة التنفيذية في"القوات اللبنانية"سمير جعجع أعرب عن تحفظه عن المسار الذي يعطي لصفير الحق في إعداد لائحة بأسماء المرشحين، تمهيداً لعرضها على بري والنائب الحريري، علماً ان الأخير زار ليل السبت رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط والتقاه مطولاً في حضور الوزيرين مروان حمادة وغازي العريضي والنائب السابق غطاس خوري. وأفادت مصادر في الأكثرية بأن هذا اللقاء خُصص لتقويم التحرك الأخير لغيان في بيروت انطلاقاً من دعم جنبلاط والحريري المبادرة الفرنسية وضرورة توفير الفرصة لباريس لعلها تنجح في رعاية تفاهم لبناني - لبناني على آلية انتخاب الرئيس التوافقي، على رغم انهما يشككان في النيات السورية. ولفتت هذه المصادر الى انفتاحهما على التحرك الفرنسي من جهة ولقطع الطريق على رهان دمشق بأن رفض المبادرة سيأتي من الأكثرية بسبب اختلافها على الرئيس.