رُبما يبدو للكثيرين أن "القاعدة" وما خرج ولا يزال يخرج من آلات تفريخها الفكرية في الجزيرة العربية ومصر والعراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين والجزائر وغيرها وغيرها في أفريقيا وآسيا وأوروبا والأميركتين، هي المجموعات"المؤدلجة"الوحيدة التي تفردت باتخاذ المدنيين العُزل، من كبار وصغار، ومن أناث وذكور، ومن مرضى وأصحاء، دروعاً ضد الأسلحة المضادة سواء حملتها قوات أمن وطنية للدفاع عن المواطنين العُزل أو حملتها قوات معُتدية لا يهمها أن أصابت أسلحتها المدنيين أو أخطأتهم، غير أن هذا انطباع خاطئ. وإذا كانت"القاعدة"المسلحة وقاعدتها الفكرية التي تتعاطف معها صراحة في"الانترنت"وبطرق مبطنة في بعض المنابر الأخرى من محطات تلفزة وصحف ومجلات مُتعاطفة، تسمي ما تقوم به من عمل مشين مُسيء للعرب والمسلمين كافة ب"التمترس"، فقد قام الحركيون الشيوعيون بأعمال مشابهة قبلها بعقود وبعدهم النازيون وبقية الفاشيين. إن تعريض المدنيين العُزل الآمنين للقتل في معظم الأحيان، أو الترويع في أحيان أخرى، من أكفأ وسائل الإيهام بأن الحكومات غير قادرة على حماية المواطنين. ومن ناحية المبدأ، بالنسبة إلى"القاعدة"وفروعها المسلحة والفكرية، فإنها لا تعترف لا بالمواطنين ولا بالوطن."الوطن"بالنسبة إليها"وثن". أي آلة من آلات"التغريب"المستوردة. والمواطن الذي ليس مُتَعاطفاً معها يُقتَل عمداً إن كان ذلك مفيداً لها أو يحل استخدامه درعاً. ومن الروايات التاريخية الموثقة بخط يد لينين انه ينصح"الحركيين"المتحمسين، بتفجير الأماكن القريبة من مدارس الأطفال ومستشفيات المرضى وخاصة العجزة منهم، للإطاحة بالحكومات المُنتَخبة ديموقراطياً، كما تمت الإطاحة بها فعلاً في شتاء 1917. وكذلك فعل النازيون في الحرص على تفجير المنشآت الأقرب لأضعف المواطنين. ومع أن لينين وبقية البلاشفة الذين كان أهم قادتهم الفكريين من اليهود المضطهدين، فإنهم بالطبع ما كانوا يعترفون ب"الوطن"واعتبروه مخلوقاً"برجوازياً"يتناقض وجوده والإخلاص له مع أهم أهدافهم، وهو حكم العالم أجمع، ومع أن النازيين غالوا وأفرطوا في تقديس"الوطن"إلى درجة احتقار بقية الأجناس البشرية، فإن البلاشفة والنازيين من ملة متطرفة واحدة وان كانوا وقفوا في طرفين مُتَباعِدين. وما كان لينين الروسي البحت أيضاً يعترف بالوطن. والذي أحيا الارتباط بالوطن الروسي الأم كان ستالين الجورجي حينما واجه قوات هتلر. وبما أن لينين وهتلر وموسوليني، ليسوا مجانين"مرفوعاً عنهم القلم"، كذلك الحال بالنسبة إلى أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري والزرقاوي و"أبو أيوب المصري"وبقية أركان القيادة في الكهوف والمكامن المظلمة، ليسوا مجانين أو جهلة صَدّقوا أن قتل النفس عمداً"استشهاد"، فإن الهدف الذي لم يتغير من لينين وموسوليني ومن بعدهم"الشيخ"حسب وصف ضيوف"الجزيرة"وبقية أركان قيادته، هو تولي السلطة. ومن الواضح أن سبب اختيار خمسة عشر من"الإرعابيين"التسعة عشر من المواطنين السعوديين، لتنفيذ"غزوات"نيويوركوواشنطن، ليس تولي السلطة في واشنطن بالطبع وإنما الإساءة إلى الصداقة التاريخية بين واشنطن والرياض، أملاً في أن يُقرب الرعب في دول غربية من يوم ولادة"الخلافة الإسلامية"التي يكون خليفتها الأول بن لادن وواليه الأول الملا عمر في بلاد"فارس"كافة - كما كانت تسمى قبل أربعة عشر قرناً - الهدف هو زلزلة السعودية. وهل كان هناك هدف آخر من تسجيل أشرطة وخطب بأسلوب يثير العواطف ويطمس الفكر السوي لتهييج صغار السن وزرع بذور الحقد في قلوبهم ضد قيادتهم السياسية وكبار علماء بلادهم وإقناعهم بترديد"أخرجوا"الكفار"من أرض الجزيرة العربية"، غير السعي إلى السلطة؟ أما قاعدة"العديد"في قطر فلم يطالب ضيوف محطة"الجزيرة"بإخراج الكفار منها حتى يتم تطهير الجزيرة العربية كافة من دنس الكفار كافة. غير أن بعض الظن أثم، فقد يكون لضيوف"الجزيرة"عذر بجهل أو بتجاهل أن أرض دولة قطر جزء لا يتجزأ من أرض الجزيرة العربية. وهل أن ما حدث من قبل قادة"القاعدة"بتوجيه أتباعهم إلى استخدام اللاجئين الفلسطينيين العُزل في لبنان، دروعاً واقية من غضب المواطنين اللبنانيين، صدفة، أم انه تطابق مع تكتيكات"الإرعابيين"المروعين للآمنين، منذ أيام التتار والبلاشفة والنازيين والمجموعات الإرهابية التي كانت في إيطاليا ولا تزال موجودة في سيرلانكا وجنوب أميركا، وبالطبع في بلادنا العربية والإسلامية كافة. والله من وراء القصد * أكاديمي سعودي