مرّة جديدة يشكل البشر خطراً رئيساً على الثروة الطبيعية. إذ أشعل الطلب الياباني والعالمي على لحم التونة السمين لتحضير وجبة ال"سوشي"الرائجة عالمياً، حمّى صيد التونة من نوع ال"بلو فين"، التي تعج بها مياه البحر المتوسط الدافئة، قادمة من المحيط الأطلسي، وقد يصل وزن الواحدة منها إلى نصف طن. ويحذر علماء من"اللجنة الدولية للحفاظ على اسماك التونة في المحيط الأطلسي"ايكات، التي أنشأتها الدول التي تصطاد ال"بلو فين"لمراقبة أعدادها، أن نظام جمع الأسماك في"مزارع التونة"، تضافر مع زيادة أساطيل صيدها ليهدد بتراجع كبير في أعدادها. وقدّر رئيس اللجنة العلمية في"ايكات"، جيرالد سكوت، انه لم يتبق سوى 6 في المئة من الأعداد الأصلية لأسماك"بلو فين"في البحر المتوسط. وأضاف:"حين تنخفض الأحجام لمستويات متدنية جداً، فإن الأمر لن يستغرق سوى سنة أو سنتين سيئتين، ويبدأ التراجع السريع حتى يصعب العودة إلى ما كانت عليه الحال من قبل". وقال:"لم نصل إلى نقطة التراجع السريع والحاد بعد، لكن حين يحدث ذلك يكون الأوان قد فات على الأرجح". وأوضحت المسؤولة عن المصايد في جماعة"الصندوق العالمي للبيئة"، سوزانا ساينز، ان ال"بلو فين"هي"من أبرز الأسماك المفترسة، وفقدانها سيزعزع استقرار النظام البيئي البحري بالكامل في البحر المتوسط، وهناك مؤشرات كثيرة على أننا قد نشهد بداية الانهيار، والتأثير البيئي سيكون كارثياً". وينصب الصيادون الإسبان والغربيون الشراك لأسماك التونة العملاقة منذ أكثر من 3000 سنة. وأفادت مصادر ان التونة أصبحت عملاً تجارياً كبيراً في أنحاء دول البحر المتوسط، وأن أفضل وأكبر سمكة تصل قيمتها إلى 15 ألف دولار، ما يجذب العشرات من الزوارق الجديدة إلى هذه الصناعة سنوياً، التي تسيطر على الكثير منها عصابات مافيا آسيوية وإيطالية. ما يؤدي إلى خفض الأسعار ويدفع الصيادين إلى تجاوز الحد الأقصى للكميات المسموح باصطيادها. وقضى الصيد الجائر والتلوث وتغيّر المناخ على كميات كبيرة من الأسماك، التي تُصطاد لأغراض تجارية، على رغم اتفاق أبرمته الأممالمتحدة لتعويض تراجع الأعداد في حلول عام 2015 لكنه فشل في وضع أهداف قوية في شكل كاف. ويقدّر البعض ان يكون الأوان"قد فات بالفعل لإنقاذ ال"بلو فين"بعد أن تجمّعت أساطيل الصيد التي تستخدم تكنولوجيا الرصد المتقدمة في صورة غير قانونية في منطقة قرب ليبيا، كانت تعتبر بين آخر الملاذات الطبيعية لهذه الأسماك". مزراع التونة واعتبر خبير مصايد إسباني أسس أول مزرعة للتونة قبل عشر سنوات هو روبرتو ميلجو بريجازي، ان أعداد هذه الأسماك تراجع في صورة مخيفة من الناحية التجارية. وأحدثت مزارع السمك ثورة في هذه الصناعة، وهي تستعين بأقفاص ضخمة تحت الماء تغذّى فيها التونة، التي يتم اصطيادها حديثاً، على الحبار والسردين. ويتيح ذلك للصيادين نقل مجموعات كبيرة من التونة التي فقّست لتوها إلى الأقفاص التي يبلغ عرضها 50 متراً ويعودون لاصطياد اسماك أخرى، حتى آخر سمكة. وتحفظ هذه الأسماك وتجمّد وتشحن إلى آسيا كتلة واحدة إلى قاعات المزادات، مثل سوق"تسوكيجي"في طوكيو. ويصل سعر كل مئة غرام من لحمه الأحمر إلى 75 دولاراً في أفخم مطاعم المدينة اليابانية. وأثّرت مزارع التونة في غلّة شباك الصيد التي نصبها الصيادون في المياه الضحلة على شاطئ إسبانيا الجنوبي المطل على المحيط الأطلسي، في السنوات السبع الماضية. وهو أسلوب مستخدم قبل العصور الرومانية حيث يقضي الصيادون نحو شهرين وهم ينصبون الشباك ثم ينتظرون وصول التونة في نيسان إبريل من كل سنة. وعلى رغم أن السياحة تتطور بسرعة على الساحل الإسباني، لا تزال أربعة مضارب صيد في إسبانيا توفر فرص عمل رئيسة للسكان في بلدات إحداها تحمل أسم هذه السمكة الفضّية العملاقة، وهي زهارا دو لو تونيز زاهارا التونة. وكما هي الحال في مصايد المغرب العابرة لمضيق جبل طارق، كانت المضارب في إسبانيا تصطاد في السابق ما يصل إلى 2500 طن سنوياً من التونة، لكن في الموسم القصير هذه السنة بلغ حجم الصيد 1300 طن فقط، أي تراجع 48 في المئة، ما يعني خطر إفلاس شركات صيد عدّة. وفي السنة الماضية، تكبدت شركة"كريسبو"الإسبانية خسارة تبلغ 800 ألف يورو، إذ لم تصطد سوى ألف طن. ويلخص صاحب الشركة، دييغو كريسبو، الوضع المُزري للصيادين، قائلاً:"ليس من الصواب أن يختفي في عشر سنوات فقط مصدر رزق عاشت منه الألوف من العائلات على مدار 3 آلاف سنة بسبب التكنولوجيا الحديثة".