سنة بعد أخرى، يستحوذ المسلسل السعودي "طاش ما طاش" على إعجاب المشاهدين العرب، وليس السعوديين أو الخليجيين فقط. في العام الماضي أظهر استفتاء أجرته إحدى الصحف الكويتية أن هذا المسلسل يعد أفضل مسلسل كوميدي خليجي عُرض خلال شهر رمضان. وأظهرت دراسة أخرى أن المسلسل جذب عدداً كبيراً من المشاهدين واستطاع تحقيق أرقام قياسية في هذا المجال. وهذا العام، لم تتغير الإحصاءات في السعودية، وواصل"طاش 15"القدرة على الإمتاع والإضحاك، وبدرجة أقوى من السابق، إذ استطاع أن يحقق مساحة أوسع وأعمق من السبر الاجتماعي لأحوال الإنسان العربي عموماً وليس الخليجي فقط، مثل الحلقات التي تحمل عناوين:"المدانة"،"قاضٍ في الجنة"،"سعودي بلا هوية"،"ليبراليون.. ولكن". فالظاهرة التي يُطلق عليها"جرائم الشرف"موجودة في أكثر من بلد عربي، والإرغام والإملاء والإخضاع سمات للقمع في حياتنا. واللامنطقية في الأحوال الشخصية للفرد لا تؤدي فقط إلى عدم تجسيد المواطنة بل وإلى القهر الإنساني، والادعاء والثرثرة والاستعراضية والعيش في حلقة ضيقة هامشية ومنعزلة دونما علاقة حيوية ونقدية مع واقع الحياة الفعلي ومع هموم الناس، إذ لم تعد أحد"أمراض المثقفين"فحسب، بل مثلباً من مثالبنا الاجتماعية الكبرى في ما يتعلق باحترام الوقت والعمل. ويبدو الحرص على"التوازن"واضحاً في"طاش ما طاش"، ليس فقط لأسباب فنية جمالية، بل لأسباب لها علاقة ب"التابو"في حياتنا العربية وبخاصة في حقول الألغام الخطرة والحساسة. فالاحتياط واجب، والرقابة الذاتية أفضل من الرقابة الخارجية، أو بكلمات الراحل عبد الرحمن منيف:"أصبح في داخل كل منا شرطي"! هكذا نجد، مثلاً، في حلقة"المدانة"، حرصاً على الأخلاق العامة وتدخلاً"في آخر لحظة"من شقيق أمسك يد شقيقه مانعاً إياه من ذبح شقيقته التي لم ترتكب عملاً مشيناً بل ساقها سوء حظها بسبب المرض والدوخة لأن تدخل أمام مجمع تجاري في سيارة أخرى شبيهة بسيارة العائلة. كذلك رأينا نقداً قوياً وجميلاً لظاهرة إرغام الناس على الصلاة، إذ يرفض الابن طلب أبيه المتسلط الذي يمنعه من رؤية أمه أن يصلي، ويرفض هذا الشاب بعناد طلب القاضي أن يصلي ولم يتراجع عن إصراره على عدم الصلاة حتى مع صدور حكم إقامة الحد والقتل، ولكن الشاب ينقذ بتدخل بعض الشيوخ العقلاء الذي فهموا وتفهموا وضعه. وفي النهاية، بسبب"التعامل النفسي"الناضج معه ومراعاة قاعدة"بشِّروا ولا تنفِّروا"، وعدم اللجوء إلى الإكراه، نراه اختار الصلاة. وهناك أيضاً المشهد الذي يصور شاباً ممزقاً بين هويتين، هوية أمه السعودية وهوية أبيه المصري، ليصل الى ما يريد حين ينشد وهو مجند في الجيش المصري، في الطابور مع زملائه النشيد الوطني السعودي... بدل النشيد المصري. "طاش ما طاش"لا يختلق واقعاً بل يقارب واقعاً حقيقياً يزخر بالوقائع، وهو لا يقاربه بطريقة تقريرية وعظية وبضحك مجاني، بل بسخرية جمالية موحية وناقدة يمتزج فيها القلق مع"الضحك من القلب".