تطرّق الرئيس الأميركي جورج بوش في خطابه المطوّل في واشنطن أمام اجتماع لقادة دول رئيسة حول "أمن الطاقة والتغيير المناخي"، إلى ازدياد الحاجة العالمية الى مصادر الطاقة، لا سيما في الدول النامية من ضمنها الدول العربية التي ستكون بحاجة إليها لبناء البنية التحتية الضرورية وتحفيز نموها الاقتصادي وتحسين معيشة سكانها. وتوقع ان الطلب العام على الطاقة سيرتفع اكثر من 50 في المئة، بحلول عام 2030. وأوضح ان الولاياتالمتحدة أنفقت خلال ولايته الرئاسية 18 بليون دولار على الأبحاث وبرامج التطوير لتكنولوجيا الطاقة النظيفة، من ضمنها 2.5 بليون دولار منذ العام 2001 لتطوير محطات للطاقة تعمل بواسطة تقنية"الفحم النظيف"، ودعا إلى تضافر جهود الدول المتطورة والنامية لتحقيق تقدّم ملموس. تكررت حوادث انقطاع التيار الكهربائي في الأعوام الأخيرة في دول عدّة. وفي هذا السياق أكّد الدكتور وليد فياض، وهو مدير رئيسي في شركة"بوز ألن هاملتون"العالمية للاستشارات، أنّ انقطاع الكهرباء"ظاهرة عالمية، تعزى لأسباب عدّة، أهمها الحوادث الطبيعية العواصف كإعصار"غونو"الذي ضرب عُمان أخيراً وتسبب في عطل كهربائي وحصول اختلال في التوازن بين العرض والطلب بفعل عامل الفصول فصل الشتاء في أوروبا والصيف الحار في الشرق الأوسط، والعوامل الاقتصادية أو السياسية مثل تأخر السلطات في تأمين الوقود لإنتاج الكهرباء، وهي مشكلة تتكرر في لبنان. وعن مشاكل الانقطاع في التيار التي حصلت في أوروبا وأميركا أخيراً، حيث تتولى إدارة التوزيع شركات خاصة بمعظمها، لفت فياض إلى"ضرورة التنبّه قبل إصدار أحكام سلبية ضد عملية التخصيص في هذا القطاع العام". وأوضح أنّ"نجاح القطاع الخاص في إدارة مرافق حكومية يعتمد على كفاءة القوانين التشريعية التي توفر الحماية لحقوق المواطن". ففي غياب قوانين واضحة في بلد معيّن واشتداد المنافسة في القطاع، قد تلجأ شركات توزيع الكهرباء أحياناً إلى خفض تكاليفها، فتواجه أخطاراً إضافية، قد تؤدي إلى انقطاع في التيار". أما أبرز الحلول المقترحة لتلافي الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي فهي"وقائية"بحسب فياض، وتشمل"التخطيط لتأمين طاقة إضافية تغطي الطلب المتوقع حتى 20 سنة إلى الأمام، وحماية النظام الكهربائي من خلال فصل عناصر النظام وحدات الإنتاج والنقل عن بعضها بعضاً لتسهيل تحديد مركز العطل وتصليحه وتلافي امتداده، واعتماد برنامج تقني متطور يمنع انتشاره، فضلاً عن إنتاج طاقة إضافية. علماً أن هذا يرفع فاتورة إنتاج الطاقة على الدولة أو المستهلك، ويعتبر"حل اللحظة الأخيرة". إلى ذلك،"قد تعتمد الدول سياسات لإدارة الطلب تساهم في تفادي زيادة استهلاك الطاقة، وتالياً، الحد من خطر انقطاع التيار". الأساليب الفعّالة لتوعية المواطنين وإدارة الطلب يرى فياض أنّ أساليب توعية المواطن تندرج في إطار"إدارة الطلب على الطاقة"أو"خفض الإنتاج"، أو الاثنين معاً، إذ تعتبر الوحدات السكنية في معظم الدول أكبر مستهلك للطاقة الكهربائية، يليها القطاع الصناعي. وفي السعودية مثلاً، تستهلك الوحدات السكنية نحو 50 في المئة من الطاقة العامة المنتجة في البلاد. وفي مجال إدارة الطلب على الطاقة،"يمكن السلطات استخدام وسائل التوعية الموجّهة الى المواطنين لتغيير عاداتهم وترشيد استهلاك الطاقة"، على غرار ما فعلت الكويت أخيراً في حملة إعلامية لتوعية المواطنين. وهناك حلّ يقضي باعتماد وسائل التوفير الاقتصادي الموجّه، من خلال رفع معدّل الضرائب على استهلاك الطاقة أو مراجعة تعرفة خدمة الكهرباء على المواطن، وهي بحسب فياض"موضوع حسّاس، يجب أن يعاد النظر فيه تدريجاً". وعلى صعيد القوانين والتشريعات،"يجب تفعيل القوانين التنظيمية في توزيع الكهرباء وفرض شروط حازمة في قطاع البناء، كاستخدام مواد عازلة للحرارة تساعد في ترطيب المناخ داخل المنازل، أو تشجيع المواطن على استخدام وسائل تقنية حديثة، مثل مصابيح الإنارة الاقتصادية وساعات التوقيت التي تتحكم في تشغيل جهاز التكييف والإنارة تلقائياً، وبتوجيه من صاحب المنزل، حتى لو كان غائباً". وفي هذا السياق، أفادت صحيفة"وول ستريت جورنال"الأميركية في أيلول سبتمبر الماضي ان مجلس الشيوخ الأميركي يعدّ لمشروع قانون يطبق في الولايات للتخلّص من مصابيح الإضاءة التقليدية نهائياً خلال 7 سنوات، واستبدالها بمصابيح فلورية مدمّجة موفّرة للطاقة. وفي البحرين، اعتمد مشروع"التبريد المناطقي"في منطقة الشط الشمالي في"مرفق البحرين المالي"من خلال نظام تبريد يعتمد على دورة مياه مبرّدة في مجمّع سكني، يخفض الطلب الأقصى على الطاقة 400 ميغاوات بحلول عام 2020. أهم المشاريع وأشار فياض إلى أنّ عملية التحديث في البنية التحتية في منطقة الخليج مرّت بمراحل عدّة، متأثرة بتوجّه الحكومات، فانطلقت بقوة في سبعينات القرن الماضي بفضل"الفورة النفطية الأولى"، لتعود فتتباطأ في ثمانيناته، وتنتعش مجدداً في تسعيناته وحتى اليوم. وأوضح الخبير في قطاع المرافق العامة في"بوز ألن هاملتون"، عبدو الطيار، أنّ"معظم هذه المشاريع هي مشاريع مزدوجة، لإنتاج الطاقة وتحلية مياه البحر، فالأخيرة تحتاج إلى مصدر طاقة وتنتج في الوقت نفسه كمّية كبيرة من البخار، يمكن استخدامها في توليد الطاقة. وقد باتت الدول العربية من الدول المتقدّمة في تطبيق هذه التقنية عالمياً". وأضاف أنّ السعودية تنفذ خطط تطوير ضخمة، وأصدرت قوانين تتعلّق بپ"المنتجين المستقلين للمياه والكهرباء"، سمحت من خلالها للقطاع الخاص بالمساهمة في تطوير القطاع، إلى جانب القطاع الحكومي. ولفت فياض في هذا الإطار إلى أنّ التخصيص أو مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنى التحتية أدت عالمياً إلى"تعزيز الإنتاجية والفعالية والتنافسية والقدرة على تسريع العمل في تنفيذ المشاريع وإيجاد مصدر تمويل إضافي وليونة إدارية يجلبها معه القطاع الخاص". وأبرز العقود التي أبرمتها السعودية وفقاً لنظام"بناء تشغيل تحويل"، كانت محطة"شعيبة 3"في جدّة التي تنتج مليون متر مكعب من المياه المحلاة يومياً أي سدس احتياجات السعودية وألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية، ومحطة"شقيق 2"التي تنتج 212 ألف متر مكعب من المياه المحلاة و850 الى 1100 ميغاوات طاقة كهربائية وپ"رأس الزور"مليون متر مكعب من المياه المحلاة و850 ميغاوات من الطاقة الكهربائية وپ"مرافق"800 ألف متر مكعب من المياه المحلاة يومياً و2500 ميغاوات طاقة كهربائية، إضافة إلى مشروع لتلزيم محطة"يُنبع"التي ستنتج 400 ألف متر مكعب مياهاً محلاة و1400 ميغاوات كهرباء. كما تعتزم"شركة الكهرباء السعودية"الحكومية إنشاء 3 محطات جديدة لإنتاج الكهرباء، بمشاركة القطاع الخاص على أساس نظام"بناء تشغيل تحويل". أما بالنسبة الى الكويت، التي شهدت ضغطاً على شبكات التوزيع في الصيف الماضي، ما جعلها تطلق حملة إعلامية لتوعية المواطنين بترشيد الطاقة، فأشار فياض إلى أنّها تأثّرت بتداعيات حرب الخليج، حين خفضت الحكومة استثماراتها في البنى التحتية، لكنها حالياً في صدد تشييد محطتين للطاقة، تتجاوز طاقة كل منهما الألف ميغاوات. ومن ناحية مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية، يتركز الإنتاج العالمي بحسب"وكالة الطاقة الدولية"على الفحم الحجري والغاز والمشتقات النفطية، تليها الطاقة النووية والكهرومائية. وتتوافر الطاقة من المياه في الدول العربية في كل من مصر ولبنان والعراق، حيث تشكل نحو 8 في المئة من إنتاج الطاقة الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي غير موجودة في دول عربية أخرى وغير قابلة للتطوير"بسبب شح هذا المصدر الحيوي". ولفت فياض إلى أنّ السلطات السعودية اختارت أن تركّز مصادر الغاز الطبيعي في البلاد لإنتاج البتروكيماويات والصناعات ذات القيمة المضافة للاقتصاد، واعتماد مصادر النفط الوافرة لديها لإنتاج الكهرباء، في حين ان قطر التي تملك ثالث أكبر احتياط من الغاز في العالم والبحرين اختارتا الغاز. وأضاف أنّ أسعار الغاز اليوم"مستقرة أكثر"، لأنها ترتبط بعقود طويلة الأجل، في حين تشهد أسعار النفط تبدلاً على الصعيد العالمي، لكن هذا الأمر قد يتغير مستقبلاً، فيوثر في سياسة استخدام الغاز. وأوضح أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإيران تصل طاقة إنتاجها إلى 130 ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية، وأنّ"الربط الكهربائي يخفّف من الضغط على الشبكات، لكنّه لا يحل مشكلة النقص في البنى التحتية في المنطقة التي تفتقر إلى طاقة إنتاج إضافية بسبب النمو الاقتصادي والصناعي القوي الذي تسجله، ما ينعكس تطوراً في أسلوب العيش، لا سيما في السعودية والكويت والإمارات، فتلجأ إلى مصادر الطاقة المتجددة كمصدر طاقة إضافي ونظيف". مشروعان إقليميان للربط الكهربائي وعن مشاريع الربط الكهربائي، أوضحت غنوة عدرة من"بوز ألن هاملتون"أنّ"هذه المشاريع تسمح بالاستفادة من فائض الطاقة بين المناطق، أي دول الخليج من جهة وسائر الدول العربية من جهة أخرى، حيث يؤدّي عامل الفارق في الوقت دوراً رئيساً، إذ انّ الاستهلاك الأعلى للكهرباء في دول الخليج 6 دول يكون عادة بين الساعة الواحدة ظهراً والخامسة مساءً، في حين أنّه يصل في سائر الدول، مثل مصر، إلى نقطة الذروة بين الساعة السادسة والعاشرة مساء، ويمكن مصر إعطاء فائض التيار لديها لدول الخليج نهاراً وأخذ فائضها مساء". وهناك مشروعان رئيسان في المنطقة، الأول لربط شبكات دول الخليج الست ببعضها بعضاً، على ثلاث مراحل، تتمثل الأولى بربط السعودية والكويتوقطروالبحرين، وتكلفتها الإجمالية 7 بلايين دولار وتجهز للاستخدام في الفصل الأول من عام 2009، والثانية ربط عُمان بالإمارات، والمرحلة الثالثة ربط الدول الست ببعضها بعضاً. والمشروع الثاني المهم هو"حلقة البحر المتوسط"الذي انطلق في عام 2001، ويربط دول جنوب أوروبا إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان بدول الشرق الأوسط تركيا وسورية والأردن وشمال إفريقيا تونسوالجزائر ومصر، بواسطة خطوط نقل بطول 10 آلاف كيلومتر. وهناك خطة طموحة لوصل الشبكتين من خلال كابل بحري يمرّ بين مصر والسعودية. أبرز مشاريع الطاقة المتجددة إنّ استخدام مصادر الطاقة المتجددة، كطاقة الرياح والشمس المتوافرة بكثرة في دول المنطقة، رائج عالمياً في القطاعين الحكومي والخاص على حدّ سواء، نظراً إلى فوائده البيئية ومحدودية الثروات النفطية عالمياً. ووضعت شركة"غوغل"الأميركية لمحركات البحث شبكة من الصفائح الشمسية لإنارة مكاتبها في عام 2006 تنتج 1.6 ميغاوات طاقة، أي 30 في المئة من حاجتها اليومية. واللافت انه يمكن الاستعلام عن إنتاجها اليومي من هذه الشبكة الشمسية على موقعها الإلكتروني! وأهم المبادرات العربية في هذا المجال، بحسب فياض، هي للإمارات التي تسعى إلى انتاج 50 في المئة من الطاقة من الشمس والرياح بحلول عام 2050. فإمارة أبو ظبي أنشأت مؤسسة"مصدر"للطاقة البديلة ومن مخططاتها مشروع لإنتاج 100 ميغاوات تنير 100 ألف منزل من الطاقة الشمسية، مع خطة لتوسيع الطاقة إلى 500 ميغاوات لاحقاً، وتسعى دبي إلى تنفيذ مشروع مماثل بالتعاون مع شركة"كيكوم". أما البحرين، فستعتمد طاقة الرياح في تأمين 15$ من الحاجة الكهربائية لپ"برجي التجارة العالميين"من خلال 3 توربينات. وفي مصر، أسست الحكومة"هيئة تحديث استراتيجية الطاقة المتجددة لتأمين 3 $ من الطلب المحلي على الطاقة من طاقة الشمس والرياح بحلول عام 2010. وفي الجزائر، أسست الحكومة مصنع"نيو إنرجي ألجيريا"الذي يستخدم الطاقة الشمسية والغاز معاً وينتج 150 ميغاوات ويمول ويدار من القطاع الخاص. وتنوي إنتاج 1200 ميغاوات طاقة بديلة بحلول عام 2010.