بين مد وجزر يدور فيليب روث دورة كاملة ويتخلص من أناه الأخرى ناثان زوكرمان الذي ظهر أولاً في "الكاتب الشبح" في 1979 وروى تسع روايات للكاتب الأميركي. "يخرج الشبح" الصادرة من بريطانيا عن دار جوناثان كيب تدين بعنوانها لشبح الملك القتيل الذي يظهر لابنه هاملت ثم يختفي في مسرحية شكسبير. روى زوكرمان في"الكاتب الشبح"لقاءه بكاتبه المفضل إل لونوف وطالبته السابقة آمي بيليت التي شكك في علاقتها بالكاتب. في"يخرج الشبح"يعود زوكرمان من مسكنه الجبلي الى نيويورك عشية الانتخابات الرئاسية في 2004 ليجري عملية لمثانته الضعيفة. يشاهد آمي التي عاشت مع لونوف أربعة أعوام قبل موته، ويصعقه تغيرها بعد عقدين من لقائهما. شوّه العمر والمرض المرأة البالغة الجمال، وهي تموت اليوم من سرطان الدماغ. زوكرمان أيضاً ضرب بسرطان البروستاتة والعجز، لكنه يجد في الرغبة اسماً آخر للحياة. تنعشه حيوية المدينة فيتبادل شقته مع ثنائي شاب وتشوه الزوجة الثلاثينية الكبيرة الصدر. يكتب حوارات وهمية معها ويتساءل عما إذا كانت تحب الغواية مساوياً نفسه بشابين."لديك زوج وعشيق وتريدينني صديقاً. هل تجمعين الرجال أو يجمعونك؟". تكثر الأحداث في الرواية التي ينشط فيها صديق الزوجة السابق في تحري حياة لونوف وفضح ما يظنه حب محارم تورط فيه. يتواجه الموقفان التقليديان للكاتب المتمسك بخصوصيته والانتهازي الباحث عن الشهرة باصطياد المشاهير. يغار زوكرمان من شباب كيلمان ويحاول حماية لونوف من شره في الوقت الذي تشحذ الزوجة الشابة"شبح"رغبته. باتت بشاعات الشيخوخة واقتراب الموت حقائق الأيام الدائمة التي تطرق اليها في"أبوة"وپ"كل امرئ"وپ"الحيوان المحتضر". بات الموت مداً والجنس جزراً لدى كاتب يعتبر الإنسان جسداً أولاً. يقول ديفيد كيبيش في"الحيوان المحتضر":"تدرك ان كل أجزاء الجسد الخفية حتى الآن الكليتين، الرئتين، الأوردة، الشرايين، الدماغ، الأمعاء، البروستات، القلب ستبدأ بالظهور في شكل محزن في وقت يحكم على العضو الأكثر بروزاً طوال حياتك بالذبول". ابتكر روث زوكرمان بديلاً روائياً يصد عنه الهجوم الذي تعرض له بعد نشر"شكوى بورتنوي"الذي قارب فيه الجنس الخلاعة في 1969. جعله مثله كاتباً أميركياً يهودياً شبقاً اشتهر بسرعة بعدما كتب رواية فضائحية. قتله بنوبة قلبية في"الحياة المضادة"في 1987 ثم استعاده في"رعوية أميركية"وپ"اللطخة البشرية". وسّع مثلث الجنس واليهودية والأميركية أدبه الذي يستند أساساً الى حياته، ورد في كتبه الأولى على هجوم اليهود على"شكوى بورتنوي"فاعتبره هؤلاء كارهاً لنفسه ولا سامياً. ولئن ركز على فرديته اليهودية من دون جماعة ما لبث أن هادن ورماها بنظرة عطف في"المؤامرة ضد أميركا"في 2004 التي يتخيل فيها وصول الطيار تشارلز لندبرغ المعجب بهتلر الى الرئاسة. استكشف روث، مثل زميله اليهودي سول بيلو، الهوية الأميركية فتناول في"رعوية أميركية"بحث أب عن ابنته الراديكالية في الحقبة التالية للستينات من القرن الماضي الثائرة وشرّح ثنائية المثالية والمادية في مجتمعه. استرجع الحقبة المكارثية المخزية في"تزوجت شيوعية"ورسم المد القومي الضيق الذي لخصه السناتور جوزف مكارثي مضطهد اليساريين في هوليوود في الخمسينات. في"اللطخة البشرية"عالج التمييز العنصري الذي يتعرض له أستاذ جامعي أبيض يخفي أصله الأسود. في السبعينات هاجم نكسون في"عصابتنا"وصور الهوس بالبيسبول في"الرواية الأميركية الكبيرة". يمزج الفن والحياة ويلعب بالأقنعة من دون أن يخاف خسارة صدقيته الأدبية أو الشخصية. ذكر في"عملية شايلوك"في 1993 أنه كان جاسوساً لإسرائيل في اليونان، واختتم كتابه بالقول إن"الاعتراف كاذب". قال بعدها ان الموساد أجبرته على القول انه عمل جاسوساً لها، وفي 1989 زعم إسرائيلي أنه روث ودعا الى حل الدولة اليهودية. يتبادل العداء مع النساء، سواء كن نسويات أو لا، ويبرر رسمه السلبي غالباً لهن بالقول إنه يكتب عن حياة الرجال. وحدها والدته تستحق الحب، أو ما يشبهه، لكن ربما كان لا يقصده عندما يتحدث عن رفعها مستوى التدبير المنزلي في أميركا الى مستوى الفن. المرأتان اللتان تزوجهما وطلقهما تركتا عداء لا عودة عنه. انفصل عن زوجته الأولى مارغريت مارتنسون في 1963 واستمد منها مادة لروايات عدة. ظهرت بشخصية ماري جين ريد"القردة"في"شكوى بورتنوي"ومورين تارنوبول التي تخدع رجلاً ليتزوجها في"حياتي كرجل". ذكر روث ان مارتنسون اشترت بول امرأة مشردة حامل وادعت انه بولها لكي تقنعه بحملها فتزوجها. لم ينجب من مارتنسون أو الممثلة البريطانية كلير بلوم التي طلقها بعد خمسة أعوام. كتبت"مغادرة بيت اللعبة"عن زواج صعب من"وحش"يكره النساء ويحب السيطرة ويجبر ابنتها البالغة ثمانية عشر عاماً على ترك البيت لأنها تضجره بحديثها. رد بتصويرها في"تزوجت شيوعية"ممثلة تهوى التسلق الاجتماعي وتدمر حياة زوجها بكتاب صريح عن حياتها. "يخرج الشبح"دون مستوى أعمال الكاتب البالغ 74 عاماً الذي رشح مراراً لنوبل الآداب، وسبقته اليها الأسبوع الماضي الكاتبة البريطانية دوريس ليسينغ التي تكبره بثلاثة عشر عاماً. فصح جديد تكره جانيت ونترسون الخيال العلمي لكنها كتبت رواية جيدة من هذا الصنف ربما بداعي توسيع الخبرة والإفادة من الموضة الرائجة التي طاولت زملاء جديين."الآلهة الحجر"الصادرة عن"هاميش هاملتون"رواية مرحة حيوية تشد القارئ وإن شكت من العاطفة وبعض التفكك. بطلاها شاب وشابة يدعى كلاهما بيلي. يبحر الأول في 1774 مع الكابتن كوك، المستكشف الانكليزي، الى جزر الفصح، غربي تشيلي، التي قطع أهلها الشجر ونحتوا آلهة من الحجر وجاعوا في انتظار الموت. بيلي أخرى تعيش في الزمن الحالي وترسل الى الفضاء لاستكشاف كوكب بديل من الأرض. تغويها أثناء الرحلة امرأة آلية تدعى سبايك تجد الحب معها، لكن نهاية السفر تتواكب مع نهاية الحلم. الأرض الموعودة ليست يوتوبيا التي يبحث عنها البشر بل كوكب آخر بات غير صالح للعيش مثل كوكبها. يهجس الكثير من الأدباء بنهاية العالم ويكتب بعضهم عنها مسايرة لهواجس العصر ولتجربة تعبير جديد. سمت ونترسون بطلتها بيلي كروزو تيمناً ببطل دانييل ديفو روبنسون كروزو الذي عاش وحده على جزيرة مهجورة يصارع الطبيعة الى ان التقى"مان فرايداي"أحد السكان الأصليين. هي متبناة ومثلية كالكاتبة التي تصور وجع الانفصال عن الأم، والخيبة من هدر الحياة ماضياً وحاضراً باسم الدين والتقدم. هدم سكان جزر الفصح حياتهم لكي يصنعوا رؤوس الآلهة الكبيرة التي تشتهر بها أرضهم. وانهارت حضارة الزمن الحاضر لتمسك أهله المفرط بالتكنولوجيا القاتلة. نشأت ونترسون مع والدين متطرفين دينياً تبنياها وعلّماها التبشير. بشّرت حتى السادسة عشرة عندما أحبت تلميذة في المدرسة وتركت المنزل. تحدثت عن طلاقها الأهل في"البرتقال ليس الفاكهة الوحيدة"، وذكرت أن والدتها رفضت مساعدة الجيران عندما احترق منزلهم. انتماؤهم الى كنيسة أخرى جعلهم خطاة وعاقبهم الله بالنار. مع ذلك كانت الأم طيبة مع أفراد كنيستها البنتاكوستالية الذين كانوا وحدهم أبراراً لديها."الآلهة الحجر"طريقة ونترسون في قرع الجرس تحذيراً من الخطر الآتي. صادقت في اكسفورد فيكي التي قال المعلم انها كانت تجربة الجامعة السوداء في مقابل تجربة الطبقة العاملة التي جسدتها ونترسون. لا تزالان صديقتين، وغضبها من إساءتنا الى الأرض ينبع جزئياً من اهتمام ابنتي فيكي بالبيئة. عن صديق سابق صادق توني بلير الكاتب روبرت هاريس بعض الوقت، ويقطع الثاني ثلاثيته عن الرومان ليكتب"الشبح"عن رئيس وزراء سابق يملك نظرة ذاهلة ويفتقر الى عقيدة سياسية. الراوي يعيد كتابة مذكرات رئيس وزراء سابق ويبدأ الرواية الصادرة عن دار هتشنسون بعبارة عن سلفه:"كان عليّ أن أغادر في اللحظة التي سمعت فيها كيف توفي ماكارا". تنتمي"الشبح"الى صنف التشويق السياسي على أن هاريس لا يتجنب الأحداث الحاضرة كزملائه الذين يكتفون بالاستعارة الضئيلة أو يهربون الى الماضي. تكثر الإشارات الى توني بلير وزوجته ومساعديه وحروبه. يفرح البطل آدم لانغ بطائرة"غلفستريم فور"التي تحوي سرائر وحماماً ويطيع زوجته الأذكى منه والأكثر تمسكاً بمنافع السلطة. رئيس الوزراء يرتبط بعلاقة مع مساعدة شخصية تشبه موظفة استخدمها بلير حقاً، والكاتب الشبح يقيم علاقة مع زوجته، علماً أن هاريس لم يستلطف شيري بلير. يقيل رئيس الوزراء وزير خارجيته فينتقم منه بتحريض منظمة الأممالمتحدة على محاكمته كمجرم حرب. يكتشف الكاتب الشبح مؤامرة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي نجحت في إيصال عميلها لانغ الى رئاسة الوزارة في بريطانيا ورده الجميل باتخاذ القرارات التي تخدم أميركا لا بلاده. هاريس متابع للأحداث السياسية وقريب من مسؤولين بينهم بيتر ماندلسون الذي أوصل بلير الى رئاسة حزب العمال والحكومة، واضطر هذا الى إقالته مرتين منها. مناهض للحرب ولهجوم إسرائيل على لبنان في 2006 الذي كان"القشة الأخيرة"في نفوره من حكومة دعمها أساساً. دعا بلير صراحة مجرم حرب لكنه تجنب التطرق علناً الى مفارقة تعيينه مبعوثاً للسلام في الشرق الأوسط.