فيما تزايدت الضغوط الأميركية على أنقرة لحضها على التراجع عن تنفيذ أي عملية عسكرية في شمال العراق، أكد وزير الخارجية التركي علي باباجان خلال زيارته القاهرة أمس، أن الفرصة ما زالت سانحة للوصول الى حل توافقي لمشكلة متمردي"حزب العمال الكردستاني"، وأن هذه المسألة ستُناقش خلال اجتماع دول جوار العراق المقرر عقده في اسطنبول مطلع الشهر المقبل بمشاركة مجموعة الثماني والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وقال باباجان للصحافيين بعد لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك إن"الاجتماع الوزاري لدول جوار العراق الذي سيعقد في اسطنبول في الثاني من تشرين الثاني نوفمبر المقبل بمشاركة وزراء خارجية دول مجموعة الثماني والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن سيعطي فرصة لمناقشة كل المشاكل في العراق ومشكلتنا مع الارهاب وعناصره". ولكنه حذر في الوقت ذاته من أنه لا ينبغي على"أي طرف اعتبار أن تركيا ليست عازمة على مكافحة الارهاب"، لافتاً الى"أن لديها عزماً وتصميماً على مواصلة مكافحة الارهاب، وليس هناك تردد في ذلك". وكان هذا الوزير التركي يرد في شكل غير مباشر على تصريحات الناطق باسم وزارة الدفاع الاميركية البنتاغون جيف موريل الذي قال أول من أمس إن تركيا"ليست مستعجلة"لشن عملية عسكرية ضد المتمردين الأكراد المتحصنين في شمال العراق، محذراً من"عواقب كبيرة لا تقتصر علينا، ولكن تشمل الأتراك أيضاً". وشدد وزير الخارجية التركي على أن"موقف بلاده واضح منذ البداية، وهو ضرورة الحفاظ على وحدة الاراضي العراقية. ونحن ملتزمون هذا الموقف". وبحث في لقائه مع الرئيس مبارك في تطورات منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك العراق. وحضر هذا الاجتماع من الجانب المصري وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ومن الجانب التركي نائب وكيل الخارجية التركية للشؤون الثنائية السفير فريدون شينر لوغ أوغلو ومدير مكتب العراق في الخارجية التركية السفير أوغوز تشيليكول وكبير مستشاري رئيس الوزراء التركي السفير أحمد داود أوغلو وسفير تركيا في القاهرة السفير شفق جوكترك. كما التقى الوزير التركي الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لإطلاعه على موقف بلاده من الأزمة الحالية على الحدود التركية - العراقية، وتحركه إزاء لبنان الذي غادر القاهرة متوجهاً إليه للقاء رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري فضلاً عن تفقد الوحدة التركية العاملة ضمن قوات"يونيفيل"التابعة للأمم المتحدة. وكانت الحكومة التركية قطعت أول من أمس خطوة جديدة في تهديدها بالتوغل العسكري في شمال العراق بعد حصولها على موافقة البرلمان على مهاجمة المتمردين الأكراد في كردستان العراق. وتتهم تركيا الأكراد العراقيين بتأمين أسلحة ومتفجرات ل"حزب العمال الكردستاني"، وتأخذ على بغداد وواشنطن عدم بذل جهود كافية في مواجهة هذه المنظمة التي تعتبرها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي"منظمة إرهابية". وكان الرئيس الأميركي جورج بوش حض أول من أمس تركيا على عدم شن عمليات توغل عسكري في كردستان العراق، واعتبر أن ليس من مصلحة أنقرة إرسال جنودها إلى العراق. وفي بغداد، أكد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في مقابلة مع وكالة"رويترز"أن العراق يريد أن يغادر الانفصاليون الاكراد أراضيه في أسرع ما يمكن. وأضاف أن الحكومة العراقية غير مرتاحة إلى تصويت البرلمان التركي لمصلحة شن الجيش التركي عملية في شمال العراق لتعقب مقاتلي"حزب العمال الكردستاني". وتوقع أن لا تشن تركيا عملية عسكرية كبرى قريباً، و"إذا حدث هجوم، فربما يكون مجرد ضربات جوية على مواقع حزب العمال الكردستاني"في شمال العراق. وعقدت اللجنة العراقية - التركية - الاميركية اجتماعها الأول بعد تفاقم الأزمة مع الجانب التركي الذي يستعد لعملية عسكرية واسعة النطاق شمال العراق. وقال محمد سليمان مستشار رئيس الوزراء ل"الحياة"إن"تظافر جهود عدد كبير من المسؤولين العراقيين والأميركيين أسهم في إقناع الأتراك بتفعيل عمل اللجنة الثلاثية التي لم تعقد اجتماعات سابقة بعد اعتراض الاتراك على وجود أكراد في الوفد العراقي". وتابع أن الوفد العراقي في الاجتماع ضم وزير الأمن الوطني شيروان الوائلي وممثلين عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، فيما ترأس السفيران الأميركي ريان كروكر والتركي باكو ديريا وفدي بلادهما في الاجتماع الذي استمر ساعات. وكشف أحد ممثلي وزارة الخارجية في الوفد العراقي ل"الحياة"أن"توتراً ساد الاجتماع، فيما أعرب الجانب التركي عن استيائه الشديد من موقف الحكومة العراقية إزاء حزب العمال"، مطالباً الجانب العراقي بالبدء فوراً بتطبيق الاتفاقات بين البلدين في إجراء من شأنه أن يبعد خيار التدخل العسكري. ولفت الى أن الجانب العراقي وعد باتخاذ موقف إيجابي بعد إرسال وفد سياسي أمني رفيع المستوى إلى انقرة للبحث في المسائل العالقة بين الجانبين. وأكد أن السفير الاميركي ألمح الى اقتراح يقضي بتنفيذ عملية عسكرية مشتركة بين العراقيين والاتراك لملاحقة الحزب، على أن يعمل كل جانب ضمن حدود بلاده. جاء ذلك في حين دعت حكومة إقليم كردستان العراقأنقرة الى إجراء حوار مباشر غداة موافقة البرلمان التركي على القيام بتوغل عسكري في شمال العراق، وناشدتها الامتناع عن أي عمل عسكري. وأفادت الحكومة في بيان نُشر على موقعها على الانترنت أن"حكومة إقليم كردستان ترحب بحوار مباشر مع انقرة في كل القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، ومن ضمنها قضية حزب العمال الكردستاني". وأضاف أن"حكومة الاقليم تعتبر أن علاقات طيبة مع تركيا هي إحدى أولوياتها ...، وأن الشعب التركي صديقنا وجارنا الذي نشاركه في كثير من القضايا"، لافتاً الى أن"التجارة مع أنقرة والاستثمار التركي أمر اساسي في نمو اقتصاد اقليمنا". وتابع البيان أن"أي مشكلة أو اختلاف بين حكومة الاقليم وتركيا يجب أن يُحلا من خلال القنوات الديبلوماسية والحوار"، وناشد"أصدقاءنا وجيراننا الاتراك الامنتاع عن أي عمل عسكري في العراق". وشدد على أن"الاقليم لا يريد أي مواجهة مع تركيا ... ولن نسمح بأن تستخدم مناطقنا قاعدة لشن هجمات ضد جيراننا"، لافتاً إلى أن"حكومة الاقليم لا تتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا، ونتوقع منها ذلك في المقابل". وقال القيادي في كتلة"التحالف الكردستاني"محمود عثمان ل"الحياة"إن دعوة حكومة الاقليم"جاءت عقب فشل جميع المساعي لاحتواء الازمة كونها أهملت حكومة الاقليم في شكل غير مبرر، على رغم أنها صاحبة الشأن في القضية". وأكد مسؤول مكتب العلاقات العربية - الكردية وعضو كتلة"التحالف الكردستاني"عبدالخالق زنكنة ل"الحياة"أن"موقف الحكومة الكردية ثابت إزاء رفضها تهديد دول الجوار عبر الأراضي العراقية، مشدداً على ضرورة التزام تركيا وحدة الاراضي العراقية وسلامتها". وأضاف أن"على الحكومة التركية وقف تهديداتها واللجوء الى الحل السلمي بما يتعلق بحزب العمال الكردستاني". كما ان القوات الأميركية"مسؤولة عن أمن الاراضي العراقية وسلامتها وعليها التحضير لاحتمالات دخول القوات التركية كردستان العراق". وحض الأحزاب والقوى السياسية والعشائر العربية الى"اتخاذ مواقف حازمة ازاء التهديدات الجدية باعتبارها مواقف وطنية كون كردستان جزء لا يتجزأ من البلاد". ولفت زنكنة إلى أن"الحكومة التركية تبحث عن ذرائع لاجتياح كردستان بدليل رفضها المادة 140 الخاصة بتطبيع أوضاع كركوك واتهام الاكراد بإيواء منظمة حزب العمال".