ثمة "سيرك" إعلامي يرافق التحقيق في وفاة الأميرة ديانا وصديقها دودي الفايد في باريس قبل عشر سنوات، ومع اقتناعي بأن التحقيق سيصل إلى الحقيقة، وهي معروفة, إلا انني أرجح ان يكون الثمن سمعة ناس كثيرين، خصوصاً من الأسرة المالكة، مع الأميرة الراحلة. محمد الفايد، والد دودي، وصاحب متجر هارودز المشهور، ليست عنده سمعة يخسرها، ويتصرف كما يعرف عنه العالم كله، فهو يجمع بين الهوس والوسوسة، ويرى مؤامرة في كل شيء، خصوصاً في الحادث الذي أودى بحياة الأميرة وابنه في نفق ألما في باريس بعد ان اصطدمت السيارة المسرعة بالعمود 13 في الساعة الأولى من صباح 31/8/1997، أي قبل عشر سنوات. منذ الحادث وأنا أتأرجح في شعوري إزاء محمد الفايد بين الإشفاق والغضب، هو فقد ابنه ولا خسارة أكبر من هذه لأب، وكنت سأعتبره مجرداً من إحساس الأبوة، لو لم يجن في البداية حزناً، ويلقي التهم يميناً ويساراً في كل اتجاه. غير ان عشر سنوات مضت ولا يزال محمد الفايد يروّج لفكرة مؤامرة مستحيلة، فهو يقول إن الاستخبارات البريطانية قتلت الأميرة بأمر من الأمير فيليب، زوج ملكة بريطانيا، لأن الأميرة حامل، وتريد ان تتزوج عشيقها المسلم ما يعني أن يكون لوريث عرش بريطانيا أخوة مسلمون، أو أخوات، غير أشقاء. هذا قطعاً مستحيل، والفايد مسكين، فهو من عمر ان يذكر الوجود البريطاني في مصر، وهو لا يزال يعيش في أجواء امبراطورية اندثرت، ويعتقد بأن زوج الملكة يأمر الاستخبارات بالقتل أو الخطف، مع انني لا أراه يملك ان يفتح باباً أو يغلقه في مبنى الاستخبارات المعروف على ضفة نهر التيمز. الأمير فيليب لا يستطيع شيئاً لو أراد، ولا أراه يريد قتل مطلقة ابنه، ثم ان الأميرة ديانا لم تكن حاملاً، فقد ثبت انها كانت تتناول حبوب منع الحمل، والصورة المشهورة لها على البحر وبطنها منتفخ قليلاً سببها، كما قال المحقق، اقترابها من منتصف العمر، ثم ان الصورة أُخذت في 14/7/1997، أي قبل ان تصبح ودودي الفايد صديقين. الفايد الأب مزعج ومسكين، فهو اعتقد بأن زواج ابنه من أميرة ويلز سيفتح له أبواب المجتمع البريطاني التي أغلقت في وجهه، وسيكون بمثابة انتقام لرفض بريطانيا منحه جنسيتها على رغم إقامته فيها سنوات كثيرة، ودفعه ضرائب بالملايين. غير انه مرة أخرى يبالغ في أهمية الارستقراطية البريطانية، فأكثرها ذهب مع الإمبراطورية ولا يقدر انه أنجز ما يجعله لا يحتاج إلى شهادة قبول أو اعتراف من أحد. التحقيق سيقرر ان الأميرة ودودي ماتا في حادث سير، إلا انه سيستمر ستة أشهر، ويكلف ملايين الجنيهات مع مشاركة 20 محامياً فيه، وسيستمع 11 محلفاً إلى عشرات الشهود، بينهم 68 شاهداً سيقدمهم محامي الفايد وحده، وكل يوم شيء للميديا، مثل الخاتم الذي كان سيقدمه دودي لديانا، وهل هو للخطبة بينهما. أرى ان الأكيد الوحيد بعد إثبات ما هو معروف هو ان سمعة الأميرة ستدمر، فهي كانت قليلة التعليم إلى درجة الجهل، مسرفة في نزواتها، وموسوسة تعتقد بأن هناك من يدبر مؤامرة لقتلها في حادث سيارة، من طريق تخريب الفرامل، كما نرى في أفلام هوليوود، وكل ذلك حتى يتزوج الأمير تشارلز تيغي ليغ - يورك، مربية ولديه، فرأيها ان علاقته مع كاميلا باركر - بولز كانت لمجرد التعمية. وبما ان غراميات الأمير تشارلز ستنشر على السطوح، فإن ابنيه وليام وهاري سيدفعان ثمن نشر الغسيل الوسخ للوالدين. وهناك خطر أن يطاردهما المصورون، كما فعلوا مع الأم، وهذا ما تعرض له الأمير وليام مع صديقته كيت مدلتون، والتحقيق جارٍ في موت أمه. ان كان من مسؤولية عن الحادث، فالقسط الأكبر منها يتحمله محمد الفايد نفسه، فالسائق هنري بول كان مخموراً، وهو موظف عنده في فندق الريتز، وقد ترك العمل تلك الليلة الساعة السابعة مساء وتناول العشاء، ومعه الخمر ككل الفرنسيين، ومع ذلك دعي لقيادة السيارة بعد ذلك من دون سؤاله هل تعاطى الخمر. التحقيق الأولي أثبت ان نسبة الكحول في دمه تزيد ثلاث مرات على الحد المسموح به في فرنسا، غير ان محمد الفايد لا يستحق اسمه إذا لم يرَ مؤامرة، فهو زعم ان فحص الدم مزور، وان هنري بول عميل للاستخبارات، ويبقى ان نصدقه انه انتحاري على طريقة القاعدة ليقتل الأميرة وصديقها ونفسه معهما تنفيذاً لأوامر الاستخبارات. محمد الفايد لا يكذب عندما يتحدث عن مؤامرة، أو مؤامرات، فهذه قناعته على رغم الشطط فيها، وكل من يعرفه منذ عمله في الخليج، الذي كاد يزعم يوماً انه بناه بيديه، خبر شيئاً من هوسه الذي وصل حد الهلوسة بعد وفاة ابنه وقتل أحلامه له ومعه في نفق باريسي.