يمزج الباحث الايراني ناصر بوربيرام في كتاباته التاريخية الاجتماعية بين التاريخ والجغرافيا، ففي كتابه الأول يتحدث عن الجبال الوعرة والصحارى، ويعتبرها جغرافيا بلا تاريخ ص:18 ثم يتحدث عن مناطق الجغرافيا المتوازنة القابلة للتنمية ص:19 وعن مناطق الصراع - الهلال الخصيب - القائمة على الجغرافيا غير المتوازنة ص:22 ثم يتحدث عن جغرافيا الواحات باعتبارها جغرافيا الركود ص: 27. ويتناول في المقدمة ص: 33 أرض الحضارات التي ظهرت قبل 6000 سنة، ويفترض أن طول تلك الأرض 5000 كيلومتر، وعرضها 2000 كيلومتر، ومركزها بلاد ما بين النهرين قرب بغداد، ويقول: إن هذه الأرض المكونة من : 10000000 كيلومتر مربع هي مهد الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام، وهذه الأرض هي مهْدُ النِّحَل ففيها أقدَمُ تماثيل الآلهة، وفي هذه الأرض توجد أقدَم المعابد، وأقدَم قوانين العالم، وأقدَم الأبجديات، وفي بلاد ما بين النهرين تَمَّ إنشاءُ أقدَم أنظمة الري، وأقدَم أساليب الانتاج الزراعي والصناعي، وأقدَم الْمُدُن، وأقدَم الحروب، وأقدَم السُّفُن"سفينة نوح"فهذه الأرض هي أرض الأوائل دينياَّ وثقافياًّ وفنياَّ. ويستقرئ الباحث الايرانيّ النصوصَ والوقائع، فيستنتجُ أنّ المنطقة بقيتْ منطقة سلام وتطوُّر حضاري حتى وَفَدَ إليها الاخمينيون، فبدأَت فترة 12 قرناً من الجمود الحضاري والصمت المريب، ولكنَّ مجيء الإسلام كَسَرَ الحاجز، وأعاد إلى المنطقة حيويتها من جديد، وأنتج حضارة أدَّتْ إلى تقدُّم البشرية من جديد. ويبحثُ الكاتبُ في هوية الفُرس والاخمينيين ص: 87 فيؤكِّدُ أنّ الاخمينيين دلَّسُوا وحرَّفوا كثيراً في سبيل إثبات أنّ أصولَهم تعودُ إلى هذه المنطقة، كرروا أكاذيبهم حتى صدَّقوا أنفسَهم، ويؤكِّدُ أنَّهم غرباء جاؤوا إلى المنطقة كقوات احتلال غازية، وينكِرُ وجود الآريين في هذه المنطقة، ويدَعِّم إنكارَهُ بالأدلّة القطعية. فهو يُبيِّنُ أنّ كلمة"آري"الواردة في النص المسماري العائد إلى"داريوس"ليست إسماً، وإنما هي مركب لوصف حالة مُعيَّنة، كما يرفضُ تسمية"الهندو - أوروبي"و"الهندو - ايراني"والهندو - جرماني"، ويُثبِتُ عدَمَ وجود أيّ سندٍ تاريخيٍّ لهذه التسميات التي أفرزتها النيات الاستعمارية في العصر الحديث، ويؤكِّدُ إنّ التشابه اللفظي في بعض المفردات المشتركة لا يشكِّلُ إثباتاً تاريخياًّ. ويستعرض الباحثُ النظرية الآرية المزيّفة فيقول: إنَّ النظرية الآرية توحي أنه في زمنٍ ما، وفي منطقةٍ ما"في الشمال كانت تعيش الشعوب الآرية، ثم هاجرت وتفرعت إلى ثلاثة فروع فاتَّجهت تلك الفروع إلى أوروبا والهند وإيران. ولكنَّ النظرية لا توضِحُ أيَّةَ معلوماتٍ عن نشوئها في الشمال عِلْماً أنّ منطقة الشمال كانت مغمورةً بالثلوج. ويتساءل: كيف كانوا يعيشون؟ ولماذا ومتى هاجروا؟ وهل جاؤوا إلى أراض خالية من السكان؟ كلّ هذا الأسئلة لا تجيب عليها النظرية الآرية. فيخلص الكاتبُ إلى القول بنسف النظرية الآرية من أساسها. ويقول: حتّى لو قَبِلْنَا بقُدُوم الآريين، فلنْ نقبلَ الادعاء أنهم كانوا متحضرين أكثر من سكان المنطقة. لأن هؤلاء كانوا بطبيعة الحال متحضرين أكثر من أبناء المناطق الشمالية. ثم يردُّ على أنصار النظرية الآرية من الايرانيين الذين يدَّعون وجودَ شعبٍ واحدٍ في وطن واحدٍ، ويفنِّد نظريتهم. ويناقش موضوع"اهورامزدا"آلهة داريوس أو داريوش، ويُبيِّن أن الاسم المنقول من نصِّ داريوش اسمٌ مُختَلَقٌ وهو من تحريفات الفُرس في الهند الزرادشتية على أساسِ الأصواتِ الموجودة في اللغة السنسكريتية، فلو قرأنا نصوصَ داريوش لوجدنا حروفه تُقرأ:"ِ كسرة د ز م ر ُ ضمة ا"وهذا اللفظ لا علاقة له بالآلهة"اهورامزدا"وسبب خطأ المستشرقين أنهم يقرأون الضمة واواً"U". ويقدِّمُ الباحث إثباتات لُغوية كثيرة تثبت التزوير في ما صدر من قراءات مغلوطة للنصوص المسمارية، ويقول: القراءة الصحيحة هي"أور، يعني مدينة. ومُزد، وتعني: مانح واهب"يعني يسلم المدينة هدية للغزاة المحتلين، ويورد الكاتبُ الكثير من أسماء المدن الوارد ذكرها باسم أور في النصوص البابلية. ويقول ناصر بوربيرام: ومدينة"أور"ما بين النهرين في رواية التوراة هي مكان ميلاد النبي إبراهيم عليه السلام. ومعنى"مُزد"بالفارسية الحديثة: معاش مرتب. وهذا يعني أن آلهة داريوس تسلم المدن والأراضي كهدايا للمحتلين، وداريوش أخذ البلاد بأمرٍ إلهيّ بحسْب ادِّعائِهم، وانّ الملوك الاخمينيين يستخدمون تلك الآلهة عندما يتعلّق الأمرُ باحتلال الأراضي. ويؤكّد عدَمَ وجود وثيقةٍ ايرانيةٍ تثبتُ وطنية السلالة الاخمينية، ويشير إلى وجود أيدٍ خفية ترغب بتثبيت هذه السلالة في المنطقة بما تفتعله من دعايات لا ترتكز على أية هوية موثقة، فالاخمينية لا تستطيع إثبات نسبها ووطنيتها في المنطقة كبقية الأقوام الأُخرى. ويستنتج الباحثُ أن تاريخ الاخمينيين ما هو إلا صفحة جديدة من تاريخ اليهود، ويقول: فإذا اعتبرنا الاخمينيين سِبطاً من أسباط اليهود فلن نكون ابتعدنا عن الحقيقة ص: 176، ويدعمُ براهينه بما هو متوفر من الوثائق اليهودية والفارسية. ويستخلص نتيجةً مفادها ان المؤرخين اليهود يقولون: إن كورش كان من"الفتوة"حَرَّر اليهود من السبي. ثم يُفنِّدُ هذا الزعم، فيقول: ولكنني أرفضُ ذلك، وأرى أن اليهود وجدوا في كورش زعيما لقبيلةٍ مجهولة غريبة عن المنطقة ولكنَّها دمويَّةٌ فدعموها بالمال والتخطيط، وأوصلوا كورش إلى مكانة الإمبراطور كي يحرِّرَهم وأموالَهُم من سُلْطَةِ حكّام بابل، ويقضي على حضارة ما بين النهرين التي كانت تزعج نشاطاتهم، وبما أن كورش لاينتسب إلى أبناء المنطقة فقد حوّل أحلامَ اليهود بتدمير بلاد الرافدين إلى واقع، وقد حقّق لهم ذلك، وهذه فرضية مطروحة للنقاش التاريخي. ويفنِّدُ الباحثُ دعايات الزرادشتية ومؤلفاتها وشروح تلك المؤلفات، ومراسم العبادات فيها، ويقول: هذه كُلُّها أساطيرُ كِتابِ شاهنامة الفردوسي التي كتبها شعوبيون في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، كتبوها إظهاراً لمدنية فارسية مزيفة في وجه مدنية إسلامية انطلقت من شبه جزيرة العرب فأنارت الكون وقضت على إمبراطوريتي الفرس والروم، ويبين أنّ في ايران عدداً من النقوش علي الصخور من عهد الاخمينيين والساسانيين، وهي لا تتحدّث عن أي ثقافة أو حضارة أو فكر أو دين، ولا يوجد في هذه النقوش أيّ كلام عن زرادشت وكتابه افيستا، وعلى الذين يدّعون وجود زرادشت وكتابي"افيستا و زند"انْ يقدّموا وثائق تاريخية تثبت هذا الامر، إن أهم النقوش الصخرية هي نقوش"بيستون"في مدينة كرمنشاه، وهي تشبه بياناً عسكرياً صادراً عن شخص انقلابي اسمه"داريوس"حيث يتحدّث عن أعماله هنا وهناك، ولا يذكر ديناً ولا ثقافة، كتابته تدلّ على أنه مجرد عسكري يحمل فأسه للتطبير، وما ردده الفردوسي لا يتعدّى الأساطير. ويؤكّد أنّ الغاية من تزييف التاريخ هي دغدغة المشاعر القومية بواسطة الأساطير لتأجيج الصراع بين شعوب المنطقة من أجل القضاء على العرب والمسلمين على أمل عودة سيطرة الغرباء على المنطقة، وتكرار أسطورة الاخمينيين. أفكار ناصر بور بيران جديرة بالمناقشة. ولا تتوقف بحوثه فهو يبني جسراً إلى الماضي في"كتاب دوم برآمدن اسلام، تأملي در بنيان تاريخ ايران بلى بركذشته"ففي هذا الكتاب يوضح أطلس تاريخ الإسلام في ايران أثناء عهد الرسالة ص: 27 - 83، ثم في عهود الخلفاء الراشدين الأربعة، وعهد الخلافة الإسلامية الأموية ص: 157 وفي عهود الخلفاء العباسيين ص: 199 ، ويتعرض لمكر أبي مسلم الخراساني ص: 137 ثم يصل إلى نتيجة تثبت أنّ الإسلام أعاد الحياة إلى المنطقة، وحرر أهلها.