غبار المعارك العنيفة في النجف جنوب صاحبته عواصف رملية حجبت الرؤية على بعد أمتار قليلة، وزادت الغموض حول عملية ظهور "مهدي مزعوم"، قاد المئات من أنصاره الى حتفهم وقتل معهم وكان يخطط لاغتيال المراجع الشيعية، على ما ورد في الرواية الرسمية. وتضاربت أمس الروايات حول شخصية"المهدي"الذي قتل مع 200 من أنصاره، لكن تأكد أنه ليس آيه الله أحمد الحسني الصرخي، بل هو أحمد الحسن الملقب ب"اليماني". وتداول المسؤولون المحليون في النجف أسماء مختلفة للشخصية التي قيل انها ادعت انها"المهدي المنتظر"او"وكيل المهدي". وقال عبد الحسين عبطان، نائب محافظ النجف، ان اسمه"ضياء كاظم عبد الزهرة"من أهالي الديوانية. لكن المحافظ اسعد ابو كلل أكد أنه"أبو قمر اليماني". أرقام ضحايا العمليات التي استمرت طوال نهار وليل أول من امس وانتهت ظهر امس، تضاربت ايضاً، ففيما قال قائد قوات العقرب التابعة للشرطة المحلية ان عدد ضحايا جماعة"جند السماء"التي يقودها"المهدي"بلغ حوالي 500 قتيل والكثير من المعتقلين، أكد مصدر في لواء"ذو الفقار"أن القتلى"أكثر من ذلك بكثير"، وقال إنه تم اعتقال 50 مسلحاً واحتجاز النساء والأطفال المغرر بهم". وأضاف المصدر ان المنطقة"مليئة بالجثث والاسلحة والاعتدة". وأكد علي الدباغ، الناطق باسم الحكومة، نهاية العملية بقتل زعيم الطائفة. وقال الناطق باسم وزارة الدفاع أول من امس ان عدد قتلى"جند السماء"بلغ حوالي 200 مسلح في حين تمكنت القوى الامنية من اعتقال 250 منهم إثر انتهاء الاشتباكات شمال النجف. وأوضح محمد العسكري ان"الأسرى كانوا مختبئين في خنادق تحت الارض". ونقلت قناة"العراقية"عن نائب محافظ النجف عبد الحسين عبطان قوله انه يتحدث"من مكان انتهاء المعركة، التي انتهت والى جانبي عدد كبير من الاسرى يتجاوز المئات، بالاضافة الى عدد كبير من القتلى أيضا يتجاوز المئات". واضاف ان في المكان"عائلات، وهؤلاء الناس القتلى والاسرى غرر بهم ونقوم الآن بإخلائهم إلى مواقع أخرى وإخلاء الموتى والأسرى لإكمال التحقيقات". وأضاف ان المعلومات التي أمكن الحصول عليها تفيد بأن"هذه العملية مدبرة ومسخرة من أشخاص من الخارج، لكنهم استخدموا شعارات مزيفة وأناساً سذجاً من أجل القضاء على النجف، وقتل المراجع واستباحة المدينة بشكل أولي والانطلاق بعد ذلك إلى بقية المحافظات، هكذا أخبرهم زعيمهم المقتول الذي يسمي نفسه الامام المهدي". وكان زعيم الجماعة الدينية المسلحة"جند السماء"يقدم نفسه على انه المهدي المنتظر، الامام الثاني عشر للشيعة. اشترى عدداً من المزارع، وكان يسعى الى تطبيق الرواية القائلة ان"الإمام يظهر في العاشر من محرم وستكون معركة يقتل فيها العلماء وهي من الدلائل المؤكدة لظهور المهدي". وقال بعض أتباع الامام أحمد حسن اليمني ان حركتهم سلمية ولا ترتبط"بجند السماء"الذين قاتلوا في معركة استمرت يوما كاملا .واتهم السلطات العراقية بتوريطه زورا في القتال وقالوا ان زعيمهم ليس ضالعا في الامر. وأكد عبد الامام جبار في مسجد الجماعة في وسط البصرة ان الجماعة لا دور لها في ما حدث وهولا يستطيع تحديد مكان الحسن. وأضاف ان زعيمهم كان مهندسا مدنيا شكل الحركة في النجف عام 1999 بعدما ان زعم انه التقى المهدي الذي"أكد له أنه حفيده". وسرعان ما صار له اتباع. وأفاد جبار ان عددهم يبلغ خمسة الاف في جنوبالعراق. من جهته قال ابو فراس المطيري، عضو الهيئة السياسية لمكتب الشهيد الصدر في النجف، ل"الحياة"انها"جماعة اسلامية جديدة غير معروفة سابقاً، تطرح معتقدات ليست لها علاقة بالمذهبين السني والشيعي". وأوضح"ان هذه الجماعة التي يراوح عدد أفرادها بين 1500 و2000 شخص تتخذ مزارع منطقة الزركة شرق النجف قاعدة، وتلتف حول شخص يدعي انه الإمام محمد بن الحسن المهدي، وأؤكد ان هذه الجماعة تدعو الى قتل علماء المذهبين". لكن مصادر الشرطة تقول ان سامر ابو قمر 40 عاماً ولقبه"اليماني"يتحدر من ضواحي الديوانية، جنوب النجف، من عائلة تنتمي الى فئة الأسياد. وقال احمد الكوفي، احد سكان الزرقاء"كان يضع العمامة السوداء فخوراً بأنه من الأسياد المتحدرين من سلالة النبي محمد. وكنا نناديه بالشيخ". واضاف:"كان يرتدي الدشداشة كسائر الناس هنا، ولم يثر مشاكل على الاطلاق. قام بشراء المزارع قبل عامين ... طلب البائع مليوني دينار ثمناً لمزرعة واحدة لكن الشيخ دفع عشرة ملايين". وتابع الكوفي:"كان افراد المجموعة يأتون الى هنا لشراء المياه ولم يكونوا يوماً مسلحين. وصلوا الى هنا قبل عامين وقاموا بشراء سبع مزارع"، حولوها الى مكان شديد التحصين. وزاد:"كنا نشاهد شاحنات محملة رملاً، سألناهم لماذا السواتر الترابية؟ أجابوا انها من أجل تحديد ملكيتنا الخاصة". لكن روايات أخرى نقلها شهود عن عشائر الحواتم المقيمة في المنطقة، أفادت بقتل زعيم قبلي من العشيرة ما دفع أبناءها الى التجمع للانتقام من قوات الشرطة التي استنجدت بالقوات الاميركية واختلقت قصة"المهدي الدجال". القوات الاميركية التي استخدمت خلال العملية أكبر نسبة للقصف الجوي والصاروخي منذ معركة الفلوجة الثانية نهاية 2004، نأت بنفسها عن نشر رواية للحادث، واكتفت بالتأكيد ان العملية كانت عراقية بامتياز. وسادت المخاوف أحياء النجف التي تساءل أبناؤها عن كيفية دخول هذا العدد الكبير من المسلحين والمقاومة الشرسة التي أبدوها والروايات الحكومية عن احتلال المحافظة وما زال الكثير من الاسئلة يدور في أذهان أهالي كربلاء القريبة التي أحيا آلاف الشيعة فيها امس ذكرى العاشر من محرم.