خياران عقلانيان متاحان في الصومال، يستبعد كلاهما الغزو الأثيوبي المدمر، الشهر الماضي، ولا يقتصران على حل موقت يفضي الى اجتثاث التحالف الإسلامي الذي سبق أن سيطر على جنوب البلاد ووسطها، ثم الى توقع سيطرته من جديد. ويقضي الخيار الأول بترك الأمور على غاربها، وترك إسلاميي المحاكم الشرعية يتوجون مسيرتهم. ففي غضون ستة أشهر وسعهم السيطرة على مقاليد السلطة. ففرضوا الأمن، للمرة الأولى، منذ 1991، أي انهيار حكم محمد سيد بري، ودخول البلاد نفق الفوضى واقتتال أمراء الحرب. والخيار الآخر هو التخطيط للتعامل مع الإسلاميين. وهؤلاء ليسوا أقل مشروعية في نظر الصوماليين من الحكومة الانتقالية الشكلية التي تحظى بدعم دولي. فما حدث في الصومال كان غزواً فعلياً، ساندته الولاياتالمتحدة، وتستر بحكومة من غير سند اجتماعي. وإذا عزم الأثيوبيون على البقاء على الأراضي الصومالية، فبقاؤهم قد يؤلب الصوماليين عليهم. وإذا رحلوا سريعاً، على ما يزعمون، خلفوا فراغاً سياسياً، وفصائل صومالية تتناحر على جثة البلاد. وفي نهاية المطاف، قد تستقر الحال ويسود الأمن، ولكن كارثة جغرافية - سياسية قد تقع وتنتشر في معظم بلدان القرن الأفريقي. والقرن منطقة تقاطع وتشابك بين الشرق الأوسط وأفريقيا. وهي لم تتعافَ بعد من المجاعات والجفاف والفيضانات والنزاعات. وإلى الشمال تقع أريتريا، منافسة أثيوبيا اللدود. وهي لا تقلع عن إرسال السلاح الى الإسلاميين. وبلغت المعارك، جنوباً الحدود الكينية. والحق أن الصومال خرج ممزقاً من عهد الاستعمار. فعلى رغم أن الصوماليين من أكثر الشعوب الأفريقية تجانساً، تجمعهم لغة واحدة ودين واحد، هو الإسلام، وغالبيتهم من اثنية واحدة، إلا أنهم أرسوا هوياتهم على ست قبائل متخاصمة. وعليه، يفهم المراقب أثر الصومال في سياسة الولاياتالمتحدة. فالدولة الانتقالية لم تفلح في كسر طوق أمراء الحرب، والحكم الإسلامي أخفق، بدوره، في الاستقرار. فالصومال، من هذين الوجهين، قوي الشبه بأفغانستان. وأما هزيمة القوات الأميركية في مقديشو في 1993 فتذكر بانسحاب هذه القوات من بيروت قبل عقد من الزمن. وإحراز نصر سريع، الآن، يغري إدارة بوش المسؤولة عن الفوضى العراقية، ويدعوها الى انتهاج السياسة التي تنتهجها. وتدعي واشنطن أن المحاكم الإسلامية على علاقة بپ"القاعدة". والمعلومات هذه مشكوك فيها، شأن مثيلاتها التي جمعتها وكالات الاستخبارات الأميركية أخيراً. ولا شك أن في المحاكم الشرعية جناحاً متطرفاً. وقد يغدو الصومال قطباً متألقاً من أقطاب الإرهاب الجهادي، على مثال العراق بعد غزوه. فالغزو ليس حلاً لمشكلات الصومال. وأياً كانت نيات أديس أبابا، ونفوذ حكومة الزعيم الأثيوبي، ميليس زيناوي، فأثيوبيا أفقر من أن تحتمل تكلفة البقاء طويلاً في الصومال. وتحاذي حدودها المشتركة والطويلة بلداناً كثيرة. والى هذا فالحكومة الانتقالية تفتقر الى الصدقية. فهي ألفت بنيروبي، ونقلت، الشهر الماضي، الى بيداوة، قرب الحدود الأثيوبية. ولم يسعها فرض سيطرتها مرة واحدة، ورئيس وزرائها، لا يحظى بتأييد العشائر المتفرعة عن قبيلته. وعلى خلاف هذا، فرضت المحاكم الشرعية الأمن بمقديشو، وفتحت مرافئها. وتوسلت الى ذلك بالعنف. ولكن الشريعة الإسلامية تحظى بقبول معظم أهالي الصومال. والإسلاميون لن يرحلوا أو يضمحلوا بين ليلة وضحاها. ويبدو انسحابهم أقرب الى تكتيك يمهد لحرب عصابات آتية. فالمستقبل قاتم ما لم يعقد تفاهم بين الإسلاميين والحكومة الانتقالية، وتستبدل القوات الأثيوبية بقوة ترعى الاستقرار. وربما على الأممالمتحدة أن تنسق خطواتها مع الاتحاد الأفريقي. فلا يسع أياً من المنظمتين أن تنسب الى نفسها انجازاً، منذ بعض الوقت، سواء في السودان أو في الصومال. وهذه فرصتهما، وفرصة أفريقيا. فثمن الفشل في القرن الأفريقي باهظ. عن "فاينانشال تايمز"، البريطانية، 4 / 1 / 2007