ظهر عجز سياسة القوة الأحادية عن معالجة المشكلات الدولية. ولا شك في أن ملامح مرحلة جديدة بدأت تتبلور في العالم، بعد انقضاء 15 سنة على انتهاء الحرب الباردة. ولعل أبرزها فشل الرهان على فرض حلول احادية، واستخدام القوة في التصدي للمشكلات الدولية. ولم يعد جائزاً الكلام على زعامة أحادية للعالم. فالوعي بأن العالم لا ينجح في جبه التحديات المعاصرة إلا اذا تضافرت جهود الأسرة الدولية، يتعاظم. والعالم لم يصبح أكثر أمناً جراء تفاوت التنمية بين بلدانه، واندلاع المنازعات الاقتصادية والاجتماعية والعرقية والدينية. وأدى تفاقم الخلل في نظام العلاقات الدولية الى بروز مرحلة جديدة تعتمد مبادئ الجماعية والمرجعية القانونية في السياسة الدولية. وتنظر روسيا، في ضوء استقرارها ونموها، واستخلاص العبر من الحرب الباردة، الى الواقع العالمي، وهي متحررةً من قيود الماضي. ولا شك في أن معالجة أي مشكلة دولية كبيرة تقتضي تعاون روسيا. والتزام موسكو سياسة مستقلة أسهم في أدائها دوراً متوازناً حيال المشكلات الدولية. وهي اختارت، في العام 2000، انتهاج سياسة خارجية منهجية وعملية، تتعدد مساراتها، وتتوخى التزام المصالح الوطنية من دون الانزلاق الى المواجهة. وقدمت على الايديولوجيا التفكير السليم. وشرعت أبوابها للحوار البناء، والتعاون المتكافئ مع الدول من غير استثناء. وعقدت شراكة استراتيجية مع كثير من البلدان، وعلى الأخص جيرانها في دول"المجموعة"، والصين والهند ومصر والبرازيل، وأعضاء الدول الثماني الكبرى. ونحن لا يسعنا أن نشترك في سياسة احترازية ترمي الى ادامة حال النظام العالمي الراهنة. وأننا نأمل في أن لا يكون شركاؤنا الأميركيون قالوا الكلمة الفصل في شأن التسوية بالعراق فالضرورة تقتضي الاستعانة بالأمم المتحدة، وبجيران العراق، وفيهم ايران وسورية، وبالمنظمات الاقليمية، في سبيل انجاز مصالحة وطنية حقيقية. وشأن تقويم خط التحالف السياسي في العراق ابتداء تحرك نحو تطبيع العلاقات الأميركية - الإيرانية، واعداد العدة الممهدة والمناسبة لتسوية مسألة برنامج ايران النووي. فذلك شأنه تعزيز تسوية مشكلات الشرق الأوسط، وتقوية نظام منع انتشار الأسلحة النووية. وفي ضوء تجربة العقوبات السابقة على العراق، والسعي الى استغلالها في تغيير النظام، بغض النظر عن قرارات مجلس الأمن الدولي، ندعو الى جعلها أداة بيد مجلس الأمن الدولي شرط أن تساعد في التقدم على طريق حل المشكلة، من طريق المفاوضات. وأما اذا جعلت العقوبات مقدمة لاستخدام القوة، فإنها تنقلب غطاء لسياسة عسكرية مبيتة. ولا شك في أن توسيع"الناتو"والاتحاد الأوروبي يضعف مرونتهما وفعاليتهما في بلوغ أهدافهما الرئيسية. وقد يسرّ ذلك بعضهم، ولكن مصلحة روسيا ليس زوال"الناتو"جراء توسيع نطاق عضويته. وليست مصلحة روسيا أن تؤول الأمور الى إضعاف المشروع الأوروبي. فالنظام أي نظام خير من الفوضى. وثمة من يلوم روسيا على محاولتها المحافظة على أبعاد حضارية كثيرة في حياتها. ولكن روسيا تقع على ملتقى حضارات، وذلك على ما تقضي الجغرافيا، ويقضي التاريخ. ولا يجوز أن تلغي العولمة التنوع الثقافي والحضاري، بل عليها صيانة هذا التنوع. عن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، "موسكوفسكي نوفوستي" الروسية، 19/1/2007