طوال تسعينات القرن الماضي ساد الاعتقاد بان مفتاح الاستقرار في المنطقة هو حل النزاع العربي - الاسرائيلي، أوساطاً واسعة. وحمل هذا المساعي الديبلوماسية الغربية على الدوران في هذه الدائرة، وعلى الحسبان أن حل النزاع غير مستعصٍ في وقت قصير نسبياً. وحدا الأمل أصحاب المساعي في أن تثمر الديبلوماسية، في غضون سنين قليلة، اتفاق سلام اقليمياً واسعاً يشمل اسرائيل والفلسطينيين والدول العربية. ويبدو، اليوم، الادعاء بأن النزاع العربي - الاسرائيلي هو السبب الأول في اضطراب المنطقة، غير وجيه. واذا بحثنا في الجذور التاريخية لتعاظم ثقل الاسلام السياسي، فالأرجح أن نراها في حادثين لا علاقة لهما بالصراع العربي - الاسرائيلي، وهما: الثورة الخمينية الاسلامية بايران في 1979، وهزيمة الاتحاد السوفياتي بأفغانستان في 1989، وولادة"القاعدة". فالجمهورية الاسلامية بايران أدركت أنها، مع قيام اول حكم شيعي بالعراق، مؤاتاة فرصة تاريخية تجعلها قوة عظمى في الشرق الاوسط كله، فتباشر نفوذاً قوياً على جيرانها الشيعة، وتتخطاهم الى العرب السنّة، وتبلغ من طريق هؤلاء رؤساء الدول. ومن الخطأ الجسيم التعاطي مع صعود الجهادية السنّية والشيعية على انهما ظاهرتان مستقلتان الواحدة عن الأخرى. فمنذ التسعينات حاولت ايران التسلل الى النظام الاسلامي في السودان. وطوال أعوام، ساعدت تنظيمات سنية مثل"الجهاد الاسلامي"وپ"حماس". ولكن حرب العراق أججت التوتر بين السنّة والشيعة في الشرق الاوسط كله، وبعثت زعماء عرباً من السنة الى الكلام على"هلال شيعي"يحاصر قلب الشرق الاوسط ويتهدده. وعلى هذا، قد يصدق توقع تصدر النزاعات الاسلامية المذهبية محاور الصراع في الشرق الاوسط. ومع تعاظم الخطر على بعض الدول، يتوقع تعاظم دور الولاياتالمتحدة الأميركية الاقليمي وحلفائها الغربيين. ولما كان الغرب غير مضطر الى تسديد الثمن من حسابه، رمى ثقل التنازلات على اسرائيل. وعلى رغم ارتسام أطوار سياسية جديدة، لا يزال كثير من أصحاب القرار في الدول الغربية أسير نظريات وأفكار فاتت، وتعود إلى أكثر من عقد، وكان ارساء الاستقرار في الشرق الاوسط يعول عليها. فالحق أن الوقت حان لتتولى دول الغرب إرساء أسس جديدة تحيط بالوقائع المتغيرة في المنطقة. وعلى رأس هذه الوقائع أن اصرار ايران على الهيمنة على الشرق الاوسط هو السبب العميق في الاضطراب الاقليمي. فهي أعظم تهديد يستهدف الدول العربية"الوسطية". ويترتب على الواقعة الاستراتيجية هذه ان النزاع العربي -الاسرائيلي تخلف عن تصدر اولويات هذه الدول. ولا بديل سياسياً لحل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي طالما تعلو موجة المد الأصولي الاسلامي وتتفاقم. وكل انسحاب اسرائيلي أحادي، من غير مفاوضات، يؤدي حتماً الى التخاذل أمام الاسلام السياسي الاصولي في المنطقة، على نحو ما ترتب على الانسحاب من غزة. فشرط استقرار الشرق الاوسط هو التصدي للمد الاسلامي السياسي الاصولي، على اختلاف مذاهبه. عن دوري غولد سفير اسرائيل سابقاً في الاممالمتحدة، ورئيس مركز القدس للدراسات السياسية، "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية، 22/1/2007