في برنامج المنوعات نفسه على قناة لبنانية، كانت السيدتان حاضرتين معاً. أولاهما ضيفة والثانية مضيفة. السيدة الأولى تدخل البلاتوه تحت أضواء ساطعة ووسط تصفيق صاخب، تبطئ خطواتها بعض الشيء كي يطول التصفيق... ثم حين تنتهي من ذلك الدخول ترسم على وجهها أمارات الدهشة وشيئاً من التواضع وهي تتساءل كالمتمتمة: كل هذا التصفيق من أجلي؟ عند طرحها هذا السؤال يبدو واضحاً ان السيدة تتناسى انها هنا، من «أهل البيت» وانها تعرف اللعبة سلفاً... وتحاول ان تنسينا انها خلال دخولها كانت مرت أمام كاميرا التقطتها لثوان في مشهد عام يصورها وهي تمر في جوار مدير المسرح، أو مساعد المخرج، الذي كان في تلك اللحظة، بوجهه المتجهم ونظراته النارية المهدِّدة ويديه المتحركتين، يأمر الجمهور بأن يزيد من التصفيق والهياج. أرادت السيدة بسؤالها أن تجعل المتفرجين أمام أجهزتهم ينسون ان هذا الجمهور، ليس في حقيقة أمره سوى كومبارس يتحمس حيناً ويضجر في معظم الأحيان، لكنه هنا يؤدي مهمته: التصفيق والصخب مقابل دولارات قليلة سينالها آخر الأمر وينسى الموضوع كله... وأرادت السيدة أن توحي لنا بأنها لم تنتبه الى فتاة بين الكومبارس كانت تسأل رفيقتها «عمن تكون هذه السيدة التي يُطلب الينا ان نصفق لها كل هذا التصفيق». السيدة الثانية هي المضيفة. انها بشوشة ومرحة وتعرف انها هنا أصلاً، كي تطرح أسئلة وتجمع أهل المجتمع والسياسة والفن، من حولها كي يمضوا معاً سهرة لطيفة. لكنها تعرف ايضاً انها هنا، كذلك، كي تتلقى طوال الوقت اطراء ضيوفها وتغزلهم بجمالها وذكائها... انه جزء من قواعد اللعبة. هي تعرف هذا، وضيوفها يعرفونه... ومن هنا، بعدما كانت في الحلقات الاولى من برنامجها الناجح، تتلقى آيات الغزل والإعجاب بشيء من الخفر والحياء، صارت الآن تتلقاه وكأنه حقها الطبيعي، لا يستقيم البرنامج من دونه، بل لربما كان في بعض الاحيان واحداً من الشروط المفروضة على بعض الضيوف كي يتم استقبالهم. ويحدث انها في لحظات معينة من السهرة، إن رأت أن حدّة المديح والإعجاب والغزل قد خفّت، لا تتوانى عن طرح سؤال أو أكثر على ضيوفها يتعلق برأيهم في برنامجها أو فيها، هذا إن لم تلتفت الى «أصدقاء البرنامج» من أهل الكوميديا سائلة اياهم العون، أي إبداء الغزل والإعجاب. وهؤلاء يستجيبون بسرعة بحيث بدلاً من أن تكون مقدمة برنامج تستضيف نجوماً، تصبح هي - وبقدرة قادر - نجمة السهرة. ومع هذا لا بد من القول إن السيدة ليست في حاجة الى هذا كله... منذ البداية أحبها الجمهور ووجدها حسناء وذكية... ولكن طبعاً لم يجدها عبقرية على النحو الذي وصفتها به يوماً، إحدى ضيفاتها... فالعباقرة لا يقدمون برامج حكي ومنوعات... بل ليس للعباقرة مكان، أصلاً، على الشاشات الصغيرة. فالعباقرة مضجرون بطبعهم، أما السيدة فمسلية وناجحة بالتأكيد ولكن.. ليس أكثر.