في 18 كانون الثاني يناير الجاري تدخل مصر الشهر الحادي عشر لمعاناتها مع مرض انفلونزا الطيور. وقد حصد فيروس "اتش5 آن1" H5N1 المسبب للموجة المميتة الراهنة من المرض، 11 شخصاً بوفاة نورا صابر عبدالمنجي 23 سنة، ربة منزل في محافظة الفيوم، وارتفاع عدد الإصابات البشرية بطاعون الطيور الى 20 بعضهم في حال خطيرة. وبذا، تحتل البلاد المرتبة الخامسة عالمياً، بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية. وتحتل إندونيسيا المرتبة الأولى بوفاة 58 شخصاً واصابة 75، ثم فيتنام بوفاة 42 شخصاً واصابة 94، ثم تايلاند بوفاة 17 شخصاً واصابة 26، والصين التي توفي فيها 14 شخصاً وأصيب 22. وفي سياق مواز، انخفض إنتاج الطيور في مصر الى النصف، فوصل إلى مليون دجاجة يومياً، إضافة الى خسارة مالية تقدر ب 6 بلايين جنيه، وتوقف موقت للاستثمار في القطاع. العاصفة السياسية للفيروس وعلى رغم جهود الحكومة في مواجهة المرض، تتزايد الانتقادات مع تجدد الوفيات البشرية، وسط مخاوف شديدة من انتشار المرض بين البشر. وبدا لافتاً تداخل السياسة بصورة كبيرة في معالجة الحكومة للمرض. فقد فوجئ الرأي العام بهجوم المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف على خطة الدول في معالجة ما سماه كارثة انفلونزا الطيور. وطالب بالمشاركة في وضع حل للكارثة من منطلق الشعور بالمسؤولية من أزمة تهدد الجميع. وأيد عاكف المنسق العام لپ"الجبهة الوطنية من أجل التغيير"المعروفة باسم"كفاية"رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عزيز صدقي، الذي طالب بمحاسبة المقصرين عن الكارثة، سائلاً عن دور الحكومة في محاسبة المسؤولين. واتفقت أحزاب المعارضة ممثلة في الوفد والتجمع والأحرار، على أن انفلوانزا الطيور أظهرت عجز الحكومة وفشلها في مواجهة الأزمات. كما اتفقت على ان البلاد اتبعت أسلوباً غريباً في الإجراءات الوقائية، بإعدام الطيور المنزلية المصابة وغير المصابة، ما أدى الى ضرب الثروة الداجنة والقضاء على مصدر مهم من البروتين الحيواني لنحو 2.7 مليون مصري. ووصفت الدكتورة هدى صالح النمر، مديرة"مركز دراسات الاستثمار وإدارة المشاريع"في معهد التخطيط القومي، وضع القطاع بأنه خطير. وطالبت بإعادة هيكلة صناعة الدواجن ومنع تربيتها في المنازل الريفية بعيداً من الأشراف البيطري، إضافة الى تفعيل دور المعمل المركزي للرقابة على الدواجن ودور وزارة الصحة في مجال الفحوص الميدانية في الريف، ونقل حظائر المواشي خارج التجمعات السكنية. وأشارت الى ان إنقاذ صناعة الدواجن امر ضروري، خصوصاً ان المواطن المصري يعاني من نقص حاد في نصيبه من اللحم الأبيض والأحمر مقارنة بالمتوسط العالمي. وفي الوقت نفسه، يرى خبراء محايدون ان الحكومة تبذل جهوداً جيدة بحسب الإمكانات المتاحة، معتبرين ان من الطبيعي ان تتأثر قطاعات عدة بهذا المرض مثل قطاع السياحة، خصوصاً أن وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تحدثت عن توطّن المرض في البلاد. واعتبر وزير السياحة زهير جرانة أن وزارته وضعت في اعتبارها هذا التأثير ونجحت الى حد كبير في امتصاص كثير من السلبيات. وبيّن أن خطط الوزارة تنفذ بصورة ناجحة، إذ وصل عدد السياح السنة الماضية الى 9 ملايين بزيادة 400 ألف عن العام 2005. وفي السياق عينه، أوضح وزير النقل محمد لطفي منصور أنّ الوزارة اتخذت الكثير من الاحتياطات من خلال هيئات الموانئ المصرية في البحر الأحمر والإسكندرية وبور سعيد ودمياط. وطلب الوزير من رؤساء قطاع النقل البحري وهيئات الموانئ إعداد حصر شامل لما يدخل البلاد من طيور حية أو مذبوحة، بالتنسيق مع أجهزة الحجر الصحي والبيطري. وأكّد الوزير التشدد في التدابير الوقائية من جانب سلطات الموانئ. وأشار الى وجود غرفة عمليات مستمرة لتلقي التقارير العاجلة من هيئات الموانئ المصرية عن الطيور المستوردة من الأنواع كلها. مياه النيل بمنأى من الخطر ووجد وزير الري الدكتور محمود أبو زيد نفسه مضطراً لدحض الشائعات عن تلوث مياه النيل بمرض انفلونزا الطيور. وأكد أن التحاليل تؤكد خلو مياه النيل والترع والمصارف من فيروسات المرض حتى الآن. ونبّه الى ان تلك التحاليل تجرى بصفة دورية في المعامل المركزية التابعة للوزارة. وأكّد أن هذه المياه مطابقة للمواصفات العالمية للمياه. وفي وقت سابق، ناشد الوزير المواطنين عدم إلقاء الطيور النافقة في النيل أو الترع والأقنية كي لا تنتقل من مكان الى آخر فتحمل الفيروس معها. وكانت إشاعة تلوث مياه النيل بفيروس انفلونزا الطيور انتشرت على الخليوي عبر الرسائل القصيرة. وطالبت تلك الرسائل بالامتناع عن شرب المياه لمدة 5 ساعات بسبب تلوثها عقب إلقاء طيور مصابة بالفيروس في مياه النيل. وخصصت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات رقماً مختصراً للاتصال بوزارتي الصحة والزراعة للاستفسار عن المرض. وبيّن الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن الرقم يعمل على جميع الهواتف الثابتة في الجمهورية، وأن الوزارة خصّصت 60 خطاً هاتفياً أرضياً في وزارة الصحة وهيئة الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة تعمل طوال اليوم للرد على أسئلة المواطنين. وأوضح وزير الزراعة أمين أباظة انه عرض على رئيس الوزراء أخيراً خطة تطوير صناعة الدواجن التي تهدف الى مكافحة واستئصال المرض، لما للدواجن من أهمية كبرى في البلاد كمصدر أساسي للبروتين في الغذاء. وتضمنت الخطة محاور عدة مثل ضرورة تطوير أماكن الذبح لتستوعب كل الإنتاج المحلي من الدواجن، فيما تصل طاقتها راهناً الى ربع هذا المستوى. وطلب وضع صيغ تعاقدية بين المسالخ والمزارع بغرض ذبح الدواجن في المسالخ حصرياً، وكذلك تطوير محال بيع الدواجن الحية لكي تتحول الى بيع الدواجن المبردة والمجمدة بعد حظر تداول بيع الدواجن الحيّة حتى عام 2010. ولاحظت الخطة تطوير قطاعات الأصول من الجدود وأمهات التسمين وأمهات البياض مع تحديث قطاع إنتاج بيض المائدة وكذلك تطوير قطاعات الأعلاف، وتحديث المعامل وتوفير التمويل اللازم لعملية إعادة الهيكلة والتطوير وغيرها. وشدد الوزير على ضرورة تكاتف الحكومة والقطاع الخاص لمواجهة المشكلة. ولاحظ وجود ميل للتجني على الدور الحكومي. واشار الى أن بعض المتضررين ينادون بعودة تداول الدواجن الحيّة في الأسواق، ومن ثم العودة إلى الوضع الخطر الذي كانت البلاد تعيشه قبل اكتشاف المرض. وأشار الوزير الى أن قلة مسالخ الدواجن لا يعني عودة تداول الطيور حيّة. وتحدث عن خطة لإنشاء مسالخ عدة- قبل حلول حزيران يونيو 2007 بطاقة 650 ألف طائر يومياً. وتوقع اكتمال المسالخ في آب أغسطس 2007 لتصل طاقتها الى ما يزيد على مليون طائر، ما يعني حل نسبة كبيرة من مشكلة استيعاب إنتاج الدواجن. ضرورة التكاتف وفي محافظة القليوبية المتاخمة للعاصمة المصرية، وهي أكثر محافظات البلاد انتاجاً للدواجن، أكد المحافظ عدلي حسين أن مصر مرشحة لتتبوأ المرتبة الثانية لتوطن المرض فيها بعد اندونسيا. وطالب بتكاتف الجميع،"لأن الكارثة تشمل الجميع. هناك ضرورة لتغيير ثقافة"الفرارجية"التي استسلمنا لها الفترة الماضية". واعتبر أن العودة الى تداول الطيور الحيّة في البيع والشراء من دون رقابة تُمثّل الخطر الأكبر على المصريين. واستطرد قائلاً:"من ينادي بعودة الطيور الحية الى الأسواق يبحث عن ربح سريع ومصلحة شخصية وأولى بكل مصري البحث عن علاج للسلبيات التي ارتكبناها منذ شباط فبراير الماضي والتي أفرزتها الأزمة في مزارعنا خصوصاً أن 75 في المئة من تلك المزارع غير مرخصة وال 25 في المئة المتبقية مرخصة لكن غير مؤهلة بشكل سليم لتقديم إنتاج متميز يدعم صناعة الدواجن... هناك ضرورة لإزالة العشوائية التي تحكم قراراتنا في هذا الأمر، وكذلك إقناع صغار المربين في الريف والحضر بأهمية السير وفق نمط علمي والاعتماد مستقبلاً على المجازر والثلاجات والتسويق والتطوير". وطالب الوزير بفتح مجال اوسع للاستثمارات الجديدة، مع استمرار تدخّل الدولة لإعادة صوغ حاجات المجتمع لحماية صغار المربين من جهة والحفاظ على الثروة الداخلية، وكذلك سعياً لاستكمال منظومة مكافحة المرض الذي أرهق الجميع. في الاطار نفسه نقلت صحيفة"المصري اليوم"المستقلة عن المحافظ تأكيده ان عقله"امتلأ بتعبيرات هابطة منذ ظهور مرض انفلونزا الطيور. وأوضح أن الكلام كثر عن الزرايب والكتاكيت والفراخ والعشش والريش وپ"الفرارجية"والشبكة والإعدام والنفوق والسرّيحة والعدوى، وكل هذه مصطلحات ما كانت تظهر في محافظة القليوبية لولا ظهور المرض اللعين لكونها اكبر محافظة انتاجاً للدواجن". ويسود وزارة الصحة إحساس كبير بالمسؤولية أكثر من معظم الوزارات الأخرى. فعدد الطيور التي حصِّنت بلقاحات ضد المرض نحو 25 مليوناً، علماً ان عدد الطيور التي تُربى في الريف تصل الى قرابة 250 مليوناً، ما يعني ان هناك 225 مليون طائر معظمها مُعرّض للإصابة. ولذا، ناشد وزير الصحة حاتم الجبلي الإسراع في طلب العلاج في حالة الشك في الأعراض الخاصة بالمرض لأشخاص تعاملوا مع الطيور، محذراً من التربية المنزلية من جانب والالتزام في حالة التربية، من جانب آخر، بالاشتراطات الصحية التي أعلنتها الجهات المعنية. وأكد الجبلي الالتزام ايضاً بقواعد الصحة العامة والشخصية من حيث الحرص على نظافة البدن والطعام وعند ملاحظة الموت الجماعي للدواجن أو الطيور التي ينبغي الابتعاد عنها وعدم ملامستها. ويمكن القضاء على الفيروس من طريق استخدام المطهرات العادية مثل الفورمالين ومشتقات الايودين".