فيما يستمر نوع متحوّر من فيروس الإنفلونزا، هو «إنكوف» nCoV (وهي التسميّة المعتمدة علمياً لما يوصف بأنه «فيروس تاجي جديد») في الانتشار بكثير من البطء في السعودية، بدا أن مصر يتملكها خوف من تحوّر نوع آخر من فيروسات الأنفلونزا التاجيّة هو فيروس الطيور. ويشتهر فيروس الأنفلونزا بأنه يتحوّر بصورة موسميّة تقريباً، ما يتسبب في إطلاق موجات متلاحقة من انتشاره وبائياً. في هذا السياق، ناقش مؤتمر لخبراء في الطب الوقائي عقد في القاهرة أخيراً، مجموعة من المشكلات التي تواجه صناعة الدواجن مصرياً في ظل «توطّن» فيروس أنفلونزا الطيور (وبعض الأنوع الاخرى من الفيروسات) داخل مزارع الدواجن، في ظل غياب رقابة صحية مناسبة. وعرضت الدكتورة سهير عبدالقادر، رئيسة إدارة الطب الوقائي في الهيئة العامة للخدمات البيطرية في وزارة الزراعة المصرية، الخريطة المرضية للدواجن في مصر خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى تموز (يوليو) 2012. وغطت هذه الخريطة 500 مزرعة في تسع محافظات. وخلصت عبد القادر إلى القول بأن «أنفلونزا الطيور» مُسبّب لمرض الدواجن داخل المزراع بنسبة 15 في المئة، وحاز التهاب الشُعب الرئوية المُعدي الشطر الأكبر من شريحة التسبّب بالأمر ، بنسبة 45 في المئة، ونال «نيوكاسل» 25 في المئة. وتناولت عبدالقادر مسألة «تزاوج» مُسبّبات الأمراض داخل المزرعة نفسها، وهي ظاهرة تأتي من تدهور تطبيق معايير الأمان الحيوي في المزارع، وهي معايير تشمل حماية الطائر من الإصابة وتوفير بيئة تمنع انتشار مُسبّبات الأمراض، والتخلّص الآمن من مخلّفات الطيور والطيور النافقة وغيرها. وشدّدت عبدالقادر على انتشار تربية الدواجن، إذ باتت تمارسها قرابة 30 مليون أسرة مصرية. وقالت: «في مصر، نحرك بأيدينا قنابل موقوتة وننشر المرض بأنفسنا، كنتيجة لإلقاء مخلفات الدواجن في المصارف ومجاري المياه، إلى جانب غياب معايير الأمان الحيوي في مزارع التسمين بنسبة تصل إلى 70 في المئة، على رغم أن تطبيق تلك المعايير يشكّل حلاً سحريّاً للخروج من انتشار فيروس أنفلونزا الطيور في مصر، ومواجهة ظاهرة تحوّره المتكرّر». وأضافت أن فرق الرصد المُبكّر لفيروسات الدواجن تتعرض لكثير من التحديات (في مقدمها الاعتماد على الشائعات) في عملية رصد البؤر المصابة بفيروس أنفلونزا الطيور، إضافة إلى محدوديّة النشاطات المتّصلة بتقصّي الفيروس في الأسواق الحيّة لأنها تقتصر على اختيار محافظتين سنوياً للتفتيش في أسواقها عن بؤر الفيروسات. وفي حال اكتشاف بؤرة معيّنة، يتحرك فريق متخصّص في الإحتواء السريع مُكون من ثلاثة أطباء، أحدهم يتخلص من الطيور المريضة بطرق صحيّة، ويبدأ آخر في البحث الوبائي، فيما يعمل الأخير على نشر الوعي الصحي المناسب في المنطقة المصابة، مع النهوض باجراءات التحصين المجاني في دائرة قطرها 9 كيلومترات حول البؤرة المكتشفة. رُخََص لتربية الدواجن في المؤتمر عينه، تحدث الدكتور مجدي القاضي، عميد كلية الطب البيطري في جامعة بني سويف، عن أساليب مقاومة أنفلونزا الطيور في مصر. وأشار إلى خطورة انتشار مزارع الدواجن داخل الكتل السكان، وتقارب المسافات بين المزارع، وغياب الرقابة الفعّالة، في ظل نقص واضح في عدد المجازر الصحية الحديثة، وانتشار بيع الدواجن الحيّة، والتربية المنزلية العشوائية والتخلّص غير الآمن من مخلفاتها وغيرها. وأضاف: «تتجاهل الحكومة حجم الكارثة وأثرها سلبياً على صناعة مصر واقتصادها»، مشيراً إلى عدم وجود قاعدة بيانات توضح العدد الفعلي للطيور ونوعيتها، ومناطق إنتاجها، والخدمات الاخرى المتعلقة بإنتاج الدواجن، مع غياب المعايير الصحية الواضحة في إعطاء رخص لمزارع الدواجن في مصر. وطالب القاضي بضرورة تنسيق جهود الجهات الحكومية المعنيّة بمكافحة أنفلونزا الطيور في مصر، بهدف تنفيذ استراتيجية قومية واضحة الأهداف، تترافق مع توعية المزارعين والفنيين العاملين في مزراع الدواجن، بقواعد الأمان الحيوي، والتعامل مع المشكلات المختلفة في حال رصد بؤر للفيروسات. وانتقد القاضي ضعف الموارد المتاحة ل «الهيئة العامة للخدمات البيطرية المصرية»، وغياب الكوادر البشرية المناسبة، وضآلة القدرة على تقصي الفيروسات ما يترجم نفسه بمحدودية التقصي الذي لا يشمل سوى عدد محدود من المحافظات، ولا يصل إلى التغطية الشاملة للمزارع كافة، والسيطرة الفعلية على الوباء، موضحاً انها أمور تتطلّب اعتمادات مالية ملائمة.