في توقيت ملائم، أصدر مصطفى اللباد، المتخصص في الشؤون الإيرانية، كتاب "حدائق الأحزان - ايران وولاية الفقيه"، عن "دار الشروق"، متزامناً مع اهتمام عربي بالأحوال الإيرانية يتصاعد على ايقاع مأزوم يتشكل من أحداث العراق ولبنان والملف النووي الإيراني والنفط وسواها. والأرجح ان تلك الأحداث جعلت من ايران اسماً يومياً متداولاً في الشارع العربي، ما يجعل الكتاب عرضة لاهتمام واسع. وثمة مفارقة لافتة في هذا السياق، تتمثل في ندرة ما يعرفه القارئ العربي عموماً عن ايران، بلداً وحضارة وكياناً سياسياً. ومعلوم أن الجمهورية الإيرانية تقودها نظرية"ولاية الفقيه"التي انطلق الإمام الخميني بثورته من معطياتها، وباتت الإطار الفكري الموجّه لإيران منذ انتصار تلك الثورة في العام 1997. وبعد ربع قرن من تلك الثورة، يظهر كتاب عنها بغلاف يحمل صورة لجمع من فقهاء شيعة، يتوسطهم آية الله خامنئي، مُرشد الثورة الإسلامية الإيرانية وراعي التيار المُتشدد فيها، بينما يظهر في طرف الصورة الإمام محمد خاتمي، الرئيس السابق المُنتمي الى تيار إصلاحي في الفقه والسياسة. ما الذي تعنيه ألفاظ مثل تشدد ومُحافظة واعتدال واصلاح في القاموس الإيراني راهناً؟ بل ما الذي تعنيه ولاية الفقيه، وهل هي فتوى تُلاقي اجماعاً لدى فقهاء الشيعة؟ وكيف يمن فهم هذا الاختلاط القوي بين الفقه والسياسة في المذهب الشيعي؟ وماذا يعرف القارئ العربي العادي عن الشيعة وفقههم وتصوراتهم وتقاليدهم وتاريخهم وزعمائهم؟ ربما ليس من المستغرب، في ضوء هذه الأسئلة، أن يستهل المؤلف كتابه بفصل تمهيدي، بعد المقدمة، يحوي كثيراً من المعلومات عن المذهب الشيعي عموماً، بما فيه المذهب"الإثني عشري"الذي ينتسب اليه معظم مسلمي إيران. وإذ يناقش الفصل الأول العلاقة بين الفقهاء والدولة الإيرانية، فإن الفصل الثاني يتناول بروز دور فقهاء كقادة شعبيين لاتباع المذهب الشيعي في الفترة التي تُسمى"مرحلة الفقه الخاص"، التي تمتد بين وفاة آخر"وكيل"للإمام محمد بن الحسن العسكري ما بين عامي 940 وپ941 حتى العام 1501، حين أعلن الشاه اسماعيل الصفوي تشيّع ايران رسمياً. وتميّزت تلك المرحلة بالعلاقة المباشرة التي تربط بين الفقيه ومن يسير على خطاه، ما رسم نوعاً من التواصل المستمر بين الناس والفقهاء. تُعطي المعلومة السابقة نموذجاً من النكهة العامة التي تسود كتاب"حدائق الأحزان"، الذي اجتهد مؤلفه في تضمينه معلومات دأب على جمعها خلال 3 سنوات من اشتغاله على الكتاب. ويمكن النظر الى الفصل الثاني باعتباره بداية الدخول في التاريخ السياسي المُعاصر لإيران، إذ يُفصّل نظرية"ولاية الفقيه"التي تُمثّل تياراً في الفقه الشيعي، عمل الإمام الخميني على بلورته لجعله أساساً في تحرّك واسع لإسقاط شاه ايران، وإرساء حكم ديني مباشر في ذلك البلد. وانقسم الفقهاء في شأن تلك النظرية. فمن المعلوم أن الإمام الراحل محمد الخوئي الذي عاش في العراق وتوفي في 1992 كان من المعترضين بقوة على تلك المقولة. ويزيد في أهمية اعتراضه أنه كان مرجعاً أعلى بين الفقهاء. ويعرض الفصل الثالث صعود نظرية"ولاية الفقيه"سياسياً وإمساكها بمقاليد الدولة، فيما يتابع الفصل الرابع مسارها بعد رحيل الإمام الخميني. ويُخصص الفصل الخامس صفحاته ليعرض تفاصيل الصراع بين التيارين المُتشدد والمعتدل في ايران، ما بات راهناً، في شؤون الحياة اليومية في ذلك البلد.