محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية يرفع التهنئة للقيادة    "الرياض" ضيف شرف معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    وزير التعليم يرفع التهنئة للقيادة بما تحقق من منجزات تعليمية    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    بيان مشترك لوزير المالية ومدير عام صندوق النقد الدولي ورئيس مجموعة البنك الدولي بشأن سوريا    أبها تتغطى بغطاءها البنفسجي    مواقع أجنبية: الهلال يبعث برسالة تهديد لرونالدو    وزير الصحة: تطبيق نموذج الرعاية الصحية الحديث أسهم في رفع متوسط عمر الإنسان في المملكة إلى 78.8 عامًا    تركي بن محمد بن فهد يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة ما تحقق من إنجازات في مسيرة رؤية المملكة 2030 بعامها التاسع    ريال مدريد ينتقد اختيار الحكم الذي سيدير نهائي كأس إسبانيا    للمرة الثالثة على التوالي ..الخليج بطلاً لممتاز كبار اليد    بيراميدز يحقق ما عجز عنه الأهلي    زيلينسكي: أوكرانيا تريد ضمانات أمنية أمريكية كتلك التي تمنحها لإسرائيل    وزير "البيئة" يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة وما تضمنه من إنجازات    مجلس الأعمال السعودي - الأمريكي يستضيف فعالية تواصل استثمارية رفيعة المستوى    الرئيس التونسي يزور جناح جامعة نايف بمعرض تونس للكتاب ويشيد بجهودها في تعزيز الأمن العربي    «أماني» تحصد الدكتوراه برسالة متميزة    القبض على باكستانيين في المنطقة الشرقية لترويجهما «الشبو»    محمد العرفج يُفجع بوفاة والدته    الاتحاد السعودي للطيران الشراعي يُقيم معسكرًا لفئة النخبة    نائب أمير تبوك: رؤية المملكة 2030 حققت قفزات نوعية وإنجازات    موعد مباراة الهلال في نصف نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة    أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة من منجزات في الأعوام التسعة الماضية    عام 2024 يُسرع خُطى الرؤية السعودية ويسجّل إنجازات استثنائية    بلدية محافظة ضرية تطرح 8 فرص استثمارية    ثانوية الأمير عبدالمحسن تحصد جائزة حمدان بن راشد    قطاع بارق الصحي يُنفّذ مبادرة "صحة الفم والأسنان"    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُقيم فعالية "متلازمة داون"    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ "اليوم العالمي للتوحد"    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    مدرب الأهلي: جماهيرنا سندنا لتخطي بوريرام التايلندي    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    غدًا.. انطلاق أكبر فعالية مشي في المملكة «امش 30»    في الدمام ( حرفتنا حياة ) ضمن مبادرات عام الحرف اليدوية 2025    "حديث المكتبة" يستضيف مصطفى الفقي في أمسية فكرية عن مكتبة الإسكندرية    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    تنفيذ ورشة عمل لاستعراض الخطط التنفيذية للإدارات في جازان    بيولي: هدفنا الآسيوية وجاهزون ليوكوهاما    هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان تستعرض مشروع زراعة أشجار الصندل في "أسبوع البيئة 2025"    مبادرة لرعاية المواهب السعودية في قطاع الجمال    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    مخاطر في الذكاء الاصطناعي    مملكة الخير والإنسانية    تقلص الجليد القطبي    خشونة الورك: الأسباب.. التشخيص.. العلاج.. الوقاية    اللواء الودعاني يدشّن مشاريع تطويرية لتعزيز قدرات حرس الحدود    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    بلدية صبيا تدعو للمشاركة في مسيرة المشي ضمن مبادرة #امش_30    ذكاء اصطناعي للكشف عن حسابات الأطفال في Instagram    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    ملك الأردن يصل جدة    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسألة الفقه والولاية والسلطة
نشر في الحياة يوم 07 - 08 - 2004

شكلت غيبة الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإثني عشرية، من دون تحديد موعد لظهوره كمهدي للأمة فراغاً عملياً في منصب المرجعية الدينية والقيادة السياسية. وبدأ علماء المذهب بالبحث عن آليات لسد هذا الفراغ للإجابة على المسائل الفقهية والدينية المستجدة من جهة، وترشيد سلوك الشيعة السياسي والاجتماعي تجاه السلطة السياسية القائمة من جهة اخرى.
وترتب على اعتقاد الاثني عشرية بفكرة التقية والانتظار ان يرفض معظم فقهائهم التصدي للإمامة والقيام بتشكيل الدولة في عصر الغيبة، وذلك لأن الإمامة تشترط إماماً معصوماً ومنصوصاً عليه، بحسب اعتقادهم. ومع تطور علم أصول الفقه ونشوء مفهوم الاجتهاد والتقليد، نشأت نظرية النيابة العامة للفقهاء عن الإمام الغائب في ادارة الأمور الحسبية، التي تتضمن ادارة أموال الأوقاف والخُمس والزكاة وأموال السفهاء ومن لا ولي له وتكفّل اليتامى والمحتاجين، وهي من الأمور التي لا ينبغي تركها لضرورة حفظ النظام العام.
وتطورت رؤية الفقهاء لمسؤولياتهم تدريجاً من قبولهم بأخذ الخُمس من الناس وتوزيعه على المستحقين الى اقامة الحدود وصلاة الجمعة. لكن نظرية النيابة العامة لم تتطور الى نظرية سياسية تشمل جميع شؤون الحياة المعطلة في عصر الغيبة. ويعتبر الشيخ علي الكركي ت 940 ه أول فقيه شيعي تنمّ كتاباته حقاً عن مؤشرات على نظرية الدولة، حيث يستند في إثبات ولاية الفقيه وحدودها الى مقبولة عمر بن حنظلة، وهي الرواية المعروفة التي اعتمد عليها الفقهاء الذين سبقوا الكركي في اثبات جواز تصدي الفقيه للقضاء.
وحتى بعد قيام الدولة الصفوية الشيعية في إيران في القرن العاشر الهجري وتأييد الشيخ الكركي لها وإعطائها اجازة شرعية بالحكم من خلال نيابته العامة عن الإمام المهدي، فقد كان هناك تيار قوي بين علماء الاثني عشرية يعارض قيام الدولة الصفوية كما يرفض نظرية النيابة العامة ويتمسك بنظرية الانتظار معتبراً التجربة الصفوية - الكركية انقلاباً على أسس النظرية الإمامية من حيث اشتراط العصمة والنص في الإمام، واغتصاباً لدور الإمام المهدي. لكن قيام الدولة الصفوية، وما رافقه من نهوض اجتماعي وسياسي للشيعة في ايران، وفر الظروف المناسبة لبحث مسألة الحكم والدولة في الفقه الاثني عشري.
أما أول فقيه بحث بالتفصيل في مسألة ولاية الفقيه وجعل منها مسألة فقهية مستقلة، وأقام عليها الدليل العقلي والأدلة النقلية فهو الشيخ أحمد النراقي ت 1248 ه، فقيه العصر القاجاري، في كتابه "عوائد الأيام" حيث يشير الى مسألة ولاية الفقيه للمرة الأولى بصورة يمكن اعتبارها جزءاً من الفكر السياسي. فقد رأى النراقي ان للفقيه ما للإمام المعصوم من الوظائف والأعمال في مجال الحكم والإدارة والسياسة، وهو تحوّل مهم في المذهب إذ منح الفقيه دور القيادة السياسية بعدما كان دوره مقتصراً على المرجعية الفقهية والدينية اي السلطة الشرعية من دون السلطة السياسية الزمنية.
لكن اتجاه ولاية الفقيه لم يستطع أن يصبح اتجاهاً عاماً وعملياً عند الاثني عشرية بل بقي اتجاهاً محدوداً ونظرياً، فيما ظهرت نظريات سياسية أخرى في موازاته هي نظرية "السلطنة المشروعة" التي تفصل بين الدين والدولة حيث تمنح الفقيه السلطات الشرعية الدينية من قبيل الأمور الحسبية من ادارة الأموال الشرعية والقضاء والفتيا في مقابل الاعتراف للسلطان المسلم ذي الشوكة بالسلطة السياسية أو الزمنية. كما ظهرت في أوائل القرن العشرين ميلادي نظرية "الحكومة المشروطة" مع الشيخ محمد النائيني ت 1355ه، التي واكبت ثورة الدستور في إيران عام 1905 ضد الشاه، وهي نظرية تدعو الى تحديد سلطات السلطان السياسي المستبد وتقييدها بالدستور أو "المشروطة" ومشاركة بعض الفقهاء في مجلس الشورى البرلمان الذي يقوم بسنّ القوانين والتشريعات لضمان عدم مخالفتها للشريعة الاسلامية ولمنع استبداد الحاكم المسلم.
بيد ان التحول الأبرز في الفقه السياسي الاثني عشري جاء مع الإمام روح الله الخميني ت 1989م، عندما أعاد إحياء نظرية ولاية الفقيه العامة وجعلها ولاية مطلقة واستطاع أن يأخذ بها الى حيّز التطبيق العملي عبر إقامة "الجمهورية الإسلامية" في إيران عام 1979 بعد انتصار الثورة على الشاه محمد رضا بهلوي. وذهب الخميني الى أن صلاحيات الفقيه هي صلاحيات الإمام المعصوم نفسها فقال: "للفقيه العادق جميع ما للرسول والأئمة ع، مما يرجع الى الحكومة والسياسة".
وقد دمج نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية بين نظريتي "المشروطة" و"ولاية الفقيه" حيث كان دور الولي الفقيه عند وضع الدستور الأول للجمهورية أقرب الى الدور الاشرافي فيما كان الدور التنفيذي للحكومة المنتخبة من جانب الشعب، وكان الدور التشريعي لمجلس الشورى المنتخب أيضاً. ولكن بعد نحو عقد على قيام "الجمهورية الإسلامية" في إيران عُدِّل الدستور وعُززت صلاحيات الولي الفقيه وأصبح دوره تنفيذياً كذلك وسلطاته مطلقة لا يقيّدها حتى الدستور.
وقد تعرضت نظرية ولاية الفقيه المطلقة لنقد شديد من عدد كبير من الفقهاء والعلماء والباحثين. ويرى المعارضون لهذه النظرية أن أدلتها النقلية ضعيفة، لضعف سندي مقبولة عمر بن حنظلة، ومشهورة أبي خديجة، ولأن دلالتيهما قاصرتان عن إثبات النيابة العامة، إذ يمكن الإفادة منهما هو ضرورة اختيار الشيعة الحكام القضاة العدول أو تعيين من الإمام الصادق لكل فقيه أو راوٍ، وليس اعطاؤه النيابة العامة للحكم بدلاً منه، وهو ما جعل النراقي والخميني وغيرهما يلجأون الى دعم نظرية ولاية الفقيه بالأدلة العقلية مثل الاستعانة بدليل الحسبة والضرورة والإجماع والأخبار المستفيضة العامة لتبرير هذه النظرية.
وقد رفض عدد من العلماء المحققين نظرية ولاية الفقيه المطلقة بسبب ضعف أدلتها النقلية. فناقش الشيخ مرتضى الأنصاري 1216ه في كتاب المكاسب أدلة القائلين بالولاية العامة للفقيه فاستعرض الروايات العامة التي يستدلون بها وأنكر دلالتها على هذه النظرية وحدد دلالاتها في موضوع الفتيا والقضاء فقط. كما رفض السيد أبو القاسم الخوئي ت 1994م نظرية ولاية الفقيه المبنية على نظرية النيابة العامة، وقال: "ان ما استدل به على الولاية المطلقة في عصر الغيبة غير قابل للاعتماد عليه، ومن هنا قلنا بعدم ثبوت الولاية له إلا في موردين هما الفتوى والقضاء". واعتبر الخوئي ولاية الفقيه ولاية خاصة ومحدودة بالأمور الحسبية الضرورية التي لا بد من وقوعها في الخارج. أما الولاية العامة المطلقة أي السياسية فهو لا يعتبرها من الأمور الحسبية الضرورية لأنه لم يجد في الروايات الخاصة والعامة سنداً قوياً للقول بولاية الفقيه المطلقة في عصر الغيبة، كالولاية الثابتة للنبي والأئمة، فقال: "إنها لم تثبت بدليل أنها مختصة بالنبي والأئمة". وناقش آية الله حسين المنتظري الخميني في دلالة مقبولة عمر بن حنظلة والأحاديث الأخرى على النصب والجعل والتعيين، مشيراً الى أنها تدل على الانتخاب، ولا يصح الاستدلال بها لإثبات الولاية المطلقة بالنصب.
* باحث وصحافي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.