أرجو قبل أن أبدأ أن يعفيني القراء المسلمون المتدينون من آرائهم الدينية، فموضوعي اليوم هو تعليق سياسي على أساس المعروف والمقبول من التاريخ القديم كما يُعلَّم في جامعات العالم، وكما درسته أنا في جامعة جورجتاون الأميركية ودرسه ابني في جامعة أكسفورد الإنكليزية. وأنا مؤمن وأقبل أن يحاسبني ربي لا أي قارئ. عاد الإسرائيليون من عطلة عيد الفصح اليهودي، وعادوا الى الدجل والتلفيق والكذب على الله وعباده، فعيد الفصح الذي يتبعه عيد الفطير يحتفي بخروجهم من «بيت العبودية» في مصر بحسب سفر الخروج، وبقائهم 40 سنة في سيناء قبل أن ينتقلوا الى أرض كنعان، أي فلسطين، ويقتلوا الرجال والنساء والأطفال حتى الرضع، بحسب سفر يشوع، وهو ما يفعلون اليوم أيضاً. أقبل الدين بنصّه، ومن دون جدال، غير أن موضوعي يتوكأ على التاريخ (والجغرافيا) لا الدين فأقول إن اليهود يحتفلون بشيء لم يحدث، فلا أثر تاريخياً على الإطلاق يثبت أنهم أقاموا في مصر ولا أثر في سيناء، مع العلم أن موشي دايان وعلماء الآثار اليهود فتشوا 13 سنة في سيناء بعد احتلالها ولم يجدوا أثراً لأي يهود. (وهم لا يزالون يفتشون عن أثر في القدس ولا يجدونه وقد كتب بعضهم معترفاً بذلك). ربما كنت تجاوزت الموضوع كله، بل إنني تجاوزته الشهر الماضي، ثم قررت أن أعود إليه مع عودة الصحف الإسرائيلية بعد انقطاعها خلال عيدهم. الشهر الماضي نشرت مجلة جريدة «الصنداي تايمز» موضوعاً كتبه جوناثان فورمان شغل ست صفحات مع صور كثيرة ينتقد فيه منظمة مراقبة حقوق الإنسان التي تعمل من نيويورك لأنها تنتقد إسرائيل. وقبل يومين عادت الصحف الإسرائيلية التي أقرأها مترجمة الى الإنكليزية ووجدت في أول صفحة من التقرير اليومي حملة من بن - درور يميني في «معاريف» على منظمة العفو الدولية ومقرها لندن، أيضاً لأنها تنتقد إسرائيل. العالم كله ينتقد إسرائيل فهي قامت على سرقة أراضي الفلسطينيين ولا يزال الفاشيست في حكومة الجريمة الإسرائيلية يسرقونها اليوم، غير أن العطف السابق على ضحايا المحرقة تلاشى بعد أن أصبحوا يرتكبون جرائم نازية بحق الفلسطينيين، ويسمون المقاومة إرهاباً، وهم أبو الإرهاب وأمه وأول من أطلق إرهاباً في الشرق الأوسط، ولا يزالون يمارسونه. عندما تنتقد الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل، وعندما تنتقدها لجنة حقوق الإنسان، ومعها وزراء اسكندينافيون، وكنائس مسيحية من أميركا وأوروبا لا يستطيع نازي جديد أو ليكودي متنكر في ثوب المحرقة أن يقول إن إسرائيل وحدها على حق والعالم كله على خطأ. مرة ثانية أو ثالثة، ربما كنت تجاهلت الموضوع على رغم وقاحة الاعتذاريين لإسرائيل الذين ينتقدون العالم كله، ويرفضون انتقاد دولة محتلة مجرمة، لولا أن تحقيق جوناثان فورمان ورأي بن - درور يميني التقيا في نقطة لافتة، فالأول قال إن مارك غارلاسكو أعفي من عمله في منظمة مراقبة حقوق الإنسان بعدما تبين أنه يجمع مخلفات تعود الى الرايخ الثالث والنازيين، والثاني قال إن ريتا ساغال أُوقفت من عملها في منظمة العفو الدولية لأنها اعترضت على تعامل المنظمة مع مُعظم بيغ المرتبط عقائدياً مع طالبان. هل هو توارد خواطر أو توارد مصادر بين التحقيق والمقال، أو هو اغتراف الكاتبين من حوض الفجور الإسرائيلي المشترك؟ بأوضح عبارة ممكنة أقول إنه لو كان في منظمة مراقبة حقوق الإنسان ألف غارلاسكو بدل واحد، ولو كان في منظمة العفو الدولية ألف بيغ بدل واحد، لبقيت إسرائيل دولة احتلال وجريمة وقتل، قامت على سرقة أراضي الفلسطينيين، ومثل ذلك حديث يميني عن قتل وقطع أيدٍ، فكل هذا لا يلغي جرائم إسرائيل. نشرة الصحف الإسرائيلية نفسها ضمت بعد مقال بن درور يميني الوقح الذي احتفل مع سكان مستوطنة معالي أدوميم بمناسبة ميمونا، وهي خرافة أخرى، بإعلان «سنستمر في البناء في القدس». هم يبنون للفلسطينيين فالأرض ستعود الى أصحابها، وإسرائيل كلها بؤرة استيطانية غير شرعية، حتى تقوم دولة فلسطينية مستقلة تعطيها صك الشرعية، ولا توجد بالتالي «مستوطنات غير شرعية» أو «بؤر استيطانية»، لأنه كله غير شرعي في وجه شرعية الحق الفلسطيني ورأي العالم، الجديد، في إسرائيل. ونقطة أخيرة، فقد سجل جوناثان فورمان في بداية تحقيقه أن منظمة مراقبة حقوق الإنسان هي واحدة من اثنتين تعتبران الأهم في الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم، والثانية هي منظمة العفو الدولية. هما كذلك لأنهما تنتقدان إسرائيل كما تستحق وتنتقدان الدول العربية، كما تستحق أيضاً، وجريمة إسرائيل النازية أكبر، من الكذب على الله وعباده وحتى قتل النساء والأطفال اليوم. [email protected]