شنّت مروحيات أميركية غارات أمس الثلثاء على مواقع يُشتبه في أن أعضاء في تنظيم "القاعدة" يختبئون فيها في الصومال، بعد أقل من يوم من هجومين جويين آخرين قامت بهما القوات الخاصة الأميركية ضد مخابئ مزعومة لمقاتلي تنظيم أسامة بن لادن في هذا البلد المضطرب في القرن الافريقي. وقال مسؤول في وزارة الدفاع الصومالية تحدث شرط عدم كشف اسمه ان المروحيات الأميركية كانت تحاول صباح أمس قتل متشددين إسلاميين في مدينة أفمادو التي تبعد 350 كلم جنوب غربي العاصمة مقديشو. وقال النائب الصومالي عبدالقادر دقاني لوكالة أسوشييتد برس إن 27 شخصاً قتلوا في الهجوم و"بينهم عريسان تزوجا حديثاً". وذكر شهود أن المروحيات فتحت النار على الطريق المؤدي إلى الحدود الكينية، لكن لم يمكنهم مشاهدة العلامات المكتوبة على الطائرات لتحديد هويتها، وهل هي أميركية فعلاً أم اثيوبية. وتردد أن الاثيوبيين نشروا في مطار مدينة كيسمايو في جنوب البلاد طائرات ميغ ومروحيات قتالية. وكانت القوات الخاصة الأميركية شنّت غارتين الإثنين على مخابئ مزعومة لصوماليين يحمون متهمين بالتورط في تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في شرق افريقيا عام 1998. وقال مسؤولون صوماليون إن الغارتين اللتين نفّذتهما طائرات"أيه سي - 130"، جاءتا بعد رصد إرهابيين مشتبه فيهم يختبئون في جزيرة نائية في أقصى جنوبالصومال قرب الحدود مع كينيا. وقصف الأميركيون الجزيرة وموقعاً آخر يبعد 250 إلى الشمال منها. وهذا العمل العلني الأول للقوات الأميركية في الصومال منذ انسحابها المذل منه في بداية التسعينات إثر مقتل 18 جندياً في اشتباك مع ميليشيات صومالية في مقديشو خلال"عملية إعادة الأمل"للأمم المتحدة. وفي دليل آخر على تورط الأميركيين أكثر في الصومال، أعلنت القيادة العسكرية الأميركية أمس ان حاملة الطائرات"دوايت ايزنهاور"وصلت إلى قبالة السواحل الصومالية للالتحاق بثلاث قطع حربية أخرى - هما فرقاطتان مزودتان صواريخ موجهة وسفينة إنزال - تشارك في"عمليات ضد الإرهاب". وتسعى القطع الأميركية إلى اعتقال أعضاء في"القاعدة"يحاولون الفرار من الصومال الذي دخلته القوات الاثيوبية في 24 كانون الأول الماضي لمساندة الحكومة الانتقالية. وشوهدت طائرات هليكوبتر أمس تشن غارات جديدة قرب المواقع التي استهدفتها الغارات الأميركية أول من أمس. وفي مقديشو، قال الرئيس الصومالي الانتقالي عبدالله يوسف أن الولاياتالمتحدة"لها الحق في قصف الإرهابيين المشتبه فيهم الذين هاجموا سفارتيها في كينيا وتنزانيا"، في حين قال نائب رئيس الوزراء حسين عيديد لوكالة أسوشييتد برس إن الولاياتالمتحدة"تتمتع بتأييدنا الكامل في الهجوم". لكن آخرين في العاصمة الصومالية اعتبروا أن الهجمات ستزيد فقط من المشاعر المعادية للأميركيين في هذا البلد، علماً أن كثيرين من الصوماليين يكرهون الاثيوبيين الذين دفعوا بمئات الجنود الى الصومال للدفاع عن الحكومة الانتقالية الضعيفة. واضطرت"المحاكم الإسلامية"إلى الانسحاب من مقديشو والمناطق التي كانت تسيطر عليها في جنوبالصومال في وجه القوات الاثيوبية المدعومة بالدبابات والطائرات. وقال الرئيس يوسف، الذي عاد إلى العاصمة الصومالية الاثنين للمرة الأولى منذ توليه السلطة قبل سنتين، إن قادة"المحاكم"لن يُسامحوا وان الحوار معهم ليس خياراً لحكومته. واستهدفت الهجمات الأميركية بعد ظهر الاثنين جزيرة بادمادو وهي منطقة صغيرة تُعرف أيضاً باسم رأس كامبوني ويُشتبه أن فيها قاعدة لتدريب المقاتلين. وحاصرت القوات الاثيوبية والصومالية الإسلاميين في الأيام الماضية قرب رأس كامبوني، في حين جابت البحرية الاميركية سواحل المنطقة لاعتقال الإسلاميين المنسحبين منها، وشددت القوات الكينية حراستها على الحدود لمنعهم من التسلل اليها. وقال شهود أن ما لا يقل عن أربعة مدنيين، بينهم صبي صغير، قُتلوا في هجوم أميركي آخر على قرية هايي التي تبعد 50 كلم غرب أفمادو. ولم يمكن التحقق من هذه المزاعم من مصدر مستقل. وقال محمد محمود بورالي لوكالة أسوشييتد برس هاتفياً:"قُتل ابني البالغ أربع سنوات في الهجوم ... سمعنا 14 انفجاراً قوياً". وطائرة ال"أيه سي - 130"مزودة مدافع من عيار 40 ملم يمكنها إطلاق 120 طلقة في الدقيقة، ومدافع من عيار 105 ملم تُستخدم في العادة للقصف الأرضي. والنسخة الأحدث من هذه الطائرة التي تُعرف باسم"سبوكي"مزوّدة أيضاً مدفع"غاتلينغ"عيار 20 ملم. وقال عبدالرحمن ديناري الناطق باسم الحكومة الصومالية:"لا نعرف عدد القتلى في الهجوم لكن سمعنا بإصابات كثيرة ... معظمهم مقاتلون إسلاميون". وقال مسؤولون أميركيون إن متشددين لهم علاقة بتنظيم"القاعدة"يديرون معسكر تدريب في رأس كامبوني وإن أعضاء في"القاعدة"زاروه. وتفيد شهادة أحد المتهمين المدانين بتفجير سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام عام 1998 أن"العقل المدبر"للهجمات فضل عبدالله محمد من جزر القمر فر إلى رأس كامبوني بعد تفجير السفارتين. ويُعتقد أن هدفاً آخر للأميركيين هو"أبو طلحة السوداني"أحد المشتبه في تورطهم في قضية السفارتين وفي هجمات أخرى ضد أهداف اسرائيلية في كينيا. وفي بروكسيل أ ف ب، قال امادو التافاج الناطق باسم المفوض الاوروبي للتنمية لوي ميشال ان الهجمات الجوية الاميركية في الصومال لن تساعد على تحسين الوضع"على المدى الطويل"في هذا البلد. واضاف"ان ذلك يؤكد ان النزاع في الصومال سيدوم طويلاً"، مبدياً تخوفه من تدهور الوضع الى"سيناريو صدام بين الديانات والحضارات". وتابع"ان الشيء الوحيد الذي يمكن ان يرسي الأمن هو انسحاب القوات الاثيوبية بأسرع وقت ممكن وتشكيل قوة دولية للاشراف على وقف اطلاق النار".