سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اعتبروا ان "هناك جماعات تتفرد بالقرار فتأخذ لبنان الى حيث لا يريد" . المطارنة الموارنة : التوازن السياسي مفقود والطموح الى الرئاسة يقتضي التجرد والتضحية
وجّه مجلس المطارنة الموارنة، بعد اجتماعها الدوري، برئاسة البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، نداء سابعاً الى اللبنانيين، لاحظ فيه"ان التوازن السياسي الذي تقوم عليه صيغة العيش المشترك فقد، بحيث شعر المسيحيون بأن مشاركتهم في مصير البلد أصبحت هامشية نتيجة غياب دور الرئاسة الأولى، التي يعتبر مالئها راعياً للحياة السياسية وحكماً بين اللبنانيين". وحدد مواصفات الذين"يطمحون الى تبوؤ منصب الرئاسة الأولى بأن يكونوا كفوئين، وذوي خبرة ومتجردين ومتعالين عن الصغائر وأصحاب تضحيات في سبيل خدمة المواطنين". ورأى النداء"ان هناك جماعات تتفرد بالقرار فتأخذ البلد الى حيث لا يريد، وهذا ما تكرر غير مرة"، واعتبر ان خلال"اقل من نصف قرن دفع الوطن من أمنه وازدهاره وراحة ابنائه ثمن تفرد هذه الطائفة او تلك الفئة من اللبنانيين بالقرار، فيما القرار يعود الى الدولة وحدها التي تمثل جميع اللبنانيين". ودعا النداء"ابناءنا واخواننا اللبنانيين، ونخص من بينهم ابناء الجنوب، الى تجديد ثقتهم ببلدهم الصغير الذي وصف بأنه نموذج للديموقراطية والعيش المشترك بين مسلمين ومسيحيين". وأكد"ان الدولة وحدها تبعث الثقة والطمأنينة في نفوس المواطنين"، معتبراً"ان الاستقواء بالخارج، أياً يكن، يؤدي حتماً الى خراب الداخل". وتلا المونسنيور يوسف طوق"النداء السابع"وفيه:"دأبنا منذ عام 2000 على اصدار نداء في مثل هذه الأيام، نتوجه فيه الى ابنائنا واخواننا اللبنانيين، ونخص من بينهم المسيحيين، لنعرض معهم الحالة الاجتماعية والسياسية التي كنا نواجهها جميعاً، عاماً بعد عام، من تلك الأعوام الستة، في كل نداء، كنا نحاول ان نشدد العزائم المتراخية، ونبعث الأمل المتلاشي في نفوس اللبنانيين امام ما يعترض سبيلهم من صعوبات، خصوصاً امام الشعور باليأس من أنهم في بلدهم لا يملكون أمر تدبير شؤونه، وان هناك يداً فوق يدهم، تتصرف بمقدراته، وتأخذهم الى حيث لا يريدون، ونحمد الله على ان هذا الشعور خف، بعدما زالت الهيمنة التي كانوا يشكون منها في معظمهم، وان كان هناك من لا يزال يحن الى تلك الأيام، يقيناً منه انها قد تعيده الى سابق عهده في السلطة". وتحت عنوان"المشاكل الوطنية"، عدد النداء"فقدان المشاركة الوطنية"، وقال:"نرى ان هناك مشاكل عديدة تشعرنا جميعاً بأننا، على رغم زوال الهيمنة، لا نزال نعاني مما لم نكن نتوقعه من قضايا برزت على الساحة اللبنانية، وهي هذا الانقسام في الصفوف الذي فرز اللبنانيين الى فئات متصارعة، تارة بطريقة خفية، وطوراً بطريقة سافرة، وكل فئة تزعم انها تريد الخير للبنان، ولكنها في الواقع الملموس، يبدو انها تبتغي خيرها الفئوي اكثر مما تبتغي خير جميع اللبنانيين، وهذا مرض عضال يجب التخلص منه، اذا كنا نريد ان نبقي بلدنا آمناً، مطمئناً، مزدهراً. وتظهر عوارض هذا المرض في موقع السلطة الرئيسية، ولا سيما في المرحلة الخطيرة التي يجتازها البلد، والتي فقد فيها التوازن السياسي الذي تقوم عليه صيغة العيش المشترك بحيث شعر المسيحيون خلالها بأن مشاركتهم في مصير البلد أصبحت هامشية، نتيجة غياب دور الرئاسة الأولى، التي يعتبر مالئها راعياً للحياة السياسية، وحكماً بين اللبنانيين". وجاء في النداء:"كم يحزّ في نفوس اللبنانيين، وبخاصة المسيحيين الموارنة بينهم، تجاهل المسؤولين الدوليين وكل القيادات السياسية في البلد هذه الرئاسة، التي أفقد تجاهلها البلد ما يحتاج إليه من توازن سياسي يشكل عامل اطمئنان أساسياً لكل اللبنانيين. وهذا وضع يفقد مع الزمن موقع الرئاسة الأولى ما لها من هيبة وفاعلية، وتقتضي معالجته". وحدد المشكلة الثانية ب"الأنانية الفردية"، واعتبر ان"المصلحة الوطنية العليا تتحقق في ايلاء مراكز المسؤولية في البلاد من يتحلون بالجدارة بحيث يعودون الى قاعدة التنافس الديموقراطي عليها، بدلاً من التسابق والتطاحن عليها. لهذا، على الموارنة الذين يعود اليهم منصب الرئاسة الاولى ان يتلزموا أصول التنافس عليه، شرط ان ينحصر في مرشحين يتمتعون بصفات ومؤهلات وخبرات وتضحيات وقدرات معنوية وخلقية تؤهلهم لهذا المنصب". واذ اقر النداء بأن"الطموح صفة بشرية، طبيعية، مستحبة"، اعتبر ان"شرطه ان يكون لصاحبه من الصفات ما يؤهله لما يطمح اليه من مناصب، وخصوصاً الا يجعل من الرئاسة مطية يسهّل على ذوي الغايات والمآرب- أشخاصاً كانوا، ام فئات، أم بلداناً - استعمالها لمصالحهم الخاصة، وليس لمصلحة البلد وجميع أبنائه، والا يسخر ما تتمتع به الرئاسة من حصانة لمآرب تبعد كل البعد من مصالح اللبنانيين، الرئاسة منصب رفيع يقتضي ممن يدعى الى تبوئه الكفاية والخبرة، والتجرد، والتعالي عن الصغائر، والتضحية في سبيل خدمة المواطنين". الدولة ضحية التطاحن وحدّد المشكلة الثالثة بپ"الأنانية الفئوية"وقال:"هذه الأنانية نراها تفتك بالفئات والطوائف، فاذا كل منها، بدلاً من ان تتعاون وتتساند في سبيل اعمار الوطن وتعزيز شأنه، نراها تتزاحم وتتصارع في سبيل ما يعود عليها وعلى أفرادها، بالخير والفائدة، وكأن الوطن ملك لها، ولا شريك لها فيه. وفي هذه الحال، تقع الدولة ومؤسساتها ضحية هذا التطاحن. فاذا بزعماء كل من هذه الطوائف يسعى الى حشد اكبر عدد ممكن من ازلامه ومحاسيبه في الوظائف، والدوائر الحكومية فوق حاجة الدولة، سواء كان كفؤا وأهلاً لهذه الوظيفة، أم لم يكن، شرط ان يكون ابناً لطائفته، وان يدين بالولاء لمن عيّنه في وظيفته، وهذا مفسدة للأخلاق، وللوظيفة، وتدمير المؤسسات الحكومية وتعزيز للمحسوبيات. ولبنان محسود على انه وطن الأقليات التي تتعايش بأمان وسلام ومحبة، على اختلاف المذاهب والأديان، بحيث - على ما هو مفترض - تسعى كل منها الى الخير الوطني المشترك، فيما نرى ان العالم ينقسم الى فئات دينية ومذهبية تتصارع، ويوقع بعضها بالبعض الآخر، ويقوم بما رأيناه من تفجيرات تودي دفعة واحدة بمئات الناس الأبرياء، وتشيع الخوف في بلدان عديدة، كبيرها وصغيرها، وهذا ما يجعل الناس في خوف دائم على أمنهم، وراحتهم، وحياتهم. وان ما يغذي هذه الحال من الخوف قيام جماعات ارهابية في بعض البلدان لا تتورع عن قتل الأبرياء والمدنيين، وهي يطيب لها الانتحار بلوغاً الى مآرب مرغوب فيه، على ما يؤكد بعض العارفين". التفرد بحمل السلاح اما المشكلة الرابعة التي تحدث عنها النداء فهي"التفرد بالقرار"وقال:"في لبنان ثماني عشرة طائفة، ولكل منها ما لسواها من حقوق وواجبات، على ما نص عليه الدستور اللبناني، هذا من الوجهة القانونية، ولكن في الواقع، نرى ان هناك جماعات تتفرد بالقرار فتأخذ البلد الى حيث لا يريد، وهناك تكون الطامة الكبرى، وهذا ما تكرر غير مرة. وكلما انفردت جماعة طائفية بموقف له عواقبه على البلد، جرت الوبال عليه، والأمثلة كثيرة، وتكررت على الأقل اربع مرات في مدى نصف قرن في هذه الأعوام الأخيرة، اولاً، في عام 1958 ابتدأت سلسلة تفرد بعض الجماعات بالقرارات الوطنية متنقلة من توجه جماعة مؤيدة لحلف بغداد ومشروع ايزنهاور، ما أدى الى الانفجار الأول. وفي فترة لاحقة، اتخذت غيرها موقفاً اعتبرت معه المنظمات الفلسطينية جيشاً لها، وأباحت للكفاح الفلسطيني أرض لبنان على حساب سيادة الوطن، فكان الانفجار الثاني، واخيراً انفردت جماعة لبنانية باستمرار حمل السلاح بعد تحرير معظم الجنوب عام 2000، خلافاً لأحكام اتفاق الطائف المنعقد عام 1989. وتحولت الى تنظيم ديني وعسكري وسياسي، فكانت الحرب في 12 تموز يوليو 2006، وفي كل الحالات المذكورة كانت هناك دول، اما كبرى، واما اقليمية، تتدخل في الشأن اللبناني وتشد أزر هذه او تلك من الطوائف. وفي كل المرات، وما تشعب عنها من احداث خطيرة في خلال اقل من نصف قرن، دفع الوطن من أمنه وازدهاره وراحة أبنائه ثمن تفرد هذه الطائفة، او تلك الفئة من اللبنانيين بالقرار، فيما القرار يعود الى الدولة وحدها التي تمثل جميع اللبنانيين. وهذا أمر متعارف عليه في جميع دول العالم، خصوصاً متى كان الأمر يتعلق بالحرب والسلم". ظواهر مشجعة وانتقل النداء الى تصوير"ما نحن عليه اليوم"وقال تحت عنوان"التضامن"ان"العاصفة التي مرت بلبنان تركت فيه خراباً قد لا يتمكن من إصلاحه إلا بعد أعوام طويلة، واضراراً قدرت بخمسة عشر بليون دولار اميركي وتزيد، ناهيكم بالخسائر بالأرواح، ومن بينها اطفال في عمر الورود، اضافة الى تشريد سكان قرى ومدن بكاملها، فتركها ابناؤها، وعندما قيض لهم ان يعودوا إليها بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من المعارك الضارية وجدوا ما لا يقل عن خمسة عشر الف مسكن اصبحت أثراً بعد عين، ولا جسور طرقات، ولا اسلاك هاتف وكهرباء، والبلد يخضع بكامله لحصار بحري وجوي وأرضي متواصل، مع ما في ذلك من استمرار اعتداء على سيادته وشعور بالاذلال والمهانة. ولكن ما يدخل بعض العزاء الى قلوب اللبنانيين، انهم واجهوا العدوان والمحنة متكافلين، متضامنين، واحتضن ابناء المناطق التي لم تصب بقصف، اخوانهم اللبنانيين من أبناء كل الطوائف، فتجلت الأخوة اللبنانية بأبهى مظاهرها، وشعر المنكوبون بما يربطهم باخوانهم اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية، من روابط وطنية لا تقوى عليها التجارب والمحن، وقاسموهم الطعام والشراب، والهموم، والآمال، فأحسوا بأنهم أبناء وطن واحد". ولفت النداء الى"ظاهرة مشجعة"وهي مساهمة بعض الموسرين في دفع اكلاف الجسور المهدمة، منوهاً بالمساعدات العربية والدولية. هجرة الشباب وسجل النداء ايضاً"اهتزاز الثقة"واوضح انه"كان من نتائج هذه الحرب على لبنان ان العديد من اللبنانيين غادروا بلدهم، ومعظمهم من الشبان ذوي الكفاءات العلمية، وفي القلب غصة، وفي العين دمعة، ربما الى غير عودة، وهم لا يمكنهم ان يواجهوا كل عشر سنوات خراب ما بنته أيدي آبائهم، وضياع ما جنته جهودهم". وحدد النداء عنوانين لما"نصبو اليه"، وقال:"أولاً، ترميم الثقة المفقودة، ان الوضع الحالي، على قساوته، لا يمكنه ان ينال من صلابة اللبنانيين، ومن راجع تاريخ لبنان، تبين له ان هذا البلد الصغير ما عاش أبناؤه يوماً في راحة، فهم كانوا ولا يزالون موضع تجاذب جيرانهم واخوانهم، ومحط طموحاتهم ومطامعهم. لقد استصغروه واستهانوا به، وتجاهلوا قدره، ولكنهم ما لبثوا ان ندموا على ما فعلوا به، وكان لهم الجامعة والمنتدى الأدبي، والمستشفى، والإبداع الفكري والشعري. لذلك، ندعو ابناءنا واخواننا اللبنانيين، ونخص من بينهم أبناء الجنوب الى تجديد ثقتهم ببلدهم الصغير الذي وصف بأنه نموذج للديموقراطية والعيش المشترك بين مسلمين ومسيحيين، في ايام فرز الارهاب فيها الناس الى مطاردين ومطاردين، يتعقبون بعضهم بعضاً خوفاً من ايقاع الأخيرين بالأولين، وهؤلاء بأولئك، وقد جعلوا من هذا العالم جحيماً، فيما أراده الله لهم مكان راحة وطمأنينة وسلام، في انتظار ان يدعوهم اليه ليشاطروه سعادته في العالم الآخر". دور الدولة والتناوب على السلطة وشدد النداء على"مرجعية الدولة"، وقال:"الدولة وحدها تبعث الثقة والطمأنينة في نفوس المواطنين، والذين يسيّرون أمورها هم الذين ينتخبهم مجموع الشعب ليتولوا التشريع، وسن القوانين، وإبرام المعاهدات، وما سوى ذلك من شؤون، والمجلس النيابي، الذي يفترض ان يكون نتيجة عمليات انتخابية تجرى وفق الأصول، يمثل اتجاهات الشعب اللبناني على اختلافها وتنوعها، ويجب ان يكون هناك تناوب على السلطة، وفق ما يراه الناخبون الأحرار، ويجب ان يرسخ في أذهان اللبنانيين انه ليس لهم منقذ الا الدولة القوية العادلة، التي يتناوب على تولي السلطة فيها رجال ونساء ذوو كفاية أخلاقية، وعلمية ووطنية، فوق كل شبهة". وتمنى ان يقتنع الشعب اللبناني"بما انتهجه من تقدمه من اللبنانيين في مستهل عهد الاستقلال، فكان لهم كتلتان انضم اليهما كل اللبنانيين من جميع المذاهب والمشارب، وكانت كل منها تتولى الحكم بدورها عندما تدعوها الظروف الى توليه. ونأمل بأن تكون هذه التجارب المتكررة علمتنا ان ما يجب ان نجعل اعتمادنا عليه انما هو الدولة، لا الدويلات، والدولة القائمة على أسس متينة بحيث تكون مسؤولة عن جميع أبنائها". ونبه النداء الى"ان الاستقواء بالخارج، أياً يكن، يؤدي حتماً الى خراب الداخل، والأمثلة كثيرة، وماثلة للعيان". ودعا"هذه الدولة الى ان ترعى جميع ابنائها بالتساوي، فلا تفضل ابناء طائفة على أخرى، فيحفظ حق كل ابنائها وطوائفها في المشاركة الحقيقية الفاعلة في السلطة، وتفتح ابواب التوظيف في ادارتها للجميع بدون تمايز او تفضيل. وهذا ما يفضي الى تفادي فتنة طائفية، وحمل المحرومين او المنبوذين على الانكفاء او الهجرة". وناشد الدولة"ان تأخذ مسؤوليتها كاملة تجاه جميع ابناء الجنوب المنكوب وتعمل على تنميته وانشاء المشاريع الاقتصادية والتنموية التي تثبت ابناءه في أرضه...". مسافة واحدة من الجيران وشدّد النداء على ان"اصبح من واجب اللبنانيين على اختلاف المذاهب والمشارب، ان يلتفوا على جامع مشترك، وهو الانكباب على وطنهم لبنان لتضميد جراحه، واعادة بنائه، على قواعد ثابتة، بعيداً من احقاد ومطامع صغيرة، فلبنان خرج لتوه من محنة قاسية جداً جعلته محط اهتمام المجتمع الدولي، الذي وقف الى جانبه لمساعدته على وقف الاعتداء عليه، ووقف حمام الدم الذي كان مسرحه. لبنان هذا يحتاج اليوم الى الإفادة من جو الاحتضان الدولي وتكريسه من خلال التزامه تنفيذ ما نصت عليه القرارات الدولية، ولا سيما ان تنفيذها سيؤدي الى استكمال تحرير اراضيه من الاحتلال، وبسط سيادته الوطنية على كامل ترابه الوطني، وبواسطة قواته الأمنية الشرعية، القادرة على حماية الحدود من اي اعتداء عدو، وعلى حماية صيغة العيش المشترك، وبناء الدولة الديموقراطية القادرة والعادلة. الا ان تحقيق ذلك يقضي أن يكون ابناؤه على مسافة واحدة من جميع جيرانه وأصدقائه، ولا يجوز لطوائفه ان تدين بالولاء لهذا البلد او ذاك، بحجة ان معظم أبنائه هم من أبناء دينها او ملتها. وعلى لبنان ان يحترم دستوره وقوانينه وأعرافه، وان يعرف ان كل تجاوز للدستور يتسبب له بخلل كبير، وكل امتهان للقوانين يوقعه في ارباك لا يعرف كيف يخرج منه، وكل خروج على الأعراف يجر عليه الوبال...".