أثار طلب الحكومة السودانية من الاتحاد الأفريقي سحب قواته المنتشرة في دارفور، نهاية الشهر الجاري، انقساماً حاداً بين شركاء الحكم. وحض الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الخرطوم على الامتثال للقرار الدولي، والقبول بنشر قوات دولية في الإقليم. لكن مسؤولاً رئاسياً قال أمس إن القوات الأفريقية،"يُمكن أن تبقى إذا مددت تفويضها شرط أن لا تنقل مهماتها إلى المنظمة الدولية"، وهي خطوة اعتبرت تراجعاً ضمنياً عن قرار مجلس الوزراء. واستدعت الخارجية السودانية أمس رئيس بعثة الاتحاد الافريقي في السودان السفير بابا كنغبي، وسلمته نسخة من قرار مجلس الوزراء إنهاء مهمة البعثة الأفريقية في دارفور بحلول نهاية الشهر. وأمهلته أسبوعاً للرد وتأكيد ما إذا كان الاتحاد سيسحب قواته أم سيمدد تفويضها. وأكد الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل، مستشار الرئيس السوداني، في مؤتمر صحافي أمس أن حكومته ستسمح ببقاء القوات الافريقية في الإقليم، إذا مدد الاتحاد التفويض الممنوح لها بعد 30 أيلول سبتمبر الجاري، على أن لا تكون ضمن قوة تابعة للأمم المتحدة. وقال إن قرار مجلس الوزراء جاء رداً على إعلان الاتحاد عجزه عن الانفاق على القوة البالغ عديدها سبعة آلاف فرد بعد انتهاء تفويضها. وأضاف أن"تسليم مهمة الاتحاد في دارفور إلى الاممالمتحدة يهدف الى تغيير نظام الحكم". واعتبر ان قرار مجلس الامن الرقم 1706 لم يترك شيئاً للحكومة من سلطاتها، فهو"يُسند مهمات مراقبة الحدود وحماية المدنيين وانشاء جهاز قضائي مستقل إلى القوات الدولية... ماذا سيتبقى بعد ذلك للحكومة؟". وأضاف أن"الولاياتالمتحدة لها هدف واضح هو إضعاف الحكومة أو محاولة تغييرها ... ولن نقبل أن تتحول القوة الافريقية إلى جزء من قوة دولية". وفي المقابل دعا انان الخرطوم إلى الانصياع للقرار الدولي. وقال"لو كانت الحكومة السودانية قادرة على حماية شعبها لما كنا اليوم نبحث في ارسال قوات، لكن بما انها عاجزة عن ذلك فعليها ان ترضى بنشر قوات دولية ... من المؤسف أننا لم نحصل بعد على قبول السودان نشر قوات دولية في دارفور. الوضع في هذا الاقليم حساس ومؤلم". وطالب"السلطات السودانية بإعادة النظر في موقفها والعمل مع المجتمع الدولي". وجددت المفوضية الاوروبية أمس دعوتها السودان إلى القبول بنشر قوة دولية في الاقليم. وقال امادوي التفاج الناطق باسم المفوض الاوروبي للمساعدة الانسانية لوي ميشال"نأمل في ان تفهم السلطات السودانية ان هذه القوة الدولية مهمة، وانها ستساعد السكان في العودة وبدء حياتهم مجددا ... من الضروري الانتقال من القوة الافريقية الى القوة الدولية مع تفويض يعطي الاخيرة مزيداً من القدرة على التحرك على الارض". واعتبر أن على السودانيين"أن يطمئنوا الى انه لن يكون ثمة تغيير كبير بين القوة الحالية وتلك التي ستقودها الاممالمتحدة والتي ستكون قوة افريقية في شكل اساسي"، مشيراً إلى أن بروكسيل تواصل اتصالاتها مع المسؤولين في الخرطوم لاقناعهم. واضاف:"نتمنى ان يكون الحوار مثمراً، فهو لم ينته بعد". بيد أن روسيا انتقدت القرار 1706، لأنه أُعد من دون إجراء"مشاورات مناسبة"مع حكومة الخرطوم. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي في أديس أبابا لدى زيارته مقر الاتحاد الأفريقي:""كان ينبغي أن يتخذ القرار بالتوافق مع القاعدة الاساسية للامم المتحدة التي ترى أن مثل هذا القرار ينبغي أن يتم الاتفاق عليه مع حكومة السودان". وأضاف:"للأسف اتخذ القرار بتسرع ومن دون مشاورات متواصلة مع السودان، بينما كنا نحن والصين في مجلس الامن نأمل في استمرار المشاورات. غير أن ذلك لم يحدث". داخلياً، أعلن شريكا"حزب المؤتمر الوطني"الذي يتزعمه الرئيس السوداني عمر البشير، وهما"الحركة الشعبية لتحرير السودان"برئاسة سلفاكير ميارديت نائب الرئيس و"حركة تحرير السودان"بزعامة مساعد الرئيس مني اركو ميناوي، أنهما لم يستشارا في القرار وليسا جزءاً منه، وحذرا من عواقبه. ووصف ميناوي القرار بأنه"خرق لاتفاق السلام"الذي وقعه مع الحكومة فى ايار مايو الماضي، مضيفاً أن خطوة كهذه"تهدد بانهيار الاتفاق". وقال وزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء دينق الور إن المجلس لم يناقش في جلسته أول من أمس قرارا كهذا، موضحاً ان الرئيس البشير"قدم تقريراً إلى المجلس عن زيارة جينداي فريزر، مبعوثة الرئيس الاميركي جورج بوش، وختم حديثه بتناول انهاء نشاط البعثة الافريقية في دارفور وعزمه مخاطبة رئيس مجلس السلم والامن، وغادر بعدها القاعة من دون ان يخضع الامر لنقاش المجتمعين". وأضاف:"هذا ليس قرار مجلس وزراء ... والشركاء في حكومة الوحدة الوطنية ليسوا جزءاً من القرار الذي اذيع". واحتجت"الحركة الشعبية"في شدة على طريقة إعلان قرار مجلس الوزراء، مؤكدة أن"الأمر لم يخضع أصلاً للنقاش، وبالتالي لم يصل إلى مرحلة القرار". واعتبر الناطق باسم"الحركة الشعبية"ياسر عرمان أن القرار"يُعرض اتفاق السلام في دارفور للخطر كما يعرض علاقات السودان بالمجتمع الافريقي والدولي للخطر. فالقرار لم تجر في شأنه مشاورات مع شركاء في الحكومة مثل الحركة الشعبية وحركة تحرير السودان. حركتنا لا تريد إثارة مواجهة مع المجتمع الدولي". وقال رئيس الفصيل الرافض لاتفاق أبوجا للسلام في دارفور في"جيش تحرير السودان"عبدالواحد نور إن"قرار الحكومة طرد القوات الافريقية خطوة خطيرة ومتهورة وتعني إعلان الحرب". وشدد على رفضه خطة الحكومة تولي الأمن في الإقليم، متسائلاً:"كيف تقوم الحكومة بنشر قوات لحفظ الامن في دارفور ونحن نقاتل القوات ذاتها لانها متهمة بارتكاب جرائم حرب؟ هذا سيقود الى تفاقم المأساة، مما يحتم ضرورة الاسراع بنشر قوات دولية في اسرع وقت". إلى ذلك، قُتل طالبان وجُرح ما لا يقل عن عشرة آخرين أول من أمس في جامعة الفاشر، كبرى مدن شمال دارفور، عندما استخدمت الشرطة الرصاص وقنابل الغاز لتفريق ندوة نظمها مؤيدون لنشر قوات دولية من مناهضي اتفاق أبوجا للسلام. ودانت"حركة تحرير السودان"الاحداث التي حمّلت مسؤوليتها لحكومة ولاية شمال دارفور. وطالب الناطق باسم رئاسة الحركة محجوب حسين بإجراء"تحقيق فوري لمعرفة الجهة التي امرت باطلاق النار على الطلاب ومحاسبتها". واعتبر الحادث"ضد القانون والدستور والحريات". ودعا إلى إطلاق الطلاب الذين تم اعتقالهم. وأكدت القوة الأفريقية التي تراقب وقف النار في دارفور وقوع اشتباكات جديدة شمال الفاشر بين القوات الحكومية ومتمردي"جبهة الخلاص الوطني"، سقط خلالها نحو 20 قتيلاً مدنياً وتم تشريد نحو ألف، بحسب المسؤول الأفريقي المشرف على اتفاق السلام سام إيبوك. وقال الناطق باسم بعثة الاتحاد في الخرطوم نور الدين مازني إن التحقيق يجرى في القتال المستمر منذ نحو أسبوع في مناطق كلكول والصياح وأبو ساكري وجبر الكافور. لكن الناطق باسم الجيش الحكومي العميد عثمان الاغبش نفى ذلك، مؤكداً أن التحركات العسكرية للجيش"إدارية". وقال للصحافيين أمس إن"عناصر جبهة الخلاص الوطني لا تملك حق اتهام الجيش بخرق الهدنة بما انها لم توقع اتفاق وقف إطلاق النار، كما أنها لا تملك حق مراقبة مناطق بما أنها لم توقع اتفاق السلام". وفي القاهرة، هاجم البرلمان المصري القرار 1706، معرباً عن"دهشته البالغة"لصدور القرار استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. وقالت لجنة الشؤون العربية في البرلمان في بيان أمس ان القرار"يمثل اعتداءً صارخاً على السيادة الوطنية السودانية، وأن الموقف الغربي منه يظهر سوء النيات تجاه المنطقة العربية كلها".