"هل مات مبدأ بوش؟"هو عنوان مقال في مجلة"كومنتري"، من أبواق المحافظين الجدد، كتبه نورمان بودهورتز في عدد يحمل تاريخ هذا الشهر. جواب الكاتب في 30 صفحة هو لا، ما يغني عن الاستمرار في التعليق، غير انني أريد ان أقدم الى القراء اليوم نموذجاً آخر على تطرف أنصار إسرائيل ودفاعهم عنها، حتى وهي تقتل النساء والأطفال، ثم تحريضهم الإدارة الأميركية على سورية وإيران والسلطة الوطنية الفلسطينية، وكل عدو حقيقي أو متوهم لإسرائيل، فلا ولاء مزدوجاً هنا، وإنما ولاء واحد لإسرائيل على حساب أرواح الأميركيين ومصالحهم. كنت أقرأ مقال بودهورتز الطويل، وقد تذكرت مقالاً سابقاً له في المجلة نفسها كان يفترض بعد نشره أن ينزوي بودهورتز في زاوية خجلاً فلا يراه أحد أو يسمع به بعد ذلك. في سنة 1982 كتب هذا المتطرف الليكودي - الكديمي مقالاً عنوانه"أنا أتهم"مقلداً إميل زولا، وهو دافع بحماسة أو بذاءة عن غزو إسرائيل لبنان على رغم ما جره من مصائب على لبنان وإسرائيل نفسها، فاتهم الذين عارضوا الغزو الهمجي بأنهم"خانوا مصالح الولاياتالمتحدة، بل قيم الحضارة الغربية ككل". "القيم"التي يتحدث عنها بودهورتز انتهت بمجزرة صبرا وشاتيلا، وقرار لجنة كاهانا ان آرييل شارون لا يصلح لشغل منصب مسؤول واستقالته. وكاتب ذلك المقال المشين من الوقاحة أن يعود الينا الآن بمقال يؤكد فيه ان مبدأ بوش قائم، ويعارض كتّاباً محافظين كباراً من نوع وليام باكلي وجورج ويل، ثم يعطف على بعض المحافظين الجدد مثله لأنهم بدأوا يشككون في قدرة بوش على التنفيذ. وبما أن في أساس مبدأ بوش حرباً على الإرهاب، وقد زاد الإرهاب منذ حرب أميركا عليه ولم ينقص، فإنه يبقى لأمثال بودهورتز قلب الحقائق وتزييف التاريخ. ما هو مبدأ بوش الذي أعلنه في خطاب في جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس بعد تسعة أيام من إرهاب 11/9/2001؟ بودهورتز يقول ان المبدأ يقوم على ثلاثة أعمدة، الأول منها الإصرار على رفض النسبية، فهناك صواب وخطأ، وخير وشر، والثاني مفهوم جديد لمواجهة الإرهابيين، فهم ليسوا مجرد أفراد يعملون بمعزل عن غيرهم، وإنما يحمل المسؤولية معهم الدول التي تساندهم وتؤويهم، والثالث التصميم على القيام بضربات وقائية، أو استباقية، لإحباط أي هجوم متوقع. ويزيد بودهورتز بعد ذلك عموداً رابعاً هو كيف تعامل إسرائيل والفلسطينيون ضمن الحرب الأكبر على"الإرهاب"الإسلامي. الاعتذاريون لإسرائيل يملكون مواهب عدة في قلب الحقائق على رأسها والكذب والتدجيل، غير ان خبرتهم الأكبر هي في نقل التهمة من إسرائيل الى غيرها، فإسرائيل وحدها مسؤولة عن قيام كل المنظمات التي تتهمها والولاياتالمتحدة الآن بالإرهاب، لأنه لولا إسرائيل ما وجد"حزب الله"أو"حماس"، ثم ان اسرائيل هي أم الإرهاب وأبوه، والدولة الوحيدة في العالم الآن التي تمارس نازية العقوبات الجماعية، ورفض المعادلة الأخلاقية أو المقارنة بين خسائرها وخسائر غيرها، وقتل النساء والأطفال عمداً. بودهورتز يقول شيئاً وأنا أقول غيره، فأحتكم الى أطراف محايدة وأرقام، ففي الحرب على الفلسطينيين يزيد القتلى المدنيون منهم خمسة أضعاف على القتلى الإسرائيليين، وفي الحرب الأخيرة على لبنان كان 90 في المئة من القتلى اللبنانيين مدنيين، و90 في المئة من القتلى الإسرائيليين عسكريين، لذلك فالأمم المتحدة ومنظمة حماية حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية دانت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وهكذا فالأرقام وأهم المراجع العالمية تحكم لي ضد دولة إرهاب المؤسسات. بودهورتز لا يرى هذا وإنما يقول ان جورج بوش في خطاب له في تشرين الأول اكتوبر 2001 أصبح أول رئيس يدعو الى قيام دولة فلسطينية، إلا انه في حزيران يونيو من السنة التالية تراجع خشية ان يدير الدولة الفلسطينية إرهابيون مثل ياسر عرفات، على حد قول بودهورتز، فقال ان"السلطات الفلسطينية اليوم تشجع الإرهاب ولا تعارضه". بالمقارنة مع آرييل شارون أجد ياسر عرفات الأم تريزا، فإذا كان هناك إرهابي أول في العالم فهو ذلك السفاح الإسرائيلي الذي كتب إسرائيليون تاريخ جرائمه. وإذا كان جورج بوش رأى الإرهاب عند الفلسطينيين، ولم يرَ في شارون غير"رجل سلام"فلأن أمثال بودهورتز يكذبون عليه ويلفقون، والنتيجة ان الأوروبيين يعتبرون الولاياتالمتحدة خطراً أكبر على السلام من إيران وكوريا الشمالية، وان الكره للولايات المتحدة زاد حول العالم بسبب إسرائيل وعصابتها التي بعد أن جعلت الرئيس الأميركي يتوسم في مجرم حرب مدان رجل سلام، أقنعته بمهاجمة"الفاشية الإسلامية"ما يعني انها وضعته في مواجهة 1.2 بليون مسلم حول العالم من أجل دولة عسكرية توسعية أن لم تكن فاشية فنازية حتماً. الوجه البشع لبودهورتز يجده القارئ في الصفحة 28 من مقاله، فهو بعد أن انتقد الذين ظلوا يعارضون فكرة وجود تهديد من"الإسلاموفاشزم"، قال ان"بوش أدرك ان الإسلاموفاشزم وريثة كل الايديولوجيات القاتلة في القرن العشرين، فهي قوة توتاليتارية عدوانية مثل النازية والشيوعية قبلها، ولا يمكن قهرها إلا عبر كفاح عالمي". والكاتب يتحدث هنا عن"الحرب العالمية الرابعة". وهي عبارة يكررها في تحريضه على المسلمين. وقد وجدت إشارة الى"إسلاموفاشزم"في حديث للكاتب في صفحة 25 عن المتطرف الآخر فرانك غافني، فالتكرار متعمد لترسخ العبارة في عقل الرئيس العبقري ويستعملها كما فعل أخيراً. لو كان بودهورتز يتحدث عن إسرائيل لصدق، إلا انه اعتذاري للقتل والتدمير، مثل اليوت ابرامز زوج ابنته المسؤول عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي والذي رافق وزيرة الخارجية في جولتها الأخيرة بيننا ممثلاً إسرائيل، في حين مثل السفير ديفيد ويلش مصالح أميركا. وكلمة أخيرة، فحرب عصابة إسرائيل هي على الإسلام والمسلمين، ثم اسمع عن حرب أهلية في العراق، وعن تأييد طائفي لپ"حزب الله"ومعارضة، كأن أعداء المسلمين يعرفون الفرق بين سنّي وشيعي. هم أعداء المسلمين كافة.