كنت أتمنى والرئيس باراك أوباما يخاطب المسلمين من جامعة القاهرة ويتحدث عن اللاسامية ضد اليهود على مدى قرون انتهت بالمحرقة النازية لو وقف طالب وصرخ: نحن لسنا مسؤولين عن ذلك. اليهود تعرضوا فعلاً للاسامية غذتها الكنيسة المسيحية، فهم حُمِّلوا دم المسيح، والعهد الجديد يقول «دمه علينا وعلى أولادنا من بعدنا»، والنتيجة اننا دفعنا الثمن سنة 1948 ولا نزال. الرئيس أوباما بدأ حديثه عن النزاع العربي - الإسرائيلي بالقول إن الصلة بين اسرائيل والولاياتالمتحدة لا تفصم، وهي أيضاً صلة يدفع ثمنها الفلسطينيون كل يوم، فهي «شيك على بياض»، واسرائيل تقتل وتدمر وتواصل الاحتلال بسلاح أميركي ومال وبحماية الفيتو الأميركي في مجلس الأمن. مع كل هذا، الرئيس أوباما قال كلاماً مطلوباً، وهو صادق في ما يقول، والعبرة في التنفيذ. أعتقد أنني قرأت كل ما توافر لي عن الخطاب في الأربع والعشرين ساعة الماضية، وكان التنفيذ هو علامة الاستفهام الأولى التي رسمها أكثر المعلقين العرب، فقد سمعنا جميعاً كلاماً جميلاً في الماضي، وعشنا لنكتشف أنه مجرد كلام، وتحديداً، فمشروع الدولتين الذي ورد في خطاب من جورج بوش الى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد في حينه، سبق 11/9/2001، والمبادرة العربية تعود الى سنة 2002، ولم يتحقق حتى الآن شيء من هذه أو ذاك على رغم انها الشيء الوحيد المطروح للسلام، أو «اللعبة الوحيدة في البلدة»، كما تقول العبارة الانكليزية. بعض النقاط في خطاب الرئيس أوباما كان واضحاً لا يحتاج الى تأويل، فهو قال مرة أخرى إن الولاياتالمتحدة ليست في حرب مع الإسلام ولن تكون في حرب معه أبداً. كما أكد أنه يريد بداية جديدة مع المسلمين، ودعا الى إفشال خطط المتطرفين الذين يستغلون التوتر في العلاقة بين المسلمين والغرب، ويقتلون الأبرياء كما في 11/9/2001، مع الملاحظة أن أكثر ضحايا الإرهاب كانوا من المسلمين. كل هذا صحيح، وأستطيع أن ألمس صدق النية عند الرئيس وهو يتحدث عن «متطرفين» من دون أن يقول «متطرفين اسلاميين»، أو «أصوليين اسلاميين» أو «اسلاموفاشزم»، وغير ذلك من كلمات وعبارات امتلأ بها قاموس جورج بوش الذي تحدث يوماً، جهلاً لا عمداً، عن حملة صليبية على الإرهاب، قبل أن يأتي من ينبهه، ويتوقف عن استعمال العبارة. باراك أوباما أذكى من ذلك كثيراً، ثم إنه مجتهد، لا ينام الساعة العاشرة مساء كما كان يفعل سلفه، فالخطاب جاء نتيجة جلسات عدة مع مساعدين وخبراء، وضيوف من رؤساء شركات أميركية كبرى من المسلمين. وهو استغل زيارة الرياض ليطلب نصح الملك عبدالله، وسأل الرئيس مبارك رأيه. والصحافيون الذين رافقوه في الطائرة قالوا إنه بقي يراجع الخطاب ويزيد وينقص بعد أن نام مساعدوه جميعاً. أقول إن هذا الجهد يعكس صدق النية، والرغبة في التنفيذ، وإذا كان لي أن أسجل ملاحظة على أولويات الرئيس كما فهمتها من الخطاب، فهي في النقاط التي تحدث عنها بتحديد واضح، مثل موعد الانسحاب من المدن في العراق ومن العراق كله، والرغبة في سحب القوات الأميركية من أفغانستان، ولكن بعد إنهاء خطر ارهاب يتجاوز البحار، وعن دولتين، فلسطين واسرائيل، تعيشان جنباً الى جنب بسلام. في المقابل، هو عندما تحدث عن الديموقراطية والحرية تحدث عن مبادئ نعرفها جميعاً، أو عن بديهيات، من دون الدخول في تفاصيل قد تسبب له صعوبات مع دول يحتاج اليها في الحرب على الإرهاب. كما ان حديثه عن المرأة وحقوقها وتعليمها بقي في حدود العموميات، فهو على ما يبدو يريد التركيز على الحرب والسلام في الشرق الأوسط، وعلى منع سباق تسليح نووي عسكري، قبل أن يخوض حرب طواحين هواء، وعذره أن لا يجوز لأي بلد أن يفرض رأيه على بلد آخر. ولعل كل حكومة عندها ما ترفض من طلبات أميركا. واسرائيل ترفض أن يفرض أوباما عليها وقف المستوطنات والنمو الطبيعي المزعوم، وهي، رسمياً، لم تجد في الخطاب ما يقلق، بعد ان كانت أبدت القلق لأن الرئيس الأميركي لم يستشر الحكومة الإسرائيلية وهو يكتب خطابه. ويبدو أن حكومة نتانياهو قررت أن أزمة المستوطنات ستتراجع، وإذا حدث هذا فعملية السلام كلها ستتراجع لأنه لا يمكن الاستعاضة عنها بخطاب، فالعبرة في التنفيذ.