ما هي نتيجة خمس سنوات من الحرب على الإرهاب منذ 11/9/2001؟ كدت أقول: صفر، لولا أن الصفر حيادي، والنتيجة اسوأ كثيراً مما كان الارهاب عندما قتل حوالى ثلاثة آلاف أميركي في عملية مجرمة بشعة. في خمس سنوات قتل الارهاب حول العالم 72.265 شخصاً بحسب احصاءات غربية رسمية، تجعل ضحايا الارهاب في العراق أقل من 50 ألفاً، غير أنني أجمع كل القتلى في العراق منذ الغزو الأميركي في آذار مارس 2005، وهم أكثر من مئة ألف، لأطلع برقم أقرب الى واقع الحال. وكان تقرير للبنتاغون صدر في مطلع هذا الشهر قال إن الاصابات في العراق زادت 50 في المئة في الاشهر الأخيرة عنها بين شباط فبراير وأيار مايو الماضيين وبلغت 120 قتيلاً في اليوم الآن في مقابل 80 في تلك الفترة، وفي مقابل 30 قتيلاً في اليوم قبل سنتين. وقدر البنتاغون عدد الهجمات الاسبوعية بحوالى 800، أو ضعفي عددها عام 2004، وتحدث عن ازدياد الاقتتال الطائفي. في اليوم التالي قال الرئيس بوش في خطابه الأسبوعي عبر الراديو إنه لا توجد حرب أهلية في العراق، وإن الارهابيين يعارضون الديموقراطية ويحاولون جر البلاد نحو حرب أهلية، لا يريد أن يعترف بأنها موجودة فعلاً. بعد خمس سنوات سجل ادارة بوش هو افغانستانوالعراق، ومع اسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين باسلحة أميركية، واستراتيجية حرب وقائية من دون استئذان الأممالمتحدةوغوانتانامو وأبو غريب وقاعدة باغرام وسجون سرية، وتهديد سورية وايران. ثم يسأل الأميركيون لماذا يكرهوننا. ليس الأمر وقفاً على العرب والمسلمين، وهم الضحايا المباشرون للسياسة الأميركية، ففي استطلاع مشهور للرأي العام في أوروبا قالت غالبية من الأوروبيين إنها تعتبر الولاياتالمتحدة خطراً أكبر على السلام من ايران أو كوريا الشمالية. في الأيام الأخيرة التي سبقت ذكرى ارهاب 11/9/2001 بدأ الرئيس بوش حملة لكسب الرأي العام الأميركي مع اقتراب الانتخابات النصفية، وهو تجاوز الحرب على العراق لصعوبة تغطية نتائجها، وأخذ يتحدث عن حرب مفتوحة على الارهاب، وتحديداً على"الاسلاموفاشزم"غير أن الحرب هذه ليست اكثر نجاحاً من غزو العراق حيث زعم أن"المهمة انجزت"في 1/5/2003، لأن الارهاب زاد، والقاعدة أصبحت"قواعد"، فقد قامت عشرات المنظمات الارهابية الصغيرة في بلدان من الشرق الأقصى الى الغرب. أما اسامة بن لادن الذي وعد الرئيس بأن يأتي به"حياً أو ميتاً"فلا يزال طليقاً مع أيمن الظواهري، ومنفذو الارهاب حول العالم لا يحتاجون الى القاعدة لينفذوا ارهابهم، فقد زادوا اضعافاً في السنوات الخمس الأخيرة لأن سياسة ادارة بوش هي أنشط مكتب توظيف للإرهابيين حول العالم. الرئيس بوش قال الأسبوع الماضي إن حربه على افغانستان حرمت القاعدة من أرض آمنة واطلقت نظاماً ديموقراطياً. هل هذا صحيح؟ الرئيس حميد كرزاني لا يسيطر الا على كابول العاصمة وضواحيها، ولا يتنقل الا بحماية مرتزقة وقوات أميركية، وهناك مناطق شاسعة من البلاد على الحدود مع باكستان في قبضة طالبان والقبائل الموالية لها. والنحس لا يأتي بالمفرق وانما جملة، فأخبار افغانستان تقول إن محصول المخدرات هذه السنة كان قياسياً، وزاد 59 في المئة على السنة الماضية حتى إن افغانستان وحدها تستطيع أن توفر 130 في المئة من حاجة العالم الى الهيرويين، أي ان عندها ما يزيد على الطلب العالمي. والخبراء يقولون إن 93 في المئة من الهيرويين المتداول حول العالم مصدره افغانستان، وإن الادمان على المخدرات يقتل اكثر من مئة ألف مدمن كل سنة، يمكن أن نزيد عددهم على رقم ضحايا الارهاب. وفي خطر كل ما سبق أن تجارة المخدرات من افغانستان توفر للارهابيين دخلا يكفي لتمويل ارهابهم حول العالم بل يزيد على حاجتهم. ربما يستطيع الرئيس بوش على رغم هذه الصورة القاتمة أن يقول للأميركيين انه منذ الارهاب الفظيع قبل خمس سنوات نجت الولاياتالمتحدة من أي ارهاب لاحق. وهذا صحيح، غير أن رقم القتلى الأميركيين في العراق يقترب من رقم ضحايا ارهاب 11/9/2001، والرئيس بوش قال صراحة"إننا نحاربهم هناك حتى لا نحاربهم في شوارع مدنناً"وهو كلام يشكل اعترافاً بأن ادارة بوش قررت التضحية بشعب العراق الذي لم تكن له أدنى علاقة بالارهاب ضد الأميركيين، من دون أن تحمي الأميركيين فعلاً، فهم الآن يُقتلون في العراق، وافغانستان، بدل أن يُقتلوا في بلادهم. هؤلاء الأميركيون خسروا شيئاً آخر، مع ارواح ابنائهم في حرب غير مبررة سعى اليها انصار اسرائيل، فالحرب على الارهاب اعطت الإدارة عذراً لسلب الأميركيين بعضاً من حريات مدنية بنوها على مدى قرنين ونصف قرن. وأصبحت الإدارة تراقب هواتف الناس، بل تتجسس على حساباتهم المصرفية، وتعتقل في سجون سرية وتمدّد فترة الاعتقال متجاوزة القانون. وقد رحب الأميركيون بتحويل الادارة معتقلين في سجون سرية الى غوانتانامو، تمهيداً لمحاكمتهم، وباعلان وزارة الدفاع أنها ستطبق مواثيق جنيف في معاملة أسرى الحرب. إلاّ ان الرئيس بوش ارسل الى الكونغرس في اليوم التالي مشروع قانون يبيح انتزاع الاعترافات بالتعذيب مع العلم أنه لم يبق من فترة عمل الكونغرس سوى أيام قليلة لا تتيح فرصة لمناقشة قانون بهذه الأهمية. الرئيس بوش لا يستطيع أن يخدع كل الأميركيين كل الوقت، وكانت هناك ثلاثة استطلاعات للرأي العام مع الذكرى الخامسة للارهاب، اثبتت كلّها أن ثلثي الأميركيين يعارضون الحرب على العراق ويفضلون الانسحاب، وأن غالبية منهم فقدت الثقة بالرئيس وتعتقد بأنه غير صادق. هم انتخبوه، وهم مسؤولون عن خطئهم، غير اننا أيضاً ندفع ثمن الخطأ من فلسطين الى العراق ولبنان وكل بلاد العرب والمسلمين. وربما عاقب الأميركيون جورج بوش والجمهوريين في الانتخابات إلا أنه عقاب لا يرد لنا من مات أو يبني ما دمر.