لن يصعب على قارئ يتتبع أحوال العراق، ان يفهم مغزى رواية"أوراق الملا زعفران"المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2006 للكاتب الكردي نزار آغري. فالرواية رمزية، تحكي أحوال الكرد بين الأمم التي تحيطهم ودور الدين في إحداث شرخ في القومية، لأن الكرد لم ينضووا كلهم تحت الدين الحنيف حين وصل إليهم. الملا زعفران، كما لُقب كان"مفتي السلاطين والباديشاهات"كما يقول هو نفسه وكثير من فتاويه"ذهب في خنق عصيان الكرد وكسر شوكة تمردهم"وهم قومه الذين يعرف ميلهم الى الزوغ والتمرد. ستحوي السيرة، سيرة الملا زعفران، وهو عبدالله منصور الموصللي، الملقب بذلك اللقب، أخباراً من المسعودي والفارقي وابن الأثير وغيرهم. اقتبسها المؤلف، لتتوافق مع الرأي، في تمرد قومه في ذلك الحين. وشخصية الملا، هي اجتماع الدين بالسياسة، لتبرير السحل والقمع والقتل. وقد اعترف الملا مراراً، بأنه فعل ذلك لنصرة الدين، وبأنه لا يقوم نزاع إلا بعلمه وفتواه. سيمثل الملا زعفران، كل رجال الدين المرتبطين بالسلاطين أو"الحكام"بحسب تعبيرنا اليوم. وسيكون هو من يبحث عنهم، ليضفي الشرعية على أفعالهم، كما سيتلقفونه هم بترحاب، لحاجتهم الى مثله. أوراق المفتي، تحكي عن ألف عام من تاريخ الكرد، هذا الشعب الذي يقول عنه الملا، إنه يجب ألا يجتمع، كما تقول الأسطورة، لئلا يحدث سوء كثير، لشدة بأسه وقوة صبره. سيُعرِّج المؤلف على أحوال الكرد، في ظل معظم العصور القديمة حتى اليوم. وسهلٌ ان نفهم الرمزية التي يعتمدها المؤلف في الكتابة، حين يستمر في تسمية الشعوب التي تحيط بهم، بالتسميات القديمة، من سلجوق وعجم وعرب. ولن يصعب على القارئ، استنتاج من هما، مهمهان وسلمان، اللذان انتهيا بالخلاف بينهما، فقسما الأمة، كما كان حالها دائماً، لا بل استنجد أحدهما على الآخر بپ"خليفة بغداد". رواية تحاول ان تقول، ان الأمس كاليوم، وان الكرد أيضاً، لم يتعلموا شيئاً من مآسي الماضي. أرادها مؤلفها رواية - ملحمة، بصيغة رمزية بسيطة ولكن أسلوبها جيد بانسيابيته وسخريته المبطنة. سخرية تترك فارقاً، بين النحيب كما يحصل عادة، في روايات تحكي عن المآسي، ولحظات التفكر التي توصلنا الى استنتاجات عميقة، في أحوال شعوبنا، وتكرار الأخطاء ورسوخهم على ذهنية معينة وسلوك متناقل. رواية بسيطة جداً، ان قرأناها كحوادث، ولكن عميقة جداً لتنتقد دور الدين في المجتمع، ومحاولة حلوله مكان القومية، وارتباطه بالسياسة. "كان فراغ عظيم يحملني في جوفه"يقول الملا زعفران،"فلم أقدر ان أركن الى قرار في من يقف وراء هذا الوجود الهائل". وحين أتته رسالة الدين الحنيف، آل على نفسه ان يبني البيوت للجمع ويشيد المساجد، لإيصالها. وأتت فتاويه بعد تمعنه"في السيرة"... ومضيِّه أشواطاً في الدين مبرمة،"تقع في النفوس كنقطة ماء على العشب في ارض يابسة"."كل عهدي، يقول، حرب على الضلال... فمن عضدني عضدته ومن نفرني نفرته". الملا زعفران، سيترك أولاداً يتناقلون الفقه، وينقلونه الى العالم أجمع، وسيرى كابوس قطع الرؤوس، حين يحلم بولده، بين مجموعة من هؤلاء الأصوليين الحديثين. نزار آغري، لا يتركك في سيرة مؤرخة، حين يحكي أحوال الشعب أو أخبار الملا، وعليك أنت ان تستنتج المراحل التاريخية، وإلا استخلاص العبرة من سرده، ومن أقوال الملا العابقة بآرائه، وبمفهوم التعامل مع الآخر كما طُبق في الفقه حتى اليوم. ويفضح العنف التاريخي، الذي ارتبط بالسياسة والدين، فلم يغير شيئاً، في أسلوب قمع الثورات أو تمرد الشعوب، ويحكي دور قسم من قومه، ممن انضووا تحت الدين الحنيف في إخضاع الشعوب الأخرى، لسلطة الخليفة. صفحات، قد تضيع بينها، ان حاولت تتبعها حرفياً، ولكن معرفة قليلة بالتاريخ، تكفي لتفهم المغزى وتسير معها حتى النهاية. لغة الرواية لفتتنا بانتقائها من السرد التاريخي، التعابير المألوفة، التي تستعمل في وصف التمرد وسحقه. ونحن ذكرنا، أن الملا اقتبس من المؤرخين العرب، وهذه اللغة هي التي أضفت بمفرداتها التي تبدو"سرداً عادياً"عمقاً مأسوياً على الحدث، وأوحت بأن العنف، كان سلوكاً كالأكل والشرب، وأضفت في أماكن أخرى، السخرية على الفكرة، مغلفة بالجدية. لذلك يقول الملا عمر، ببراءة وتلقائية،"إن قائد الجيش أمر ببناء مصطبة من أجساد المقتولين"من أبناء قومه وجلس عليها، بعد فتواه بقتلهم، لزوغهم عن الدين الحنيف. أو يخبر كيف ان القائد العربي، وعد المتمردين ان استسلموا"بأنه لن يقتل رجلاً واحداً منهم"ففعلوا، فقتلهم وأبقى على رجل واحد فقط. فسُرَّ الملا جداً من ذكائه، ومن فطنته لاستعمال ذلك التلاعب الكلامي. كل هذا يخبره الملا باللغة الحيادية نفسها، كما اختطاف الداسنيين وهم بعض من الكرد المتمردين، ابنه هوزان، وعلاقته المتوترة بزوجته منذ ذاك، وفراقها في الرأي عنه، في مسألة الفتوى بقتل بني قومه. ومن هنا برأينا قوة الرواية. رواية جيدة وعميقة وسلسة ونهايتها تبقى معلقة، ما دام الشرق معلقاً على تشرذم شعوبه، وتلك ليست خاصية كردية، وما دامت الشعوب متأرجحة بين الحياة والموت، لتأرجحها بين الدين والسياسة، وما دامت الطموحات القومية منحورة بيد الأبناء قبل ان ينحرها الأعداء. رواية لا تغفل ذكر المطامع الشخصية في الوصول الى تلك الأحوال.