أكثر ما نشاهده على الشاشة الصغيرة من مسلسلات"تاريخية" هو من ذلك النوع الذي كتبه أصحابه تحت تأثير القول المشهور:"اذكروا محاسن موتاكم". أي أنها - في الغالب - من تلك الدراما التي تقوم على تمجيد الأحداث التاريخية كما حفظتها كتب التاريخ المكرّسة، لا تلك التي خالفت رغبة، وإرادة من وقفوا على كتابة التاريخ ورصف وقائعه في أيام حكمهم وسطوتهم. مع كل رمضان، يعود إلينا السؤال ذاته: ما الذي تطمح إليه مسلسلات تعيد إلينا صفحات كتب التاريخ المدرسية، في شكل مصوّر؟ وما الذي تقدمه قراءة درامية من فائدة للمشاهد؟ ان ما تملكه الدراما المصورة من إمكانات كبيرة على الوصول والتوصيل إلى الناس، يفترض أن تكون للأعمال التاريخية أهداف أخرى لعل أهمها البحث الجدي في كتب التاريخ، ونعني البحث بروح نقدية لا تسلم بروايات تلك الكتب على علاتها، بل تذهب إلى قراءة ما بين سطورها من حقائق، تحتاج إلى صبر لاستبصارها والقبض عليها ثم زجها في الصراع الدرامي. ولعل أسوأ عقل يمكن أن يحكم الكتابة الدرامية التاريخية، هو ذلك الذي ينطلق مما يشبه"أصولية"ثقافية تقدس الماضي، لا لشيء إلا لأنه ماضٍ خلّفه لنا الأجداد، من دون إدراك أن هكذا دراما لن يكون لها فعل سوى تسليط الماضي على الراهن، وتحكّمه بالمستقبل أيضاً. منذ سنوات طويلة، تفرّدت تجربة الكاتب المعروف وليد سيف بالمغامرة الفكرية والفنية الجميلة والمميزة. فصاحب"الكتابة على لحم يحترق"وپ"صلاح الدين"وپ"التغريبة"وپ"ملوك الطوائف"، وغيرها من الأعمال الناجحة يذهب إلى قراءة التاريخ بروح أخرى. هو لا يتجنب الموضوعية، بل العكس، يحقق موضوعية تستند الى القبض الفني الناجح على ما في التاريخ من أجوبة قد لا تبدو للقراءة الكسولة موجودة في صورة ظاهرة. هنا بالضبط مهمة الكاتب الدرامي الحقيقي، أي غربلة تلك الكتب، ومن ثم إعادة تفسير أحداثها في صورة صحيحة. عدا ذلك ستظل قراءة الدراما سردية، لا تفترق كثيراً عن أسلوب الحكواتي وطرائقه الفنية.