تجربة التعاون المشترك بين الكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي، في مجال الأعمال الدرامية التاريخية، صارت تقليداً وعادة سنوية في كل رمضان، وهي التجربة التي أثمرت خلال السنوات الماضية مسلسلات"صلاح الدين الأيوبي"و"صقر قريش"و"ربيع قرطبة"و"التغريبة الفلسطينية"، ثم ملوك الطوائف". ما يميز تجربة وليد سيف وحاتم علي، أنها تحقق أعمالهما في سياق مشروع الدراما التاريخية التي تمتلك نظرة مختلفة، لعل أبرز ما فيها الانطلاق من مفارقة"العادات"السائدة، خصوصاً تلك التي تحرص على السردية التاريخية، أي إعادة بث الوقائع التاريخية على الشاشة كما وردت في كتب المؤرخين، وهي"عادة"جعلت مهمة الكاتب فنية ? تقنية ليس إلا، فيما حرص ثنائي سيف وحاتم على تقديم قراءات حيّة للتاريخ تنطلق من نظرة نقدية لوقائعه، أو على الأقل من قراءة تلك الوقائع من زوايا مختلفة ومتعددة. نضيف إلى ذلك حرص الكاتب والمخرج معاً على تكريس جهد حقيقي لاستعادة الصورة والملامح الإنسانية لأبطالها التاريخيين، أي تقديم تصور لموقعهم الفردي في الحياة، وما حملوه من بواعث الخير والشر وعدم الاكتفاء بتلك الأحكام النهائية التي قدمها التاريخ والمؤرخون، والتي تسجن هذه الشخصية أو تلك في ملامح الخير أو الشر، فالحكم النهائي على شخصية مثل"صقر قريش"أو"صلاح الدين"من خلال موقعهما في الحياة العامة كأبطال سياسة حرب، لا يلغي الحاجة بالضرورة الى رؤية ملامحهما الفردية في الحياة اليومية، وأيضاً رؤية صورة العصر الذي عاشوا فيه وما تحمله تلك الصورة من ملامح حياة إنسانية ومن ثقافة على حدٍ سواء. هذه المقاربة تشبه بحثاً دؤوباً، موضوعياً وشديد الحساسية يسهم في تصحيح الوقائع التاريخية من خلال رؤية العوامل والمؤثرات الاجتماعية التي حكمت هذا التصرف أو ذاك. هنا تبدو صور الأبطال والشخصيات التاريخية في أعمال وليد سيف وحاتم علي، قابلة للتصديق، لأنها صور أشخاص غير نهائيين، أي أنهم قابلون للتأثر والتغير باستمرار على ضوء ما يحيط بهم من عوامل. هذه المسألة تبدو شديدة الأهمية، بعد أن سادت لزمن طويل نظرية"اذكروا محاسن موتاكم"في الكتابة التلفزيونية التاريخية. وهي نظرية أفقدت المعالجة الدرامية لوقائع التاريخ أي جدوى موضوعية وحوّلت المسألة كلها إلى مجرد استدعاء حكايات تاريخية مسلّية وفيها القليل من الموعظة الحسنة والحكمة، في حين يمكن للقراءة الدرامية الحيوية للتاريخ أن تؤسس لوعي راهن ومستقبلي يعلم المشاهدين ربط الأحداث بأسبابها ورؤية هذه الأحداث بعمقها وليس بتفاصيلها الخارجية العامة. هذه التجربة أصبحت فوق ذلك ناجحة ومميزة بفعل الحلول الإخراجية الحيوية والجميلة التي يقدمها حاتم علي بالتعاون مع مدير التصوير أحمد إبراهيم أحمد ومهندس الديكور ناصر الجليلي، خصوصاً في اختياره لأماكن التصوير ومقاربة صورها الحقيقية التي تسهم في خلق مناخ درامي يتمتع بالصدقية.