التمر الذي يلقى رواجاً كبيراً في الأسواق المصرية في مثل هذه الأيام من كل عام أصبح من خلال الأسماء التي يطلقها عليه تجاره معياراً للمزاج العام السائد عند المصريين بمختلف فئاتهم الاجتماعية والاقتصادية. جولة سريعة في سوق روض الفرج في شمال القاهرة تؤكد أن المزاج العام السائد راهناً هو مزاج سياسي ذو صبغة دينية إسلامية قومية. فتمور"حسن نصر الله"وپ"أحمد نجاد"بل وپ"شافيز"هي الأغلى ثمناً والأحدث في ساحة التمور الرمضانية. والأسماء الثلاثة تشير في فحواها إلى التأثر الشعبي الشديد بالأحداث الإقليمية الراهنة والاعتداء على لبنان والتضامن النفسي والفكري للغالبية من البسطاء مع السيد حسن نصر الله ومن بعده الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، كذلك الحال بالنسبة إلى الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي أخرجته أحداث لبنان إلى عالم الشهرة في مصر بعد موقفه المتضامن مع العرب وسحب السفير الإسرائيلي من كاراكاس. وعلى رغم ارتفاع أسعار هذه الأنواع الثلاثة من التمور"المسيّسة"بين 25 و20 جنيهاً مصرياً للكيلو الواحد واقتصار الغالبية العظمى من المقبلين عليها على الطبقات الثرية نسبياً، إلا أن أثرها النفسي وشيوعها لا يقف عند حدود طبقة بذاتها. وما زالت الأنواع الرخيصة من نوع"بوش"وپ"بلير"وغيرهما مطروحة في الأسواق، وهي التسميات التي أطلقت على الأنواع الرخيصة إبان الغزو الأميركي والبريطاني للعراق. ويشير بعض الخبثاء إلى أن أسماء تمور رمضان تحولت في الأعوام الأخيرة إلى طريقة ذكية لا تخلو من دهاء للمعارضة السياسية الشعبية التي تضمن لصاحبها الأمن والسلامة وعدم التعرض للمضايقات الأمنية التي شملت في الآونة الأخيرة قطاعات سمحت لنفسها بالجهر بالمعارضة. في رمضان الماضي أطلق مثلاً اسم السياسي المسجون الآن ورئيس حزب"الغد"المعارض الدكتور أيمن نور على أغلى أنواع التمور في إشارة صريحة إلى حجم أو نوع التأييد والتضامن اللذين كان يحظى بهما. وحفلت أسماء التمور كذلك بشخصيات سياسية - إذا صح التعبير - أثرت في المصريين في شكل أو آخر، منهم على سبيل المثل لا الحصر زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ورئيس وزراء إسرائيل السابق آرييل شارون والرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وسواهم. وبدا واضحاً هذا العام خفوت نجم نجمات الفيديو كليب، ربما تحت وطأة الأحداث السياسية الإقليمية المتدهورة، وربما أيضاً بسبب الاتجاه الديني المتزايد، فلم تبزغ شعبية تمر"نانسي عجرم"أو"روبي"أو"هيفا"كما في السنوات القليلة الماضية. ويذكر أن"عيون صفية"نسبة إلى الفنانة صفية العمري و"ليلى علوي"كانا من أبرز أنواع التمور في أسواق رمضان القاهرية قبل أعوام قليلة، لكنها اختفت تماماً. الغريب أن أسماء الساسة المصريين الحكوميين لم تعرف بعد طريقها إلى أسواق التمور المصرية، وقد يكون ذلك إما لعدم شعبيتهم أو لخوف التجار من المساءلة أو ربما لعدم وجود نوع مناسب من التمور لإطلاق أسمائهم عليها.