أمانة تبوك تُطلق خدمة تصريح اللوحات الإعلانية المؤقتة عبر تطبيق بلدي    سمو محافظ الطائف يشارك لاعبي المنتخب السعودي فرحتهم بالتأهل    أمير تبوك يقلد مدير مكافحة المخدرات بالمنطقة رتبته الجديدة    أمانة الطائف تحوّل موقع مهمل إلى رئة جمالية جديدة .    أمّ القرى ترتقي بمنجزاتها على منصّات التتويج الدولية 2025    تجمع الباحة الصحي يشارك في قافلة التنمية الرقمية    فريق طبي ب "تجمع الباحة الصحي" يشخّص حالة طبية نادرة عالميًا    لبنان دولة واحدة تمتلك قرار السلم والحرب    انطلاق أعمال مؤتمر مبادرة القدرات البشرية.. والبنيان: ولي العهد يضع تنمية الإنسان في صدارة أولويات التحول الوطني    تعرف على المنتخبات المشاركة في كأس العالم تحت 17 عاماً FIFA قطر 2025TM    بختام الجولة 27 من روشن.. الاتحاد يبتعد في الصدارة.. والنصر يهدد وصافة الهلال    في انطلاق الجولة29 من" يلو".. النجمة للمحافظة على الوصافة.. والطائي للتعويض    أكدا استمرار التنسيق وتبادل الخبرات.. وزير الطاقة ونظيره الأمريكي يبحثان تعزيز التعاون واستخدامات «النووية السلمية»    بلدية محافظة الرس تطرح 13 فرصة استثمارية في عدة مجالات متنوعة    مدير فرع الهلال الأحمر يستقبل مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الإجتماعية    أسرة العساكر تحتفي بزواج خالد    أمانة جدة تصادر 30 طنًا من الفواكه والخضروات    "محراب" أول قائد كشفي يرتدي الوشاح الجديد لكشافة شباب مكة    رؤية تبني الأرض والإنسان.. العقار بين الطموح والتوازن    لكل المشكلات في القرآن كل الحلول    التعامل مع الأفكار السلبية.. تحرير العقل وكسر قيود الذات    المنظومة الصحية السعودية تحصد جائزة و19 ميدالية عالمية    الزامل مستشاراً في رئاسة الشؤون الدينية بالحرمين    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توقع مذكرة مع جامعة الملك خالد    وقفات مع الحج والعمرة    ترقّب لاختراق حاسم نحو إنهاء حرب تستنزف الجميع.. تقارب واشنطن وموسكو يقابله تصعيد دام في أوكرانيا    ضغط عسكري متزايد على آخر معقل للجيش في دارفور.. الدعم السريع يصعد في الفاشر ويستهدف مخيمات النازحين    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للتوحد" و "عش بصحة"    "ترند" الباراسيتامول يجتاح أمريكا وأوربا    مؤتمر لتحسين جودة الحياة الأحد المقبل    جامعة أم القرى تحصد الميدالية الفرنسية للمخترعين    مجمع الملك سلمان يشارك في مؤتمر «القدرات البشرية»    برعاية ولي العهد.. وزاري «الطاولة المستديرة» يبحث «ما بعد الاستعداد للمستقبل»    أمير تبوك يعزي أبناء جارالله القحطاني في وفاة والدهم    أمير الرياض يستقبل محافظ الخرج    جمعية المراجعين الداخليين ترسل نخبة من طلاب الجامعات السعودية للولايات المتحدة الأمريكية    الأردن تُدين الهجمات التي تعرّضت لها مخيمات النازحين في مدينة الفاشر بالسودان    رابطة العالم الإسلامي تدين قصف الاحتلال الإسرائيلي المستشفى المعمداني بغزة    المملكة تدين قصف الاحتلال مستشفى المعمداني في غزة    11 مشروعاً ابتكارياً ل"جامعة المؤسس" بمعرض جنيف للاختراعات    بنزيمة الغائب الأبرز عن تدريبات الاتحاد    الأخضر السعودي تحت 17 عاماً يتأهل إلى نصف نهائي كأس آسيا على حساب منتخب اليابان    جامعة جازان تستضيف ندوة "الإفتاء والشباب" لتوعية الجيل بأهمية الفتوى    موسم الدرعية    موقف سالم الدوسري من لقاء الخليج    شيخ علكم إلى رحمة الله    وزير الاقتصاد والتخطيط: رأس المال البشري يقود الثروات وينميها    وزير الشؤون الإسلامية يوجه خطباء الجوامع بالحديث عن ظاهرة الإسراف والتبذير في الولائم    700 قاضٍ يكملون الفصل الأول من الدبلوم العالي للقانون الجنائي    صحة القريات تستدعي ممارسة صحية وافدة ظهرت في إعلان مرئي مخالف    عبدالله بن فهد : ختام مميز لجولة الرياض يعكس عراقة الجياد العربية    السعودية تدين وتستنكر الهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين حول مدينة الفاشر وأسفرت عن عدد من القتلى و الجرحى    اليوم العالمي للرحلة البشرية إلى الفضاء يسجّل سعي المملكة الحثيث للريادة    إطلاق 25 كائنًا فطريًا في محمية الإمام تركي بن عبدالله    توطين 25 كائنًا فطريًا مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    أمير تبوك يعزي أبناء جارالله القحطاني في وفاة والدهم    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    









مات «روبن هود» فنزويلا قبل أن يزور لبنان!
نشر في الحياة يوم 09 - 03 - 2013

عندما مات كيم ايل سونغ، الزعيم المحبوب في كوريا الشمالية، خرج المواطنون الى الشوارع يصرخون ويبكون في شكل هستيري كأن زلزالاً قد ضرب البلاد وجنّن العباد!
وعلى هذا النحو تصرفت غالبية الشعب الفينزويلي عندما أذاع نيكولاس مادورو نبأ وفاة الرئيس هوغو شافيز. ومع أن المواطنين كانوا يتوقعون هذه النهاية، عقب عودته من كوبا يوم 18 شباط (فبراير)، إلا أن الصدمة أذهلتهم ودفعتهم باتجاه المستشفى العسكري في كراكاس حيث كان يُعالج.
ويبدو أن مادورو عرف كيف يوظف تلك الصدمة لمصلحته بدليل أنه أبلغ الحشود المجتمعة حول المستشفى، قرار الحكومة طرد إثنين من موظفي السفارة الاميركية. وقد أوحى للجماهير الغاضبة بأن التهمة الموجهة الى هذين الديبلوماسيَيْن تتعلق بتصرفاتهما المريبة. وكان بهذا الإيحاء يحمّلهما مسؤولية مجهولة بهدف تلويث سمعة المعارضة المتعاونة مع واشنطن. علماً أن برقية التعزية التي أرسلها الرئيس باراك اوباما شملت كل الشعب الفينزويلي، مع الإشارة الى حرصه على تنمية علاقات بنّاءة بين البلدين.
يقول المراسلون في كراكاس إن قيادة الحزب الحاكم كانت مؤمنة بأن أعجوبة ما قد تحدث بحيث يشفى الرئيس من مرض السرطان الذي فتك بصحته. لذلك كانت القداديس تقام في الكنائس على نيته... وتضاء الشموع ليل نهار تحت صورته. وقد انتشرت هذه القناعة أكثر فأكثر يوم قام مادورو بتوزيع صورة الرئيس وهو يستقبل كريمتيه في مستشفى هافانا. وقد حمل بين يديه جريدة اليوم السابق. ولكن حملة التطمين لم تعمّر طويلاً، بدليل أنه نُقِل الى كراكاس على عجل بعدما تردت صحته بصورة مفاجئة.
يوم الثلثاء الماضي، الساعة الرابعة و45 دقيقة بعد الظهر، خرج نائب الرئيس نيكولاس مادورو من غرفة العناية الفائقة ليُعلن وفاة القائد – كومندانتي – هوغو شافيز فرياس عن 58 سنة. وكان بهذا النبأ يهيئ الرأي العام لانتخابات ملء فراغ الرئاسة بعد شهر.
ويقول المتتبعون لمجرى الحياة السياسية في فنزويلا إن الفترة الزمنية القصيرة المحددة بشهر واحد ستخدم وريثه مادورو الذي أوصى شافيز بانتخابه لأنه مؤتمن على استمرار «الشافيزية».
والشافيزية، كما يعرّفها أنصار الحزب الحاكم، هي حركة سياسية - اقتصادية - اجتماعية توزع خيرات ثالث دولة منتجة للنفط ورابع دولة مصدرة له، على الطبقة الفقيرة. أي الطبقة التي اعتبرها الرئيس الراحل، طوال 14 سنة من حكمه، قاعدته الشعبية ومصدر قوته.
ولد هوغو شافيز فرياس يوم 18 تموز (يوليو) 1954 لعائلة متواضعة في بلدة سبانته في محافظة برنياس. إلتحق بالأكاديمية الحربية عام 1971 وتخرج فيها عام 1975 برتبة عقيد. أسس مطلع الثمانينات مةن القرن الماضي خلية سياسية سرية مع إثنين من زملائه تحت إسم مشفر «أم بي 200»، كان هدفها استقطاب عدد كبير من الأنصار داخل صفوف الجيش. وفي ساعة الصفر تقوم هذه الخلية بانقلاب عسكري لطرد الطبقة الحاكمة وتنظيف مؤسسات الدولة من الفاسدين والمُرتشين.
عام 1992 قاد العميد شافيز حركة انقلاب بدأها بمحاولة الاستيلاء على القصر الجمهوري. ولكن الانقلاب فشل، واستسلم هو للقوات النظامية التي اعتقلته وأدخلته الى السجن. وبعد مرور سنتين، أصدر الرئيس رافايل كالدير، عفواً خاصاً أطلق بموجبه سراح العميد.
عام 1998 ترشح لانتخابات الرئاسة وفاز على برنامج إصلاحي سمّاه «الطريق الثالث.» وهو عبارة عن أفكار مختلطة بين الاشتراكية والرأسمالية.
عام 1999 طلب شافيز من الشعب التصويت على دستور جديد فصَّله على مقاسه. وبعد الحصول على موافقة الأكثرية، أعلن ترشيحه وفاز بمنصب الرئاسة. ولكن المعارضة نزلت الى الشارع، بتشجيع من جنرالات الجيش، ثم شكلت حكومة انتقالية للإشراف على انتخابات جديدة.
ورداً على ذلك التحدي، حرّض شافيز محازبيه وأنصاره، الأمر الذي عزز ضغوط الشارع، وهيأ الفرصة لعودته المظفرة. خصوصاً أن الأوساط الشعبية الفقيرة كانت تلقبه ب «روبن هود»، كونه يخصها بمكاسب يقتطعها من حصص الميسورين.
رئيس ائتلاف المعارضة رامون افيليدو بالتعاون مع زعيم المعارضة انريكي كابريليس، يستعدان لخوض معركة مشتركة ضد نيكولاس مادورو الطامح الى وراثة شافيز في الحزب الحاكم. وهما يتخوفان من فوزه ومن إصراره على إحياء «الشافيزية» كما أرسى دعائمها الرئيس الراحل.
وتأتي محاربة الولايات المتحدة في مقدم تلك الدعائم. ويُقال إن أوصاف الشتائم والإهانات استقاها شافيز من صديقه الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد. والكل يذكر خطابه في الأمم المتحدة عام 2006، عندما استدار شافيز، ونظر الى الوفد الاميركي في قاعة الجمعية العامة، وقال: إنني أتهم «الشيطان الأكبر» جورج بوش بالوقوف وراء كل الحروب والمؤامرات.
وبعد سنتين، أمر بطرد السفير الاميركي من كراكاس لأنه، وفق زعمه، كان يتدخل في شؤون بلاده ويدعم جبهة المعارضة ضده. ومثلما كان يبدي إعجابه بالزعيم فيدل كاسترو، فإن شافيز حرص على تمجيد ذكرى مَثله الأعلى، سيمون بوليفار، الذي حرر فينزويلا وكولومبيا والاكوادور وبوليفيا من الحكم الإسباني عام 1819.
ومع موجة التغيير التي اجترحها، استبدل شافيز في الدستور الجديد، عبارة «الجمهورية الفينزويلية» بعبارة «جمهورية فينزويلا البوليفارية.»
وفي الكتب التي صدرت عنه لأولاد المدارس صنَّف نفسه كقائد عالمي، وليس قائداً محلياً أو إقليمياً فقط. وقد حاول أثناء قمة عدم الانحياز التي عُقِدت في طهران، أن يجدد فكرة إنشاء حركة دول عدم الانحياز التي أسسها رئيس وزراء الهند جواهر لآل نهرو والرئيس المصري جمال عبدالناصر والرئيس اليوغوسلافي جوزيف تيتو.
عام 1955 اجتمع الثلاثة في باندونغ (الصين) ليدشنوا تأسيس الحركة بمشاركة شو إن لاي والرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو والرئيس الغاني كوامي نكروما (قُتِل بعد ذلك).
وعبارة عدم الانحياز اقتبسها نهرو من وزير خارجيته كريشنا مينون الذي ذكرها في خطاب له ألقاه من فوق منبر الأمم المتحدة عام 1953. وهكذا أصبحت تلك العبارة عنواناً للحركة، إضافة الى المبادئ الخمسة التي وضعها نهرو لمعالجة العلاقات الهندية – الصينية.
بعد النجاح الذي أحرزته تلك الحركة على الصعيد العالمي، استهوت الكثير من الدول نظراً لأهدافها السياسية الشعبية. ولم تمضِ فترة قصيرة حتى أصبح عدد الدول المنتمية اليها 120 دولة، يزيد عدد شعوبها عن نصف سكان العالم.
والمؤسف أن دول تلك الحركة لم تنجُ من الاقتتال والتنابذ، بدليل أن الحرب نشبت بين أعضائها. تماماً مثلما حدث بين الهند وباكستان أو بين العراق وإيران.
ويرى المراقبون أن تلك «الحركة» وُلدت من رحم الحرب العالمية الثانية كنتيجة مباشرة للحرب الباردة التي نشبت بين المعسكر الغربي (الولايات المتحدة ودول حلف الناتو) وبين المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي ودول حلف وارسو).
وفي مؤتمر القمة السادسة عشرة لدول حركة عدم الانحياز، الذي عُقِد في طهران (26-8-2012)، حاول شافيز تجسير الخلافات بين ايران ودول الخليج أو بين مصر وسورية... ولكنه فوجئ بكلمة الرئيس المصري محمد مرسي الذي انتقد نظام الأسد، ووصفه بأنه نظام قمعي غير شرعي. عندها انسحب الوفد السوري من المؤتمر. كما أعرب شافيز عن امتعاضه بسبب الصداقة التي تجمعه مع بشار الأسد.
وحدث أثناء وجود الرئيس الفينزويلي الراحل في مؤتمر طهران أن طلب من مترجمه الخاص ريمون أبشي ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط (وهو من أصل زغرتاوي) أن يهيئ له زيارة رسمية الى لبنان. خصوصاً أنه يعرف لبنان من خلال 16 وزيراً وموظفاً كبيراً اختارهم لمؤازرته في الحكم.
وكما حدث في السابق من خلافات بين أهل الحكم اللبناني على تأجيل زيارتَي جمال عبدالناصر والجنرال شارل ديغول... هكذا أبلِغَ ريمون أبشي أن من المستحسن تأجيل الزيارة نظراً لحساسيتها وظروفها غير المواتية.
بقي السؤال المتعلق بالمستقبل السياسي الذي يراهن عليه نائب الرئيس نيكولاس مادورو، وما إذا كان في مقدوره إحياء الخط العقائدي الذي رسمه شافيز في دول اميركا اللاتينية؟!
يُجمِع المحللون على القول إن مادورو لا يملك شخصية القائد التي كان يتميز بها «ساحر الجماهير.» ذلك أن نجاحه خلال الفترة التي خدم فيها كوزير خارجية وكرئيس لمجلس النواب، دائماً كان يُقاس بمدى قدرته على تنفيذ أوامر معلمه. ومعنى هذا أنه سيظل يعمل كما لو أنه في ظل ذلك الراحل. لذلك بدأت المعارضة تطلق عليه ألقاباً مختلفة كالقول: «انه شافيزمو من دون شافيز».
في احتفال جماهيري ضخم أقيم في كراكاس مطلع كانون الثاني (يناير) الماضي، أعطيَت الكلمة لمادورو. واستغل فرصة غياب معلمه في المستشفى في هافانا، وراح يقلده بالقول: إن الثورة ستستمر... وستنتصر. ثم رفع عقيرته بالزعيق والصراخ، وقال: شافيز يعيش في كل واحد منا... شافيز هو فينزويلا. وكان لافتاً أن جمهور المستمعين لم يرحب بهذا التشبيه لإحساسه بأن المتكلم يحاول إظهار ولائه بطريقة رخيصة ومُستهجنة.
ويتردد في كراكاس أن سبب احتضان شافيز لمادورو يعود الى الخدمة التي قدمتها له الزوجة ساليه فلورس عام 1994، وكانت في حينه تتولى وظيفة المدعي العام. وقد ساهمت في لعب دور إيجابي لمصلحة الإفراج عن السجين هوغو شافيز. ولما وصل الى الحكم عام 1998 حرص على أن يكون مادورو وزوجته ساليه من الحاشية المقربة اليه. لذلك عيَّنه وزيراً للخارجية عام 2006، واعتمد على نشاطه في الأمور المتعلقة بإغاظة الولايات المتحدة، كالانفتاح على صديقيه معمّر القذافي وبشّار الأسد.
يقول المحللون إن موت شافيز سيكشف الحقيقة عن شخصية نائبه. والسبب أن نفوذ الرئيس الراحل كان طاغياً ومهيمناً بحيث لم يترك لنائبه ولغيره، كوّة سياسية صغيرة يطل منها على الناس. ولكنه بعد شهر، وفي حال انتخبه الحزب الحاكم، فإن مادورو سيظهر على حقيقته!
* كاتب وصحافي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.