لا يمكن الحديث عن نجاح كبير حالف معرض جدة الدولي للكتاب، الذي يقام الآن في مركز الجمجوم، وبالتالي باءت بالفشل توقعات المشرفين عليه بأن يتجاوز عدد زائري المعرض الپ200 ألف زائر. عوامل عدة تضافرت لتشكل عقبة أمام معرض جدة، وحالت دون أن يسجل ظاهرة متفرّدة. من هذه العوامل توقيته الذي تزامن مع العودة إلى المدارس، وقرب حلول شهر رمضان المبارك في آن واحد، ما يعني انصراف الأسر السعودية إلى توفير الحاجات الضرورية للمدرسة والشهر الكريم. والعامل الأهم وراء تواضع المعرض، أنه جاء بعد أشهر قليلة من معرض الرياض للكتاب الدولي، الذي حقق نجاحاً مدوياً ولافتاً، بسبب ضخامة عدد دور النشر المشاركة، والتنظيم والإعداد الجيدين، ودعوة عدد كبير من الأدباء السعوديين الى المشاركة، والتسهيلات التي حظي بها الناشرون، وما أحدثته النشاطات الثقافية التي أقيمت على هامش المعرض، من ردود فعل لا تزال اقلام بعض الكتّاب والصحافيين تتداولها، بخاصة السجال الفكري الذي حصل في بعض النشاطات. أَثَر الحرب الإسرائيلية على لبنان، خلال الشهر الماضي، بدا جلياً في المعرض من خلال إصدارات دور النشر المشاركة، بخاصة الدور اللبنانية، فعدا عناوين قليلة جاءت غالبية الكتب لا تختلف عما سبق أن عرضته الدور نفسها، في الرياض. لكن معرض جدة من جهة أخرى، تمكّن تذليل الصعاب التي كانت تواجهها بعض الدور، وحالت دون تسجيل حضورها في المعارض الدولية السابقة التي نظمت في السعودية، سواء في الرياض أم في جدة، ليسمح لها أخيراً بالمشاركة. وفي مقدم هذه الدور التي تشارك للمرة الأولى، دار رياض الريس، التي يرجح مثقفون أن استثناءها من المشاركة في ما مضى، يعود إلى الجرأة في الكثير من إصداراتها، والتي يصعب التساهل معها، إلا في ظل انفتاح ثقافي معين كالذي تشهده السعودية راهناً. وإذا كان برنامج المعرض خلا من أي نشاط ثقافي، فإن القائمين عليه يعولون كثيراً على حفلة التوقيع التي ستنظم للشاعر والروائي غازي القصيبي، الذي باعت روايته الجديدة"الجنية"المؤسسة العربية للدراسات والنشر حتى اليوم، أكثر من 350 نسخة، وهي كمية تعد كبيرة جداً، قياساً الى ما حققته غالبية الإصدارات مبيعاً، الأمر الذي قد يعوض النقص الذي اعترى المعرض، في نواح مختلفة، لما للقصيبي من شعبية جارفة وانتشار واسع لكتبه، بين المثقفين وسواهم، مع أن ناشر الرواية ماهر كيالي لم يؤكد حفلة التوقيع. وكانت رواية"الجنية"، بحسب الناشر، باعت في الشهر الأول من إصدارها نحو 7000 آلاف نسخة، يتوقع نفاد الطبعة الأولى منها قريباً، ليشرع في إصدار طبعة ثانية. ومن الأمور اللافتة في المعرض خلوه من أي عمل روائي لنجيب محفوظ ، الذي رحل في 29 من الشهر الفائت. وقبل أن يبدي الزوار امتعاضهم مما يمكن اعتباره خطأ كبيراً، أوضح ناشر محفوظدار الشروق أن طبعات جديدة من رواياته ستصدر في القاهرة بمناسبة الأربعين، وفي طليعتها روايته التي أثارت سجالاً حاداً ولا تزال"أولاد حارتنا". وقال إن الطلب على روايات صاحب"الحرافيش"كبير جداً، مقارنة بالدورات السابقة. وشهد المعرض مشاركة نحو 250 دار نشر عربية، وعدد محدود من دور النشر الأجنبية، من بريطانيا وألمانيا وتركيا وإيران، إضافة إلى 200 دار نشر سعودية، تعرض كلها أكثر من 200 ألف عنوان. وامتدح عدد من الناشرين التنظيم والمرونة الرقابية، إلا أنهم وصفوا حركة البيع بالپ"معقولة". ويقول صاحب"المركز الثقافي العربي"حسن ياغي، الذي تعرض منزله في بيروت لضرر كبير بسبب الحرب الإسرائيلية، اضطره إلى اللجوء مع أسرته إلى مكان بعيد وآمن، إن معرض جدة لا يقارن أبداً بمعرض الرياض، لكنه يجده"جيداً نسبياً". وقال إنه فوجئ بالإقبال الملاحظ على كتب الفلسفة والدراسات النقدية والفكرية، إلى جانب الرواية، بخاصة روايات عبدالرحمن منيف. وأضاف أن معظم الزوار يطلبون أشياء محددة سلفاً. صاحب"دار الانتشار"نبيل مروة ذكر أن الطلب كان على كتب مثل:"يوم الساعة أو النهاية الحتمية"لمحمد أحمد سعادة ، وپ"الملف السري للنكتة العربية"لحسين الداموني، وپ"عين سوسيوثقافية"لعبدالله المحيميد... في حين نفدت نسخ روايتي الجزائرية فضيلة الفاروق"تاء الخجل"وپ"اكتشاف الشهوة"الصادرتين عن دار رياض الريس. وتردد أن الرقابة منعت عدداً من الكتب، منها"نساء عند خط الاستواء"للسعودية زينب حفني، وأعمال المصرية نوال السعداوي، وپ"ملكوت طفلة الرب"لليبي إبراهيم الكوني و"أميركا والسعودية"لغازي القصيبي. وقال مجد حيدردار ورد إن بعضاً مما لم يتم فسحه من إصدارات الدار، كان عرضه في معرض الرياض. وكانت وزارة الثقافة والإعلام شكلت فريق عمل للإشراف على المعرض، الذي تنظمه جهة تجارية، يترأسه الشاعر أحمد قران الزهراني الذي قال"إن إقامة معرض للكتاب في مركز تجاري تجربة جديدة، بيد أنها سلاح ذو حدين، إما أن تسجل نجاحاً كبيراً أو فشلاً ذريعاً". وأكد أن الرقابة فسحت كل الإصدارات والكتب المشاركة ما عدا بعض العناوين. وأخيراً وعلى رغم المآخذ على معرض جدة، إلا أنه في رأي عدد من الناشرين أفضل بكثير من معارض تعد جيدة تنظمها بلدان عربية أخرى، خصوصاً في حركة البيع. فمن المعروف لدى الناشرين أن المعارض التي تنظمها السعودية، تمثل مناسبة فعلية لبيع كميات كبيرة من الكتب. وبالتالي فالحرص على المشاركة كبير بالنسبة الى دور النشر العربية، بخاصة التي أصدرت أعمالاً روائية رافقها ولا يزال جدل واسع، ساهم في نفاد نسخها كاملة من المعرض.