"أشعر بأن ليس ثمة مخلوق، أب أو أم، يربطني كالوتد إلى محيط معين، أقرأ وأنام، أخرج وأدخل، ألعب مع أشخاص يشبهون حالاتي". بهذه الكلمات تصف الطالبة الجامعية المعوقة عزيزة حالتها، وتضيف:"إلا أنني منذ صغري كنت أشعر بأنني مختلفة. أقصد أنني لست كبقية المعوقين، لا أتأثر بنظرة الناس اليّ، لا أتألم لما يتألم له أصدقائي من النقص الذي يعانونه بأجسادهم". عزيزة هذه تشبثت دائماً بالحياة وحلمت بلحظة دخول الجامعة، وحققت ذلك منذ ثلاثة أعوام عندما بدأت دراسة التربية في جامعة تشرين. انصرفت عزيزة، التي أصبحت الآن في السنة الثالثة، بكل طاقاتها الى حياتها الجامعية. وسرعان ما اكتشفت أشياء لم تكن تفكر بها سابقاً. فمثلاً، أصبحت تشاهد شباناً وشابات برفقة بعضهم بعضاً يتقاسمون الجلوس في قاعة المحاضرات ويتبادلون الابتسامة والنظرات. هذا الأمر لم تكن معتادة عليه وأصبحت تتمنى أن تنعم بهذه الرفقة المختلطة."في السنة الأولى حظيت باهتمام بالغ من بعض زميلاتي، غير أنني لم أحظ باللفتة ذاتها من زملائي"تقول عزيزة ومعالم الحزن على وجهها. غير أنها فكرت انه يمكنها كسب أصدقاء من خلال تفوقها في الدراسة. ولم تكن تبالي بدهشة المعلمين وإعجاب زملائها أو حسدهم. وكانت تفسر قدرتها العقلية على الحفظ والاستيعاب والفهم بأن الله عوضها عن نقصها الجسدي بمزايا ذهنية. وسرعان ما بدأ زملاؤها يطلبون ودها ويعرضون عليها دعوة الى الغداء"لإعطائهم سرّ تفوقها الدراسي"كما يقول محمد. هذا كان في البداية غير أن مع تكرار الجلسات معها اكتشف أصدقاؤها الشخصية الطيبة التي تتمتع بها عزيزة صاحبة الوجه الطفولي الى درجة انهم باتوا يتنافسون على الجلوس بقربها. ويوم كانت تغيب عن الدوام تراهم يسألون بعضهم بعضاً عن سبب غيابها والخوف من أن تكون مريضة. ولشدة تعلقهم بها قرروا توفير مبلغ بسيط من المال لمساعدتها على تأمين بعض حاجاتها كشراء قماش من أجل خياطة الثياب التي تناسب جسدها وغيرها من الأشياء. وفرحت عزيزة بهذه اللفتة وبدورها عملت مرشدة لأصدقائها الذين يفضون إليها أسرارهم ويطلبون مشورتها، فذاك يدلها على الفتاة التي تعجبه وتلك تبوح لها بسر حبها،"كنت أشعر بالسعادة عندما أستمع إلى أخبار أصدقائي العاطفية"تقول عزيزة، وتضيف:"كنت مراراً أتمنى أن يكون لدي حبيب يتقبل ما أنا عليه". لكن مع مرور الوقت اقتنعت بأن ليس من الجدوى تفكيرها الدائم بشاب غير معوق، فمعظم معارفها من الشبان يتهافتون وراء الشابات صاحبات القوام الرشيق. لذا، قررت تحويل حلمها بشاب طويل ووسيم كما تقول إلى حلم بشاب آخر حالته تشبه حالتها. وبما أنها تترك اللقاء به للصدفة والحظ، قررت تركيز جهودها على الدراسة والتفوق. أما ما تريده من وراء ذلك فهو نيل شهادة تؤهلها للعمل في التدريس كونها تحب هذه المهنة منذ صغرها.