تبدو ظاهرة لجوء الشباب والشابات الكرد الى امتهان الرسم والموسيقى في شكل لا هوادة فيه، مثيرة بقوتها وتفشيها الاستغراب. فتفضيلهم هذا النوع من الفنون الابداعية على الفنون الاخرى وعلى حساب تعليمهم، شيء محير شغل الاذهان. ثمة من يعيد سبب تقدم الفن التشكيلي على الفنون الابداعية الاخرى الى غياب اللغة، اي ان الشباب الاكراد محرومون من لغتهم وعدم مقدرتهم على استيعاب وفهم اللغات الاخرى مثل لغتهم الأم وهذا يحول دون بلوغ الابداع الكتابي. وهناك قلة ترى أن تعقيدات اللهجات الكردية هو السبب بعدم اختيار الشباب الاكراد الفنون الابداعية الكتابية. ورأي الغالبية هو ان اختيار الفن التشكيلي والموسيقى يأتي من ان هذين الفنين لا يحتاجان لغة محددة، ففي إمكان اي فرد من العالم ان يقرأ اللوحة وان يسمع مقطعاً موسيقياً او غنائياً من دون اللجوء الى اللغة. المغني اوسمان جان 24 عاماً يخالف هذا الرأي، يقول: "ان الاداء السليم يأتي من صحة لفظك للكلمات في شكل سليم مصحة لفظة الكلمة تدل على القوة في اللغة اي انه مسألة طغيان موهبة على اخرى ليس الا!". ويتابع: "كنت مثل بقية اطفال العالم امتلك مواهب جمة الا ان احدى هذه المواهب طغت على زميلاتها وكان الغناء من نصيبي احاول بلورة شخصيتي من خلال هذه الموهبة". اجوبة المطرب شاهيبان لا تذهب بعيداً من اجابات زميله بالنسبة الى الرسامين والرسامات فلهم عالمهم الخاص! فالشابة روناك أحمد 17 سنة، طالبة بكالوريا علمي، تقول: "رغبتي في الرسم ولدت فيّ ورافقتني في اولى سنوات حياتي، وانتبه لها والداي واعتنيا بها الى درجة اصبح الرسم جزءاً مني لا استطيع التخلي عنه. رغبتي في الرسم لا تتوقف عند حد، وأطمح بالوصول الى مستو راق جداً في الفن لم يسبقني اليه احد، وأبقى الى آخر لحظة من عمري اقدم الجديد الى الحياة وأدخل السعادة الى قلب الجميع من حولي بفني وألا اتوقف عن الرسم حتى الموت، ولكي يبقى فني كما بقيت فنون الرسامين العظام من قبلي". وتتابع: "عندما انتهي من لوحة اشعر بأنني وضعت حزناً رافقني طويلاً في غرفة معتمة، يطل من نافذة صغيرة فيها خيط امل يوصلني بالعالم الواقعي، وأشعر بالرغبة في متابعة الرسم لأخلق احلاماً جديدة وجميلة داخل قلوب البشرية جمعاء". وكذلك الامر عند الشابة حلا ديمو العلي 23 سنة خريجة معهد تجاري، تقول: "ارسم منذ الطفولة وأمتلك الموهبة، هدفي من الرسم ان اصل الى مرحلة اضيف فيها شيئاً جديداً الى فن الرسم وأكون من المبدعين". وتضيف: "أشعر بأنني انجزت عملاً مهماً ومفيداً، ينتابني شعور بالانتصار في حرب بيني وبين اللوحة، وشعور بأنني خلقت كائناً جديداً في الحياة". والشابة قيرين عجو 23 سنة سنة اولى ادب عربي، تقول: "الرسم يعبر عما في نفسي، هناك مواقف لا يستطيع المرء البوح بها، وخصوصاً الحالات العاطفية فيكون الصمت سيد الموقف، لهذا اشعر ان الفن يجعلني اعبر عما في داخلي من احاسيس ويجعلني اعزف على اوتار مختلف الفنون التي ترتقي بالانسان. اشعر انني انهيت اجمل سمفونية ألوان، كما فعل الفنانون العالميون من قبل، اشعر بفرح عظيم لأن هناك نهاية لقصة جميلة وبداية قصة اخرى في لوحة اخرى مع سمفونية جديدة". يبدو ان ريدي وقاص 22 سنة، متأثرة بجبال بلدها "عندما كنت اذهب الى القرية وأرى المشاهد الجبلية، كنت ارتاح وأشعر برغبة في إمساك الريشة والرسم، وأشعر بفرح عظيم وأشعر بأنني فنانة عظيمة، وبأنني حققت انتصاراً وأشعر بأنه اصبح لي كيان خاص وأشعر بالقوة". رندة الحسين 17 سنة، تدعي ان موهبتها اوصلتها الى الرسم "شعرت بأن لدي الموهبة في الرسم لذلك قررت الرسم، اشعر بأنني اعطي قيمة للمرأة عندما ارسم ولأنني احب الرسم، وأتمنى ان اصبح مشهورة وعظيمة، ولكي اثبت للعالم ان النساء ايضاً لهن حق الشهرة". سهام عبدو متزوجة تقول: "لأنني ارتاح عندما ارسم وأشعر بأنني اعبر عما في داخلي وعلى رغم انني متزوجة، شعرت بأنه يجب ان اعبر عما في داخلي من خلال الرسم، ويجب ألا اضيّع وقتي، ولأؤكد ان المرأة لها كيانها ويجب ان تحقق ذاتها على رغم الحواجز ليست كل النساء مهتمات فقط بأمور تافهة وفارغة". وهي لا تنكر فضائل زوجها "ألقى الدعم والتشجيع من زوجي وأبنائي وأهلي. اشعر بأنني انجزت عملاً عظيماً، وأدخلت احاسيس لم استطع ان اعبر عنها بأشكال اخرى". تبدأ الغرابة عند الشاب محمود بكر كونه حصل على الشهادة الابتدائية بعد ان بلغ ال26 عاماً وعلى رغم انه مصاب بالشلل فإنه يملك ارادة استثنائية فهو بهذا الحال يستمر بالحياة عبر لغة الرسم ويقول: "لغة اتحدث بها عن المشكلات التي تعترضني والتي لا استطيع التحدث عنها... كل لوحة ارسمها اشعر انني انهيت مشكلة". اما الشاب احمد رائد محمد 25 سنة، فيقول: "احب الرسم لأنني مرتبط به داخلياً، البيئة والمنطقة هي التي جعلتني ارسم وهي موهبة رافقتني منذ الطفولة". شابات كرديات يناقشن غسل العار "الجثة المجهولة" و"لماذا قتل عبدالله ابنته سعاد؟" و"لماذا قتلت مريم زوجة ابيها؟" و"قتلوها وتركوا السكين" و"جثة في التنور"... الخ. عناوين لمقالات تنشرها صحيفة "خبات" الاسبوعية التي تصدر في أربيل العراق على حلقات عن جرائم حدثت وتحدث لدى العشائر الكردية في كردستان تحت ستار غسل العار. لا شك في ان هناك مواضيع مثيرة تشغل اهتمامات الشباب والشابات ك"غسل العار"، "الشرف"، "العيب"، "العداوة". الا ان اللافت في "غسل العار" اخذه مجالاً واسعاً في النقاش لدى الأكراد هذه الايام، كونه لفت انظار المسؤولين والسياسيين الاكراد وبدرجة اولى انظار حكومة إقليم كردستان ورئىسها نيجرفان البارزاني. فبارزاني خصص لحال "غسل العار" جلسة كاملة لمجلس الوزراء لكي يخرج الوزراء من الجلسة على استعداد لمحاربة هذه النزعة لدى المجتمع الكردي، وحولوا مهمة إنجاز القرار الى برلمان الاقليم. كلام نيجرفان البارزاني اصبح على ألسن الاكراد وأخذوا يتناقشون في شأن هذه الظاهرة التي ما زال المجتمع الكردي يعاني منها وإزالتها اصبحت ضرورة حضارية. فتاة كردية تحمل سماعة الهاتف تتصل بصديقاتها لتبشرهن بما جرى في اجتماع مجلس وزراء إقليم كردستان العراق، وفتاة اخرى تفتح "طاولة حلوة" لصديقاتها في بيتها احتفاء بالقرار. التقت فتيات في احد المنازل وشرعن بنقاش حول صحة القرار وهل انه "جاء في ظرف مناسب أم لا؟". احداهن تتهم الكتّاب الأكراد بالخضوع للعشائرية، "فالسكوت عن المنطق العشائري هو نفسه العشائرية". فتاة اخرى توجه الحديث لكاتب صودف حضوره في المنزل: "ألم تسهموا في بقاء العشائرية... الى متى سنبقى اسرى لهذا المنطقة؟ الى متى سنعاني وندفع ثمن تخلفنا؟ في رأيك اذا سكتم عن هذه العقلية فهل سنتطور؟". فترد زميلة لها قائلة: "اتركي هذا المسكين، اسأليه عن "اكراد اوروبا" كيف يقتلون بناتهم؟ وتتوجه اليه وتسأله هل انت على علم بما حدث في السويد عندما قام خال بيلا وعمها باستدراجها الى غابة قريبة وانهالا عليها طعناً بسكينتين... ولم يتركا شيئاً من جسدها إلا طعناه؟"، وتتابع: "في رأيي ان نيجرفان محق وجريء". سبق لي ان التقيت بامرأة "صدفة" في باص يقلنا من حلب الى دمشق، لم تكف طوال الرحلة عن رواية حادثة جرت لابنتها، فهي تصف جمال ابنتها ورقتها وذكاءها وكيف ان جارتها التي تغار منها اخبرت زوجها بأنها خانته في ورشة الخياطة التي كانت تعمل فيها. وتضيف وهي تذرف الدموع "أخي، انني متأكدة من ابنتي. انها بريئة من كل ما قالوا عنها، لأنها كانت تقدم النصائح لأخواتها لكي يتجنبن الاقاويل والمشكلات وكذلك امكنة تجمع الرجال... فهي كانت تشكو من سلوك والدها وتصرفاته. لم يكن يعود الى البيت الا في آخر الليل... بين فترة وأخرى كانت تشكو لأعمامها من تصرفات والدها". تتابع وتقول: "اتعرف لماذا قتلت ابنتي؟... فقط لأنها الوحيدة التي كانت تنبه والدها بألاّ يتصرف هكذا... كانت تمنعه من الاتصال بتلك المرأة "الجارة"... كانت ابنتي تريد ان تنقلنا من مكان غير مناسب الى مكان لائق لمعيشتنا". وتتابع: "هذا كان ثمن استقامتها وذكائها وجمالها". وهي تذرف الدموع وتتمتم بكلمات "وعظية": "معليش! يا ابنتي أنت كنت على حق فهذه الدنيا باطلة ودنيا الحق احتضنتك اخيراً... مكانك هناك".